الإجهاض... متى يجوز إسقاط الجنين؟

من المسائل المتجددة في واقعنا المعاصر، مسألة الإجهاض للجنين ، حيث ان هذه المسألة قد انتشرت بين الناس انتشارا كبيرا صار من اللازم البحث عن هذه المسألة من جهة شرعية وبيان الموقف الشرعي فيها.

ومن هنا فقد تكلم الفقهاء عن الإجهاض ، وفرقوا بين حكم الإجهاض قبل نفخ الروح، وبعده، وراعوا موارد الضرورة والحرج ، ومع تقدم الطب في عصرنا الحاضر، امكن معرفة حجم الخطر الذي يَحِلُّ بالأم بسبب بقاء الجنين، ودرجة الضرورة في ذلك، حيث صرح الفقهاء بأن كلام الاطباء معتبر ما لم يُوثق بخطاهم، ومن خلال هذه المقالة سنسلط الضوء على هذا الموضوع مبتدئين ببيان معنى الاجهاض وبيان الحكم في نفسه ثم ببيان حكمه اذا طرأ عليه عنوان ثانوي على الام من هلاك او ضرر او حرج، ثم الاشارة الى الخلاف بين الفقهاء الناشئ من فهمهم للأدلة الواردة في هذا الموضوع.

الإجهاض في اللغة

الإجهاض مصدر أجهض بمعنى إسقاط الحمل. ( الصحاح، ج۳، ص۱۰۶۹).

وليس لدى الفقهاء اصطلاح خاص فيه، بل يستعملونه بما له من المعنى عند أهل اللغة، وكثيراً ما يعبّر عنه بالإسقاط والإلقاء كما قد يعبّر عنه بالطرح أيضاً وهو تعبير يستعمله العرف كثيرا.

حكم الإجهاض في نفسه

لا خلاف بين الفقهاء في حرمة إسقاط الجنين عمداً في نفسه مع قطع النظر عن العناوين التي تطرأ عليه وسيأتي، سواء كان بعد ولوج الروح فيه أو قبله، برضا من الزوجين أو بدونه، بالمباشرة من الام او بالتسبيب بسبب الطبيبة.

قال السيد السيستاني في مسألة 73 المنهاج ج1/ مستحدثات المسائل: لا يجوز إسقاط الحمل وإن كان بويضة مخصبة بالحويمن...

دليل الحرمة

يستدلّ الفقهاء على حرمة إسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه - والذي يكون عادة بعد أربعة أشهر من انعقاد النطفة وقد يحصل قبل الاربعة اشهر- بصدق قتل النفس المحترمة، مضافاً إلى الروايات الآتية.

وأمّا قبل نفخ الروح فيه فيستدلّ على حرمة اسقاطه مضافاً إلى أنّه متسالم عليه بين الفقهاء بمجموعة من الروايات:

منها: موثقة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: المرأة تخاف الحَبَلَ فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها، قال: «لا»، فقلت: إنّما هو نطفة، فقال: «إنّ أوّل ما يخلق نطفة». الوسائل، ج۲۹، ص۲۶، ب ۷ من قصاص النفس، ح ۱.     

ومنها: صحيحة رفاعة قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أشتري الجارية فربّما احتبسُ طمثُها من فسادِ دمٍ أو ريحٍ في رحم فتُسقى دواءً لذلك فتطمث من يومها، أ فيجوز لي ذلك وأنا لا أدري من حَبَلٍ هو أو غيره؟ فقال لي: «لا تفعل ذلك»، فقلت له: إنّما ارتفع طمثها منها شهراً ولو كان ذلك من حبل إنّما كانت نطفةً كنطفة الرجل الذي يعزل، فقال لي: «انّ النطفة إذا اوقعت في الرحم تصير إلى علقة ثمّ إلى مضغة ثمّ إلى ما شاء اللَّه، وأنّ النطفة إذا اوقعت في غير الرحم لم يخلق منها شيء فلا تسقها دواءً إذا ارتفع طمثها شهراً وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيها». (الوسائل، ج۲، ص۳۳۸، ب ۳۳ من الحيض، ح ۱).   

ومنها: الروايات الواردة في لزوم تأخير رجم الحامل إلى أن تضع وترضع ولدها، منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مُحصنة زنتْ وهي حُبلى؟ قال: «تقر حتى تضعَ ما في بطنها، وترضع ولدها ثمّ تُرجم». (الوسائل، ج۲۸، ص۱۰۶، ب ۱6 من حد الزنا، ح 4).

ظاهر هذه الرواية ـ عرفاً ـ وجوب حفظ الجنين وعدم جواز التفريط به شرعاً.  

إجهاض الجنين الميت

إنّ حرمة الإجهاض تختصّ بما إذا كان الجنين حيّاً، وأمّا إذا كان ميتاً في بطن امّه فلا إشكال في جواز إسقاطه؛ لانصراف الأدلّة المتقدمة وعدم شمول شيء منها لهذه الحالة، بل قد يجب الإجهاض عندئذٍ لنجاة امّه وحفظ حياتها. وهذا كلّه واضح فقهياً وإن لم يصرّح به الفقهاء.

اجهاض مشوّه الخلقة

 لكن وقع الكلام بين الفقهاء فيما اذا كان الجنين حيّاً ولكنه ثبت علمياً كون الجنين مشوّهاً ومصاباً بعاهات أو عاهة واحدة، فهل يجوز اسقاطه؟ أو نحو ذلك من الأمور المشينة التي يصعب تحمّلها وتشقّ على الأبوين.

الواقع أنّ هذه من المسائل المستحدثة التي لم تكن مطروحة في كتب الفقهاء سابقاً لعدم معرفة حال الجنين، وأما الان ولتطور العلم الحديث اصبح من الميسور معرفة حاله فقد بحثها الفقهاء ضمن المسائل الفقهية المستحدثة .

 فقد يحتمل جواز الاسقاط نظراً إلى انصراف أدلّة الحرمة عن مثل هذه الحالات الشاذّة والنادرة، أو تمسّكاً بأدلة نفي العسر والحرج بالنسبة للأبوين لما فيه من الحرج الشديد المتوجه لهما جراء معرفة ان الجنين مشوه.

وهذا ما يظهر من رأي سماحة السيد السيستاني دام ظله لكن خصّه بما قبل ولوج الروح، جاء في جواب موجود على الموقع الرسمي: (اذا كان في استمرار الحمل او القيام بمقتضيات الحضانة بعد الولادة حرج شديد علي الام بحد لا يتحمل عادة جاز الاجهاض قبل ولوج الروح في الجنين واما بعده فلا يجوز على الاحوط وجوباً).

وبعض الفقهاء ذهب الى عدم الجواز لان ادلة تحريم الاجهاض مطلقة، خصوصاً إذا كان بعد ولوج الروح الذي يصدق عليه عندئذٍ قتل النفس البشريّة.

قال السيد الخوئي قُدس سرّه: (لا يجوز الاجهاض في هذا الفرض في تمام صوره، والله العالم). في جواب عن سؤال ما هذا نصه: إذا ثبت بطرق التشخيص أن الجنين مشوه بدرجة كبيرة أو مصاب بمرض لا علاج له، أو الطفل المولود سوف يكون عالة على أبويه وعلى مجتمعه باعتبار تشوهه؟

إسقاط الجنين لحفظ حياة الامّ

إذا دار الأمر بين حفظ الجنين وحفظ حياة الامّ بأنّ علم أنّ كليهما معاً لا يبقيان على قيد الحياة فالمستفاد من مباني المشهور في أمثال المقام هو التفصيل بين ما قبل ولوج الروح فيجوز الإسقاط وبين ما بعد ولوج الروح فلا يجوز الاسقاط.

 أمّا الجواز قبل ولوج الروح فلأنّه مقتضى إطلاقات أدلّة الاضطرار ونفي الضرر الحاكمة على أدلّة المحرمات، بل قد يقال بوجوب الإسقاط حينئذ؛ لأنّ فيه حفظ النفس المحترمة الواجبة الحفظ وهي حياة الامّ، وهو أهم من حرمة إسقاط الجنين الذي لم تلجه الروح بعدُ.

 وأمّا الحرمة بعد ولوج الروح فلأنّ أدلّة الاضطرار ونفي الضرر لكونها امتنانية لا تشمل القاء الضرر على إنسان آخر، خصوصاً في باب القتل فانّه لا فرق بين حرمة نفس ونفس فتبقى حرمة قتل النفس المحترمة ثابتة حتى للُامّ فيجب عليها الصبر.

قال سماحة السيد السيستاني دام ظله: (وأما بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز الإسقاط مطلقاً حتى في حالة الضرر والحرج على الأحوط لزوماً...) المنهاج ج1 مستحدثات المسائل.

 وقد أفتى بعض الفقهاء المعاصرين بجواز الإسقاط للُام فقط ولا يجوز لغيرها إبقاءً لحياة نفسها، مستدلًا على ذلك بأنّ هذا بابه باب التزاحم بين واجبين، وجوب حفظ النفس ووجوب حفظ الولد أو حرمة قتله، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر في الأهميّة؛ لكون كلّ منهما نفساً محترمة- لو لم نقل باحتمال أهمية الامّ على الولد الجنين- فمقتضى القاعدة التخيير كما هو الحال في سائر موارد التزاحم. التنقيح في شرح العروة، ج۹، ص۱۹۲.

فالجواز من باب القاعدة العقلية في موارد التزاحم لا من جهة روايات التقية أو الاضطرار ليقال بأنّه لا تقيّة في الدماء أو أنّها لا تشمل المقام.

قال السيد الخوئي: (... وأما إذا كان بعد ولوج الروح، فإن كان بقاؤه مؤديا إلى هلاكها جاز إسقاطه وإلا فلا). صراط النجاة.

إذا كان في الحمل مشقّة أو ضرر على الأم

إذا كان في الحمل أو الولادة مشقّة أو ضرر على الامّ- زائداً على الكُره والمشقّة الموجودة في نوع الحمل والولادة- ولكن دون أن يكون خطراً على حياتها فالمستفاد من مباني المشهور في أمثال المقام التفصيل بين ما قبل ولوج الروح فيجوز الإسقاط تمسّكاً بأدلّة نفي الحرج والضرر الحاكمة على أدلّة المحرمات الأوليّة. وبين ما بعد الولوج فلا يجوز؛ لعدم شمول الأدلّة الامتنانية لحالات القتل، بل الضرر على النفس الاخرى فتبقى أدلّة حرمة قتل النفس المحترمة محكمة.

قال سماحة السيد السيستاني دام ظله في مسألة 73 من مستحدثات المسائل: لا يجوز إسقاط الحمل وإن كان بويضة مخصبة بالحويمن إلا فيما إذا خافت الأم الضرر على نفسها من استمرار وجوده أو كان موجباً لوقوعها في حرج شديد لا يتحمل عادة فإنه يجوز لها عندئذٍ إسقاطه ما لم تلجه الروح، وأما بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز الإسقاط مطلقاً حتى في حالة الضرر والحرج على الأحوط لزوماً.