السيستاني يُربّي على الورع

تنويه: يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

يقول المرجع الاعلى السيد السيستاني (دام ظله الشريف) عندما يعدد اعظم المعاصي، فيذكر "القول بغير علم و حجة" من ضمنها، وذلك في المسألة 30 في كتاب منهاج الصالحين، ج1، ص12.

وكان قبل ذلك قد ذكر ايضا من أعظم المعاصي: "قتل المسلم بل كل محقون الدم وكذلك التعدي عليه بجرح او ضرب او غير ذلك".

ومعنى قوله "او غير ذلك" اي غير ما ذكر من انواع التعدي، ومن الواضح ان القول بالافتراء على شخص والتهمة له بلا علم او حجة هو من التعدي ايضا على ذلك الشخص.

وكذلك ذكر السيد المرجع ذلك في كتاب المسائل المنتخبة، المسألة 24، تحت عنوان (اهم المحرمات في الشريعة الاسلامية)

و ذكر هذا الامر اخيراً في وصاياه للمبلغين والخطباء في هذا العام (1441هـ) بشيء من الاضافة الاخلاقية والتربوية المهمة التي سنعرضها للاستفادة منها جميعاً، فكانت هذه الوصية كما يلي: "تجنُّب القول بغير علم وبصيرة، فإنّ ذلك محرّم في الدين أيّاً كان مضمون القول، كما قال تعالى: [وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا] (الإسراء: 36)، وليس في حسن قصد المرء وسلامة غايته ما يبيح ذلك، كما لا يقيه من محاذير ذلك ومضاعفاته.

ولن يتأتّى ذلك إلّا بتنمية المرء لعلمه فيما يتعلّق بمجال حديثه وسعة اطّلاعه وممارسته والالتفات إلى مواضع الوفاق والخلاف ومواطن الوثوق والشكّ والريبة والأخذ بالاحتياط في الأمور كلّها."

لعل اهم فقرة في هذا النص هو قوله: "وليس في حسن قصد المرء وسلامة غايته، ما يبيح ذلك، كما لا يقيه من محاذير ذلك ومضاعفاته" فبعد ان ذكر الحكم بحرمة القول بغير علم لأي مضمون كان، مستشهدا بالاية الكريمة، أردف بهذه الفقرة ذات المفاد المهم، الذي لا يلتفت اليه البعض، جاعلين منه مبررا لاتهام الآخرين على الظنة والشبهة، او جراء هوى معين وحالة نفسية.

فيؤكد السيد (حفظه الله) بقوله: "وليس في حسن قصد المرء وسلامة غايته، ما يبيح ذلك" على ان مجرد حسن النية وسلامة الغاية لن تكون مصححاً او معذراً للوقوع بهذا الحرام، ولن تبيحه ابداً.

فمثلا: لا يمكن ان اتهم ابناً عاقاً لابيه بانه يخطط لقتل ذلك الاب او التخلص منه، او انهاء دوره، بلا دليل قاطع جازم، بل فقط لانه عاق او انه صدرت منه اقوال او افعال، انا فسرتها بتفسير معين، واطلقت التهمة عليه، لظن واحتمال ان قوله وفعله يعني انه يخطط لفعلٍ آخر !!! فهذا من الالزام بما لا يلزم. فربما هذا الابن العاق يرتكب معصية العقوق فقط لمراعاة مكاسبه ولا يهتم برضا والده، فهذه المعصية لا تبيح لي ان ارميه بمعصية اخرى هو براء منها ولا دليل عليها الا صورة ملازمات احتمالية قد تقبل الخطأ.

ولن ينفع حسن النية هنا وسلامة الغاية بعد الاتهام على الظن الذي قد يخالف الواقع فيكون ظلما، وعندها سيكون الخصم ذلك الابن العاق عند حكم عدل.

وهذا المعنى من التبعات اشار له السيد بعد ذلك بقوله: "كما لا يقيه من محاذير ذلك ومضاعفاته" فان المحذور الشرعي واقع عليه من جراء نفس القول بغير علم، والادهى من ذلك مضاعفاته التي يستلزمها من الاذاعة وهتك الحرمة وتشويه السمعة امام الافراد او الجماعات، خصوصا اذا كانوا يثقون بالقائل، واخذوا كلامه على انه صادر عن علم ورتبوا الاثار وقاموا بالترويج ونقل الاتهام من بلد الى بلد، فليستعد حينها ذلك القائل بغير علم، لتحمل اوزار الآخرين مضاعفة على تهور كان في غنى عنه.

ومن اهم المُردِيات في هذا الجانب هو ان يحسب ما ليس بعلم علما، وما ليس بدليل دليلا، بتسويلات من النفس وهواها جراء موقف معين او خصومة في موضوع اخر.

فتجده يحكم على الآخرين جراء افعال لهم قد تحتمل اكثر من وجه، فهو يختار الوجه والاحتمال الذي يدينهم ثم يرخي الحبل لهواه ليصدر حكماً فيجعل من احتماله الشخصي علماً وهذا باطل واضح، فلا يمكن ان يكون الاحتمال المتصور دليلا مع وجود احتمال آخر، وكما يقال: اذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال، ولن ينفعه بعد ذلك ان يقول ان الاحتمال كان قوياً!!! او ان ثقة اخبرني، لانه لو كان مخطئا، والمتهم بريء سيحاسبه الله تعالى وياخذ حق ذلك المتهم منه حتى لو كان المتهم من افسق الفساق واكبر السراق. هكذا هي عدالة الله جل شأنه. وقد مرَّ في بداية الحديث بان التعدي ممنوع حتى على الكافر محقون الدم كالمعاهد مثلا، فكيف اذا كان على المؤمن سليم الاعتقاد!!

ثم بعد ذلك يوصي السيد بتنمية المعلومات الشخصية باي موضوع حتى يفرق الانسان بين مواطن الشك والوثوق وبالتالي لا يقحم نفسه في كلام من اجل الكلام فقط وبلا مناسبة.

ويختم السيد وصيتة في هذا الموضوع، بالاحتياط لانه سبيل النجاة وبه يربي الانسان نفسه على الورع عن المحارم وتقوى الله عز وجل.

وبهذا نستفيد من السيد المرجع درساً في الورع والاحتياط وعدم القول بغير علم.

ولا شك ان ما ذكره السيد ويذكره غيره من العلماء انه مستفاد في الحقيقة من منهج القرآن والانبياء والاوصياء صلوات الله عليهم.

حفظ الله تعالى المرجع المفدى و كافة العلماء العاملين ومتعنا بطول بقائهم.

والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد وآله ابدا.