في دُنيا ’الزهراء’ أم دُنيا أعدائها.. أين نعيش؟!

هذا ما قالته السيّدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) بعد مصابها، بعدما رضوا الريحانة، ومجيء نساء المهاجرين والأنصار إليها: (أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ عَائِفَةً لِدُنْيَاكُمْ، قَالِيَةً لِرِجَالِكُمْ‏، لَفَظْتُهُمْ قَبْلَ أَنْ عَجَمْتُهُمْ...) الى آخر الخطبة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

أي دنيا مقصودة هذه؟ فالسيدة ليست من أهل الدنيا والكل يعرف ذلك، ولم تكن مقبلة عليها ثم تركتها أو محبةً لها فكرهتها فتكون عائفةً لها الآن.

لابد أنها الدنيا التي صبغت أيام من تخاطبهم سيما بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث الانقلاب على الأعقاب، فتبرأت من (دنياهم) التي اتسمت بصفاتٍ غيّرت ملامح وجه التأريخ من مسفر الى معتم.

إنها دنياهم التي لم يراعوا فيها حرمة نبيّهم، خانوا أمانته، تناسوا تعاليمه، أحاديثه، لدرجة أن حديثاً مزوراً يتلى عليهم وينسب له كحديث (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) فيستقبلونه بأدمغة مقفلة وأفواه صامتة دون إنكارٍ للفرية على رسول الله!

دعونا نلقي نظرة على دنيانا، نوقف صخب أيامنا لبرهة ونتساءل أي دنياً نعش نحن، هل هي دنيا الزهراء أم العائفة لها؟! عندما أصبحنا على أيام لا ندري كم لبثنا قبلها لتتحول وتنتقل كل هذه الانتقالة المرعبة التي صارت فيها الأحكام الشرعية باهتة بعدم الاستعمال! بتنا لا نحكّم تعاليم النبي، نسينا أننا أمته وأن إيماننا الحق مقرونٌ بالتسليم ليس إلا، يقول تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما). النساء- آية (66)

إن الدنيا التي تركتها السيدة فاطمة تلك التي ركنوا فيها الى طلب عافيتها دون عافية الدين فالمهم توفّر وجبة الطعام والمال ولا يهم إن كان إمام الزمان يُحرق باب داره وتُغصب منه الخلافة.

كحال من لا يهمّه أن تُعطل الأحكام الشرعية وينتشر الباطل والسوء أمام عينيه وتمحى هويته ويستهان بمقدساته وطنه ومقدساته ويرى أن الدماء التي تُسفك لأجلهما هي دماء حروب مجردة يتنازع فيها طرفان متخاصمان دون أن يلاحظ أُس الحق ولا آثار الباطل لو أنه ساد وغلب.

هي سلام الله عليها عائفة للدنيا التي تجعل نساءنا منشغلة بسفاسف الأمور دون معاليها، حياتها عبارة عن لا هدف، لا مشروع نتيجة عدم ارتباطها بالقدوة الحسنة، لا تدرك قيمتها ولا تعزز فطرتها فتركض خلف قدوات سطحية لا ترقى لشخصية المرأة العظيمة. لا تدرك مسارها ووظيفتها.

تلك النساء لم يرتبطن بفاطمة فهجرت دنياهن بل ربطنها بالجو العام الذي نأى بنفسه عن أداء التكليف وحمل هموم الأمة وتطبيق الشريعة بحذافيرها والتخلي عن المعصوم، فلم تتميز إحداهن عن هذا الجو. حجّمن وجودهن كثيراً ورسمن أدوارهن بفرشاةٍ متسخة بأدران الأهواء والإعلام المضلل.