هل التوبة واجبة أم مستحبة؟

يدل على وجوب التوبة وفضلها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)([1]) ومعنى النصوح الخالص لله.

وقوله تعالى أيضا: {...وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}([2])، وهو أمر منه تعالى للمؤمنين كافة، ومن المعلوم أن الأمر مفاده الوجوب فيجب عليهم جميعاً التوبة، وقد جعل تعالى نتيجة التوبة الفلاح. وكذلك قوله عز من قائل: {...إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}([3]).

وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: (إن الله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها فالله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها)([4]). وعن الصادق عليه السلام: (إن الله يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب كما يفرح أحدكم بضالته إذا وجدها)([5]).

وعنه عليه السلام في قوله تعالى: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} قال: (هو الذنب الذي لا يعود فيه أبدا. قيل: وأينا لم يعد؟ قال: يا فلان إن الله يحب من عباده المفتن التواب)([6])، وفي رواية أخرى: (ومن لا يكون ذلك منه كان أفضل)([7]). وعنه عليه السلام: (إذا تاب العبد توبة نصوحة أحبه الله فستر عليه، قيل: وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كانا يكتبان عليه ويوحي الله إلى جوارحه؟ وإلى بقاع الأرض أن اكتمي عليه ذنوبه فيلقى الله تعالى حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب)([8])". وعن الباقر عليه السلام: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو يستغفر منه، کالمستهزئ)([9]). وقد انعقد إجماع الأمة بجميع طوائفها ومذاهبها على وجوب التوبة ولم يذكر فيه خلاف.

كما إن العقل حاکم بحسنها وقبح تركها فهذه الأدلة الأربعة من کتاب وسنة وإجماع وعقل قائمة على فضلها ووجوبها مما لا يدع مجالا للشك فيهما.

لكن قد يقال: إن التوبة هي الندم أو على الأقل إن الندم هو جزء مهم من مركب اسمه التوبة وهو لا يدخل تحت اختيار الإنسان فهو من الأمور القلبية فكيف يكلف الله تعالى الإنسان بالندم وهو ليس باختياره، أليس هو كقول القائل حب فلان أو أبغض فلان مع إن الحب والبغض لا يقعان تحت اختيار الإنسان؟ والجواب: تقدم أن سبب حصول الندم هو العلم السابق بأن الذنوب هي سبب حرمان الإنسان مما يحبه ويطلبه، وتحصيل العلم داخل تحت اختيار الإنسان، فالتكليف به جائز، فإذا حصل العلم اشتعلت نار الندم في قلب الإنسان، ليتحقق بذلك ما يكفي من الندم الباعث نحو التوبة. ومن جملة ما استدل به على وجوب التوبة: أولا: إنها دافعة للضرر الذي هو العقاب، ودفع الضرر الأخروي واجب عقلا. ثانيا: إن العزم على ارتكاب القبائح وترك الفرائض قبیح عقلا، فيجب اجتنابه، وهو لا يحصل إلا بالتوبة.

الهوامش:

([1]) التحريم: 8

([2]) النور: 31

([3]) البقرة: ٢٢٢

([4]) الكافي: ج2، ص435-436 تحت رقم8.

([5]) نفس المصدر السابق. تحت رقم ۱۳

([6]) الكافي: ج2، ص432 تحت رقم 4

([7]) نفس المصدر: ص436 تحت الرقم9.

([8]) نفس المصدر: ص436 تحت الرقم 12

([9]) نفس المصدر: تحت الرقم 13