حكم يخفي لوعة.. هل يفتي الفقهاء بجواز صيام يوم عاشوراء؟

يفتي فقهاؤنا القدماء باستحباب صيام يوم عاشوراء، ومقصودهم(رضوان الله عليهم) من الصيام هو الإمساك على ما فسّره بعض الأعلام - كالشهيد الثاني رحمه الله -، حتى صار الفقهاء المعاصرون اليوم يفرّقون صراحة بين الصيام وبين الإمساك، وأنّ المستحب ليس الصيام بل الإمساك الذي ينتهي وقته العصر قبل الغروب.

قال السيد الخوئي(رحمه الله): إن أنهاه [الصيام في عاشوراء] إلى الغروب فهو مكروه، ولكنّه مندوب أن يفطر ساعة العصر قبل الغروب.(صراط النجاة سؤال،409)، كذا السيد السيستاني(دام ظلّه) ينصّ على أنّ ثواب الصيام في عاشوراء يتمثّل بالامساك حزناً الى ما بعد صلاة العصر ثمّ الافطار آنذاك بشربة من الماء.

مثل هذا الصوم لا يصدق عليه حدّ الصوم شرعاً، بل هو مندرج فيما يصطلح عليه بصوم التأديب، وهو الإمساك عن المفطرات في بعض النهار تشبّها بالصائمين، وصوم التأديب ثابت في سبعة مواطن: في المسافر إذا قدم أهله وقد أفطر، والمريض إذا بريء، والحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، و الكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق، وكذا المغمى عليه.

وعليه، فالأظهر أنّ صوم يوم عاشوراء من هذا القبيل، لقول الصادق (عليه السلام): صمه من غير تبييت، وأفطره من غير تشميت، ولاتجعله يوم صوم كملا، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء..(انظر-مفاتيح الشرائع،ج1ص284)، فإنّ من تأمّل قوله (عليه السلام)، وبضميمة قول جدّه (صلّى الله عليه وآله): لا صيام لمن لم يبيّت الصيام، وأيضاً بضميمة إجماع المسلمين على أنّ الصوم المشروع إفطاره غروب الشمس، علم أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) أراد بقوله أعلاه بيان فساد هذا الصوم بأحلى عبارة، وبأحسن مسالك الفصاحة، فهو من قبيل قول الشعبي لمن سأله عن الصلاة خلف الحائك: يجوز من غير وضوء.(ينظر- وقاية الأذهان للإصفهاني، ص382).

الأمر واضح إذن، وزبدته هو وجود رجحان شرعي للإمساك يوم عاشوراء إلى ما قبل المغرب، حزناً على سيد الشهداء، إلا أنّ المحزن في هذا الحكم  أنّه يخفي علينا لوعة، ويقبع ورائه حزناً دائماً لا ينقضي، وسيظهر ذلك جليّاً حين نعرف سبب الحكم، وإن شئتَ قل: حين نعرف وجه الاستحباب والحِكمة منه، وهو ما صرّحت به الرواية ذاتها التي اعتمدها الفقهاء وعمل بها وأفتوا على طبقها، ودونك الرواية، وهي رواية عبد الله ابن سنان عن أبى عبد الله(عليه السلام) قال: 

دخلتُ عليه يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون، ظاهر الحزن، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت: يا ابن رسول الله(صلى اللّٰه عليه وآله) ممّ بكاؤك لا أبكى الله عينيك؟

فقال لي: أوَ في غفلة أنت؟! أما علمتَ أنّ الحسين ابن علي(عليهما السلام)أُصيب في مثل هذا اليوم؟!

فقلت: يا سيدي، فما قولك في صومه؟

فقال لي: صمه من غير تبييت، وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملاً، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول الله (صلى اللّٰه عليه وآله) وانكشفت الملحمة عنهم، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم، يعزّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) مصرعهم، ولو كان في الدنيا يومئذ حياً لكان (صلوات الله عليه) هو المعزّي بهم، قال: وبكى أبو عبد الله (عليه السلام) حتى اخضلّتْ لحيتُه بدموعه..(مصباح المتهجّد،782).

أقول: بعد أيام سيأتينا يوم عاشوراء، وسيعمل المؤمنون بهذا المندوب إن شاء الله تعالى، ولكن عليهم أن يعرفوا خلفياته وما يحكيه من لوعة وحزن وأسى لا ينتهي، عليهم أن يستحضروا ذلك وقت العصر: وقت انجلاء الهيجاء عن سبايا الحسين، وانكشاف الملحمة عن آل محمد!، وإنّا لله وإنّنا إليه راجعون.