كيف نعالج الفقر في المجتمعات؟

لحل هذه المعضلة قدّم العلماء منذ القدم علاجات ، والبشرية جربت علاجين مختلفين.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

الأول : يعتقد الاشتراكيون والشيوعيون أنَّ الفقر مشكلة نجد جذورها في الملكية الخاصة ، فاذا ما اجتثثنا جذور هذه المشكلة فانَّ المشكلة ستُحل.

إنّ اصحاب هذه الفكرة جربوا هذا العلاج مدة سبعين عاماً ، قتلوا خلالها الملايين من البشر ، وارتكبوا جرائم كثيرة وتحلموا التكاليف الباهضة وواعدوا الناس وعوداً كاذبة كثيرة ، وأمّلوهم بحياة متعالية ، وتحدثوا مع الناس عن جنة الأرض ، بل اعتبروا جنة الانبياء هي نتيجة اعمالهم و.. إلّا انهم اعترفوا بفشلهم بعد هذه التجربة وتلاشى نظامهم ، الامر الذي أراح الناس الذين كانوا يرضخون تحت حكومتهم.

الثاني: رسمت الدول الرأسمالية خططاً اخرَى لرفع معظلة الفقر ، فشكلوا لأجل ذلك مؤسسات ومنظمات كثيرة ، مثل : الهلال الأحمر وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصندوق التعاون ومؤسسات الاعانات الاقتصادية والغذائية للدول الفقيرة ، وخصصوا لأجل ذلك ميزانيات ، لكنها جميعاً كانت تعاني من نقطتي ضعف :

الاولى : إجراءاتها محدودة وقليلة وغير متناسبة مع نفوس الدول الفقيرة ، ولذلك لم تحدث تغييراً في مستوى الفقر في هذه الدول.

الثانية : كثيراً ما تقترن هذه الاعانات بأغراض سياسية ، فاذا اقتضت مصالح هذه الدول الاعانة أعانوا والَّا امتنعوا عن الاعانة ، وأحياناً يعترف بعض مسؤولي هذه الدول بهذه الامور. (1)

وعلى هذا فان العلاج الثاني ما حل عقدة من عقد الفقر العالمي.

علاجات الإسلام 

إنّ العلاج الاخر لمعضلة الفقر هو وصايا الإسلام ، فإنَّ العمل بها يؤدي إلى ملء فجوة الفقر وتقليل الفاصلة بين الطبقات الفقيرة والغنية.

لقد حصل هذا في عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنَّ العمل بها حصل لاول مرة في التاريخ في ذلك العهد وكانت نتيجة ذلك هو مجتمع غير مقسم إلى طبقات ، أو مجتمع مع مفارقات طبقية محدودة جداً.

إذا تمكنا اليوم تطبيق هذه الوصايا والاوامر الالهية في مجتمعنا هذا بل وفي المجتمعات البشرية لكانت الثروة موزعة على البشر بشكل عادل ولصغرت الفجوة بين الفقير والغني في مجتمعات الكرة الارضية.

الإنفاق طريق لرفع الفقر 

الانفاق هو احد الوصايا والأوامر الالهية القيمة التي هي موضوع بحثنا هنا. إنَّ القرآن المجيد أكَّد كثيراً على موضوع الانفاق وقد كان هذا الامر موضوعاً لكثير من آياته ، والآيات التي تضمنت مادة الانفاق تقدر بسبعين آية ، وإذا اضفنا اليها الايات التي اشارت لهذا الموضوع من دون أنْ تأتي بمادة الانفاق ، فالعدد يتجاوز عن هذا الحد بكثير.

أمر الله في القرآن الإنسان أنْ يدفع مقداراً مما كان من نصيبه في هذه الحياة الدنيا. الآية 19 من سورة الذاريات أمرت بهذا بتعبير جميل : (وَفِي أمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ والمَحْرُومِ) ، وبناء على هذه الآية فان للفقراء والمساكين حقاً في أموال الناس.

ولأجل تشجيع الناس على الإنفاق جاء القرآن بآيات عبرت عن الأمر بتعابير جميلة:

1 ـ يقول الله في الآية 96 من سورة النحل : (مَا عِنْدَكُم يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ)

يا له من تعبير جميل! فالعبارة تضم معان كثيرة رغم صغرها. وهي تعني أنّ الإنسان إذا صرف الملايين من امواله فان تلك الملايين تعد نافدة ومستهلكة ، بينما إذا صرف اقل مقدار من امواله انفاقاً في سبيل الله فإنَّ ذلك سيبقى في خزينة الله الغيبية ولا ينفد ، وهذا خلاف ما يتصوره اكثر الناس.

2 ـ جاء في الآية 89 من سورة النمل : (مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) ونفسها في سورة القصص الآية 84.

وحسب ما صرحت به هذه الآية ، فإنَّ الصدقة والانفاق لا يذهبان سدى فحسب ، بل يمنح الله عليهما شيئاً افضل منهما عوضاً عن ذلك.

3 ـ الآية 160 من سورة الانعام رفعت من قيمة الانفاق لتصرح بما يلي : (مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثَالِهَا)

الآية تحدثت عن الحسنات عموماً ، وباعتبار أنَّ الانفاق من الحسنات العظيمة فهي تشمله. وحسب ما صرحت به ، فإنَّ للإنفاق عشرة أضعاف من الثواب والأجر.

أمّا الآية المبحوث هنا (261 من سورة البقرة) فقد رفعت مستوى الانفاق إلى أعلى مستوى ممكن ، فمثلت الانفاق بالسنابل التي تضمّ حبات كثيرة وكل حبة تنبت سنابل كثيرة ، وهي بذلك تشير إلى التضاعف التصاعدي للثواب المترتب على الانفاق. ولكي تجيب الآية عن بعض التساؤلات التي تتراود في اذهان البعض عن مصدر هذه العطاءات أشارت إلى أن ذلك كله من كنوز الله العظيمة ، وهو واسع وأوسع من أنْ يتصور.

*آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي – مرجع ديني

الهوامش: 

(1) كما شهدنا ذلك في حرب البوسنة وفي شتائها القارص ، إذا اعترف بعض رؤساء هذه الدول بعدم وجود مصالح لها في البوسنة لكي تتدخّل عسكرياً في النزاع الدائر هناك.