وردت روايات متعدِّدة من طرق الفريقين مفادها أنَّ منشأ نزول المعوَّذتين هو أنَّ لبيد بن أعصم اليهودي سحر النبيَّ (ص)(1) وفي بعضها (2) أنَّ بناتِه سحرنَ النبيَّ (ص).
اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام
وذلك بأنْ اتخذنَ مِشاطةَ رأسٍ وأسنانَ مُشطٍ وخيطاً عقدنَه احدى عشرة عُقدة وغرزن فيها الإبَر ثم وضعن كلَّ ذلك في قشر الطلع وخبأنَه في بئرٍ تحت صخرةٍ فتوَّعك النبيُّ (ص) لذلك وأصابه وجعٌ في بدنه فهبط عليه الوحيُ فأخبره بذلك فبعث عليَّاً (ع) وقيل بعث معه الزبير وعمَّاراً فاستخرج عليٌ (ع) المُشاطة وأسنان المُشط والخيط المعقود وجاء بها إلى النبيِّ (ص) فأنزل الله تعالى المعوِّذتين فتعوَّذ بهما النبيُّ (ص) فذهب عنه أثرُ السحر.
هذا حاصلُ ما ورد في سبب نزول المعوَّذتين، ولم يثبتْ شيءٌ من هذه الروايات من حيثُ السند.
إلا انَّه على فرض ثبوتها واقعاً فإنَّها لا تُنافي شيئاً من أصول العقيدة، فلا محذور من الالتزام بمضمونها، إذ لا مانع من الالتزام بإمكانية تأثُّر جسد النبيِّ (ص) بالسحر، فالعصمةُ الثابتةُ للنبيِّ (ص) يقيناً لا تقتضي مصونيَّة جسده من التأثُّر بالسحر، نعم العصمة تقتضي امتناع تأثُّر عقلِه بالسحر، لذلك يلزم طرح بعض الروايات (3) المُوهِمة بتأثُّر عقلِ النبيِّ (ص) بالسحر، لأنَّها منافيةٌ لواحدٍ من أُصول العقيدة وهي عصمةُ النبيِّ (ص) من الخطأ والوهم.
وأما ما ورد في القرآن من التشنيع على الكافرين حيث وصفوا النبيَّ (ص) بالمسحور في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا / انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا ..﴾(4).
فالمرادُ منها هو تنزيه النبيِّ (ص) عمَّا ادَّعاه عليه الكافرون من أنَّه رجل مسحورٌ في عقله، فمرادُهم من أنَّ النبيَّ (ص) مسحورٌ هو أنَّه مصابٌ في عقله لذلك تصدَّى القرآن الكريم للتشنيع عليهم ونفي مدَّعاهم وتفنيده.
*من كتاب: شؤون قرآنية الشيخ محمد صنقور