كيف تعامل المسلمون تاريخيًا مع الأوبئة في شهر رمضان؟

- الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة رأي موقع «الأئمة الإثني عشر»

يحلّ شهر رمضان المبارك على المسلمين في هذا العام، في أثناء جائحة عالميّة منذُ كانون الأول/ ديسمبر 2019.

ويُطرح سؤال عن تعامل المسلمين سابقًا في أثناء شهر رمضان مع الأوبئة،  وهنا تقرير رصده «موقع الأئمة الاثني عشر» عن تاريخ الأوبئة في العصور الاسلامية، خلال شهر رمضان المبارك.

قال باحثون ومؤرخون إنه "مر على المسلمين جائحتان في شهر رمضان، أولاهما طاعون مسلم بن قتيبة في العصر الأموي بمدينة البصرة في العراق عام 131هـ، وثانيهما ما سمي الوباء العظيم، الذي وقع ببلاد الشام عام سنة 749 هـ، وانتقل إلى مصر.

وباء رمضان بالعصر الأموي

رصد الباحث أحمد العدوي في كتابهِ "الطاعون في العصر الأموي: صفحات مجهولة من تاريخ الخلافة الأموية" وقوع نحو 20 طاعوناً ووباءً في العصر الأموي. وأشار إلى أن الطاعون الوحيد الذي ألم بالمسلمين في رمضان كان بالعصر الأموي عام 131ه/ 748م؛ موضحا أنه بدأ بمدينة البصرة في العراق، وأنه ظهر في شهر رجب، واستمر في شعبان ورمضان، وانتهى في شوال.

وقال إنه "كان يحصي كل يوم في سكة المربد بالبصرة ألف جنازة، وإن أشهر من ماتوا بهذا الطاعون أبو بكر أيوب بن أبي تميمة كيسان، الذي قيل عنه إنه سيد أهل البصرة"، على حد وصف الباحث.

وناقش أحمد العدوي ما تسبب به الطاعون من كوارث ديموغرافية كان لها انعكاساتٍ سياسيّة لاحقة، ولفت إلى أن عزوف خلفاء بني أميّة عن الإقامة في دمشق نظرًا لتوالي فورات الطاعون على المدينة، واتقاءً للوباء أيضًا.

"رمضان والوباء العظيم"

من جانبه، أشار رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة الأسبق، سعد عبدالرحمن، إلى ما ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية"، عن موت الشاعر صلاح الدين الصفدي صاحب كتاب "التذكرة" في طاعون سنة 749ه/ 1391م، الذي اجتاح الشام وفلسطين ومصر، ووصل أوروبا، وسمي "الوباء العظيم".

وأضاف عبدالرحمن، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن الصفدي مات في الطاعون الذي ضرب مصر إبان شهر رمضان عام 764ه/ 1362م، وقد أودى هذا الطاعون بحياة الآلاف من أهلها، خاصة طائفة اليهود.

قدم المؤرخ الصلابي سردًا لأشهر ما وقع من الأوبئة والطواعين بفترات التاريخ الإسلامي، قائلًا إن "طاعون عمواس بزمن (...) الثاني بالشام (18ه/ 693م)، وطاعون الجارف بزمن عبد الله بن الزبير بالبصرة (69ه/ 688م)، وطاعون الفتيات بالعراق والشام (87ه/ 705م)، وطاعون مسلم بن قتيبة بالبصرة لمدة ثلاثة أشهر، الذي اشتد في رمضان، وكان يحصى ألف جنازة يوميا (131ه/ 748م)".

وأوضح أن المسلمين طوروا طرق مواجهتهم للطاعون والأوبئة، وفي العهد المملوكي بنى بعض السلاطين والميسورين "البيمارستانات" والحوانيت أو مغاسل الموتى بالشام، وأغلقت حوانيت الخمر، وترك الناس الفواحش والمنكرات.

أين يذهب الناس في زمن الوباء؟

أكدت محاضرة التاريخ الإسلامي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، سمية فتحي، أنه "علينا طرح السؤال 'هل مرّ على المسلمين الأوبئة في شهر رمضان تاريخيًا؟' ويحتاج ذلك إلى بحث تاريخي عميق، ليس في المصادر التاريخية فحسب، بل في كتب الفقه وغيرها".

العصر المملوكي

وأضافت فتحي أنه "جاء في كتاب (السلوك) للمقريزي، عن طاعون سنة (749ه/1348م و787ه/ 1385م)، أن الناس هرعت للجوامع للصلاة والقنوت والتضرع إلى الله برفع البلاء، (...) والدعاء بعدها لرفع الطاعون".

وتابعت أنه "في طاعون سنة (833هـ)، جمع السلطان 40 شريفًا من الأشراف، وأجلسهم بالجامع الأزهر، فقرؤوا القرآن، ودعوا الله تعالى، ودعا الناس معهم وقد امتلأ الجامع بهم"، موضحةً أنه "كان الناس يخرجون للصحراء يصلون بها وراء أئمتهم، و يستصرخون الله رفع البلاء".

في هذا الصدد قال أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الدكتور سعد الحلواني، إن "النوازل والجوائح طالت الأرض جميعها عشرات المرات، وأطاحت في بعضها بالكثير من أهل الأرض، ومنها العالم الإسلامي".

وحول وقوعها في شهر رمضان، لفت إلى أن "بعضا منها بالفعل وقعت في رمضان، إلا أنها ورغم ذلك لم تغلق المساجد بقرارات الحاكم، بل إن الناس كانوا من أنفسهم يبتعدون عن المساجد، وتوجهوا إلى الجبال والصحراء حتى ينتهي الوباء".

وأوضح أنه "لم يثبت منع الصوم في ظل أي جائحة وقعت خلال شهر رمضان"، مضيفا أنه "حتى الحج والعمرة لم يثبت منعهما بسبب جوائح أو نوازل إلا في العام التالي لسرقة القرامطة للحجر الأسود من الكعبة المشرفة".

المصدر: وكالات

موقع الأئمة الاثني عشر