عندما يُغيّب الشرع تتحول المرأة إلى "جارية"!

لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن الشريعة الإسلامية أولت المرأة الأهمية التي لم تولها باقي الديانات السماوية، ولا حتى الأنظمة الوضعية، حيث أن الخطابات والنصوص الدينية الموجهة الى البشرية لم تغفل جانبها أبداً بل توجه لها وللرجل على حد سواء، قال تعالى  {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة : 71)

نعم هناك استثناء من بعض التكاليف مرجعه الى البنية التكوينية للمرأة من قبيل الجهاد الذي يحتاج الى جهد خاص، حيث تتطلب المعارك والحروب كراً وفراً، وهذا لا يتناسب والمرأة، غير إن الإسلام وإن أبقى مقعدها في ذلك الميدان شاغراً، إلا إنه لم يحرمها من ثواب ذلك العمل حيث ورد في بعض النصوص أن (جهاد المرأة حُسن التبعل) ومعنى حسن التبعل حسن الطاعة للزوج.

غير أن المرأة التي أنصفتها الشريعة وحافظت عليها ككيان مستقل له كرامته وحقوقه، جاء العرف ليعتدي على تلك الحقوق ويغيبها بعد أن صيرها أثراً بعد عين.

فمن أبسط الحقوق التي كفلتها الشريعة للمرأة، هو حق اختيار الشريك الكفؤ والمناسب، حيث اعتبر النص القرآني أن ما ينبغي أن تؤول إليه تلك العلاقة بين المرأة وبين من تختاره، هو المودة والرحمة، أما إذا سلب حق الاختيار فستتحول الى عذاب ونقمة، هذا من وجهة نظر الشارع، أما العرف فلم يعرْ لذلك أي اهتمام حيث صير المرأة الى سلعة تتقاذفها الأيدي، فالمتسلطون من الأخوة والأعمام وأبنائهم أو من يمت لهم بصلة كثر، لكنهم يشتركون في أمر واحد ، وهو حق الفيتو الذي من خلاله يسوغ لهم عرقلة ذلك الحق الفطري والإنساني الذي كفله الشارع، بل وصل الأمر في بعض الأعراف، إلى أن المرأة لا تقترن إلا بفرد من أفراد قبيلتها، ولا يحق لغيرهم التقدم لخطبتها، والأنكى والأمر هو ما تقوم به بعض القبائل، حيث تقوم بتقديم مجموعة من بناتها كجزء من الدية للقبيلة التي لها نزاع معها، وهي ما يطلق العرف بــ (الفصلية).

أما في الحقوق المالية فالكلام ذو شجون، لأن المتعارف عند أغلب الناس في الوقت الراهن، إبعاد المرأة عن مستحقاتها المالية، أي الحصة التي افترضها الشرع المقدس كحق لها والمعبر عنه بالإرث، وتلك الحصص تختلف بحسب المرأة الوارثة فإن كانت بنتاً فلها حصة معينة وإن كانت أماً فلها حصة مغايرة وكذا إن كانت أختاً فالحصة مختلفة على تفصيل مذكور في الكتب الفقهية.

ولعل هذا الأمر سببه الأساسي الطبيعة الذكورية للمجتمعات الشرقية، وبالأخص منها العربية، حيث تلحظ أن الثروة التي جمعتها العائلة لا يمكن السماح لها بالتسرب خارج النطاق الأسري، باعتبار أن المرأة من الممكن أن تقترن بشخص خارج العائلة، فسيكون مصير جزء من تلك الثروة بين يدين أجنبيتين.

وهذه التصرفات وفق ما ذكرته النصوص هو نوع من أنواع الغصب لأنه الاستيلاء على حق غيره قهراً بغير حق، وأكل للمال بالباطل  قال تعالى : {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وفي الحديث النبوي الشريف "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" وقوله (صلى الله عليه واله) : "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه".

أما المرأة وحقوقها المنزلية، فمن الناحية الشرعية لا يجب عليها القيام بأي نوع من أنواع الخدمة كالطبخ والتنظيف وغيرها، بل حتى رضاعة أطفالها غير واجبة وإن شاءت أخذت أجراً على ذلك من الزوج، وعليه أن ينفق عليها بما يتلاءم مع شأنها قبل الزواج، لكن السائد في أغلب البيوت هو على النقيض من ذلك تماماً، حيث لا فرق بين جواري العصور الوسطى وبعض النساء في هذه الأيام بتقدير بعض الأزواج، إذ يرون أنهم حينما ينفقون عليهن سواء كانت النفقة مأكل أو ملبس أو مسكن فهذه منه لابد من شكرهم عليها، مع أنه واجبهم الشرعي الذي لابد من أدائه.