تفسير سورة الفاتحة: أهم مضامين السورة من «آية الله السيد محمد باقر السيستاني»

تفسير سورة الحمد([1]).. إنّ ألفاظ هذه السورة ومعانيها سهلة وواضحة، فهي لا تتضمّن مفردات غريبة أو معاني تركيبية معقدة ولو على وجه التعقيد العارض كما قد يتفق في بعض السور والآيات القرآنية، ولكننا نريد أن نتأملها مزيد تأمل ونستنطقها عن المعاني العامة المنظورة بها.

موضع السورة نزولاً: وهي على المشهور السورة الخامسة في النزول بعد العلق والقلم والمزمل والمدثر، وقيل إنها الثانية وقيل إنها الأولى، وهي على كل حال من السور القصار الأوائل، ولذا ينبغي النظر في مقام تفسيرها إلى موقعها.

لكننا مع ذلك تحدثنا عن البسملة فيها حتى كأنها أوّل السور المشتملة عليها وإن كان الذي رجحناه كون البسملة جزء من سورة العلق وسائر السور التي قد تكون قد نزلت قبلها [أو بعدها]، على أنّ سورة العلق على كل حال هي أوّل سورة تتضمن أدب التسمية إذ جاء فيها بعد البسملة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾([2]) إلا أنّ حديث المفسرين عن التسمية في سورة الحمد اقتضى حديثنا أيضاً عنها في هذا الموضع.

البيان الإجمالي لسورة الحمد

ونتطرق أوّلاً لتوضيح إجمالي لمفاد هذه السورة، ثم نعود إلى الحديث عن كل فقرة فيها لتأمّل مداليلها أو بعض ما شابها في كلمات بعض الباحثين تفصيلاً.

تتميّز هذه السورة بين السور القصار أنّها تركز على إثبات كل الأمور الراجعة إلى الإله لله سبحانه حصراً ونفيها عمّا يعبد مع الله سبحانه أو من دونه، فالله سبحانه هو المستوجب للحمد في ما يشهده الإنسان في الكون من الإبداع وينتفع به من نِعَمٍ، وهو رب الإنسان ـــ المعني به ـــ كسائر العالمين، وهو الذي يرحم الإنسان في مواضع الحاجة، وهو صاحب يوم القيامة الحاكم فيه، ولذلك فإنّ الإنسان الراشد الواعي يعبد الله سبحانه وحده ويستعين به ويستهديه في مسيرته في هذه الحياة التي تنتهي إلى الله سبحانه، فهذه السورة هي رسالة إلهية قصيرة ومعبّرة إلى الخلق.

الآية الأولى

وقد بدأت بالأدب الذي أُسس له منذ السورة الأولى وهي سورة العلق، حيث بُدئ فيها ـــ أي سورة العلق ـــ بالبسملة لتكون جملة منسقة مشتركة بين بدايات السور، وأُوضحَت هذه البسملة بقوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾([3])، فكانت البسملة بياناً للأدب اللائق لبداية الرسالة الإلهية كما كانت أدباً متعارفاً قبل الإسلام في الرسائل، وقد جاء أنهم كانوا يكتبون: (بسمك اللهم)([4])، وجاء قبل ذلك بمئات السنين عن سليمان (على نبينا وآله وعليه السلام) ـــ الذي ذكر أنه تُوفي سنة (914) قبل الميلاد ـــ أنه كتب في رسالته إلى ملكة سبأ: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ﴾([5])، فكانت بداية الرسالة تسمية لله سبحانه.

فهذا فيما يبدو أدب كان سائداً، وربما كان هذا الأدب مما أرساه الله سبحانه من خلال رسله (عليهم السلام)، ثم وقعت تسريته إلى سائر الآلهة وغيرها.

وقد اختير في هذا الأدب توصيف الله سبحانه بالرحمن كلقبٍ له، وهو لقب كان معهوداً في القسم [الجنوبي الغربي] من الجزيرة العربية ـــ أي اليمن ـــ، وربما كان من آثار الرسل السابقة في تلك البقعة أو غيرها، وكأن هذا الاختيار كان لأمرين:

1-رفع توهم تعدّد الآلهة في الجزيرة العربية وإزالة العصبية بين أهل الجزيرة وبين أهل اليمن في الإله المعبود، حيث كان التعبير السائد عند أهل الجزيرة عن الله سبحانه هو لفظ الجلالة (الله)، والتعبير السائد عند اليمنيين هو (الرحمن)، وربما يكون مثل هذا التعدد مبعثاً للمِراء والمجادلة بأنّ الإله الأعظم لأهل الجزيرة غير الإله الأعظم لأهل اليمن وما إلى ذلك، فاستُخدم لفظ (الرحمن) لدفع توهم تعدد الآلهة([6]).

2-التعبير عن الصفة المميزة التي يُحب الله سبحانه أن يُعرف بها كلقب له، فإنّ الألقاب تعبّر عن الصفات المميزة للأسماء، مثل لقب الأمين للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الجاهلية، ولقب الرسول له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الإسلام، ولقب أمير المؤمنين للإمام علي (عليه السلام)، ولقب زين العابدين لحفيده علي بن الحسين (عليهم السلام) وهكذا، فالرحمان المعبِّر عن سعة الرحمة بصيغة المبالغة فيها هو الوجه الذي أراد الله سبحانه أن يكون لقبه الخاص بين عباده كما قال سبحانه: ﴿رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾([7])، فجعلت صفة الذات الإلهية العامة هي الرحمة تعبيراً عما يليق بها وليكون ذلك باعثَ اهتداءٍ إليه، إذ كانت حاجة الفرد إلى الإله إنّما هي رغبةً في رحمته وعنايته.

وقد أكّد ذلك بصفة (الرحيم) لأنّ البُعد الوصفي في اللقب يضعف بصيرورته لقباً، بل قد تبقى دلالته على معناه الوصفي كتلميح فقط من غير تركيز عليه، وربما يُغفل عنه، فعقّب سبحانه كلمة الرحمن عنايةً بتمثيل صفة الرحمة عن نفسه بلفظ (الرحيم) ليؤكد على صفة الرحمة قبل كل شيء في بداية الكلام ليكون مخرج الكلام منذ بدايته مخرج الاسترحام والاستعانة بالله سبحانه وليبطل الالتجاء لطلب الرحمة من الأصنام في مستوى الشرك كما كانت عليه البيئة التي نزلت الآية فيها.

فهذا المعنى الذي تمثله البسملة على الإجمال، وذلك أمر مشترك بين سورة الحمد وسائر السور بعد ما تقدّم من أنّ البسملة جزء من السور جميعاً، وأنّ سورة الحمد ليست هي أوّل السور نزولاً، وإنّما سلمت سورة الحمد عن توهم أنّ البسملة ليست جزءاً منها إلى حدٍ كبير بالمقارنة مع باقي السور باعتبار الإشارة إلى عدد آياتها في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي﴾([8])، ووقوع التركيز عليها في بداية الصلاة والمواظبة المروية على البسملة فيها من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإلّا فالبسملة جزء مشترك بين السور على ما رجحناه ولا تمتاز بها هذه السورة عن غيرها.

وأما امتياز هذه السورة عن باقي السور القصار فهي بما بعد البسملة من مضامين السورة.

الآية الثانية

لقد كانت هذه السورة مميزة بين السور بالثناء الجميل على الله تعالى وشد الإنسان إليه تعالى رغم قصرها، فبدأت بحمد الله سبحانه معبِّرةً بذلك أنّ كل حمد يُستوجَب بموجب الألوهية في هذا الكون والوجود فهو كله لله سبحانه مشيرةً بهذا إلى أنّه تعالى الإله الوحيد للخلق والمخلوقات كلّها والمدبّر لأمورها، فكل حمد وثناء يحفّز عليه هذا الوجود بما فيه من أنواع الخلق والمخلوقات وبدائع صنعها وسنّ سننها والملاءمة بينها سواء في البعد الكوني العام في السماء والأرض أو في البعد المتعلّق بالإنسان نفسه من حيث خلق الإنسان في أحسن تقويم وجعله في ضمن مجتمع يتناسل ويكون له أولاد وأقرباء وحفدة وأصحاب ويكون الناس شعوباً وأقواماً يتضامنون في المصالح، أو كان في سائر أنواع الكائنات من الحيوانات والنباتات وتسخيرها للإنسان، فللّه سبحانه الحمد في صناعة كل ذلك وتدبيره كما تواتر ذكر هذا المعنى في السور القرآنية المتوسطة والمفصلة.

وهذا الكون بما فيه من دقائق وإبداع ينطق كله بالحمد والثناء لله سبحانه، ولكننا قد نحتاج إلى نفض غبار الاعتياد عنه، ولولا الاعتياد على هذا الكون لشعرنا بمدى مستوى الإتقان والإبداع والقدرة والدقة في تفاصيل هذا الكون وفي أنواع الكائنات والملاءمة بينها وسننها وخصوصياتها حقاً كما يعرض القرآن الكريم في كثير من آياته، فهذا الكون معرض الصنائع الإلهية والقدرة الإلهية والفن والإبداع الإلهي، وكل هذه المقدرة والفن والإبداع من يُثنَى عليه بها هو الله سبحانه حقاً، فإذا أثنينا على شيء بأن قلنا ـــ مثلاً ـــ كم هذه الزهرة جميلة، كم هذا الشيء عجيب، كم هذا الشيء مذهل، كم هذه السماوات واسعة، فذلك ثناء على الله سبحانه، وإذا نطقنا بحمد وثناء وإعجاب وإكبار لشيءٍ ما في الكون من الإنسان، وقدراته، وقابليته على الاكتشاف والاختراع والاهتداء والتحليل والتفكير، وكل ما أثنينا به في شيء ومدحنا شيئاً وأُعجبنا بشيء وراقنا شيء فهذا الحمد في الحقيقة يعود إلى الله سبحانه، فالإنسان يبدي الإعجاب بالمعرض الكوني والمعروضات فيه ولكنه لغفلته لا يعرف صاحب هذا المعرض ولا ينتقل إلى صاحب هذا المعرض، فالحمد حقاً كله لله سبحانه.

ثم نَبَّه الله سبحانه على ربوبيته للعالمين كلهم بقوله بعد الحمد لله: (ربّ العالمين)، وذلك أنّ للّه سبحانه دَوْران:

دور الخلق: الذي كانت تعترف به الأقوام عموماً، وكان محل إذعان العرب في الجزيرة رغم شركهم، قال تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ﴾([9]).

ودور الربوبية: وهو دور التعهد بتدبير الخلق وقضاء حوائجهم وأمورهم، وهو المعبَّر عنه بدور الربوبية، فرَبُّ الشيء هو الذي يكون صاحبه المعني به، مثلاً: ربُّ الغنم يطلق على مالك الغنم باعتبار عنايته، وقد يطلق على الراعي الذي يدبرها ويذهب بها للرعي.

فالربوبية تعني أنّ الرب صاحب هذا الشيء والمعني به.

هذا، وكأنّ الناس بطبيعتهم يميلون إلى اتخاذ إله أدنى مشهودٍ لهم، قريب إلى أحاسيسهم، يتكفل حوائجهم ويُعنى بهم، ولذا كانت الأديان التوحيدية دائماً تُحرَّف إلى أديان شركية، وربما تتمحّض في الشرك أصلاً أو يُترك فيها الله سبحانه تدريجاً؛ لأنّ هذا الكائن الأدنى يتبدل إلى الأيقونة التي يتمثل فيها الإله، ولا يعتقدون بشيء وراءه، فهذا من الميول البشرية الملحوظة، والتي أفسدت كثيراً من الأديان كدين المسيح (عليه السلام).

وربما كانوا يعتقدون بأنّ هذا إله أدنى وفي السماء إله أعلى، وكأنّ الإله الأعظم ــــ وهو الله سبحانه ــــ غير معني بالأرض وبالإنسان، إذ ليس قريباً منهم، فهو ـــ مثلاً ـــ معني بالملائكة الذين هم في السماء، فيحتاج الإنسان إلى ربٍّ يتعهده ويتكفل حوائجه، ومثل هذه الأوهام هي سبب بحث الناس عن آلهة أخرى.

فالمراد بقوله ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ التأكيد للناس في سياقٍ مرتبطٍ بالرحمة الإلهية العامة أنّه سبحانه معني بالإنسان وهو ربه وصاحبه كما قال عز من قائل: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾([10])، فلماذا يذهبون يميناً وشمالاً؟ ولماذا يبحثون عن أرباب مصطنعة؟ ولماذا يتيهون؟ فهو سبحانه ربّ العالمين كلهم، وليس خصوص الملائكة التي كان بعض العرب يفترض أنّ الله سبحانه معني بها وهي بنات الرحمن باعتبارها في السماء مثلاً حسب طرق تفكيرهم، ولذلك قال عز من قائل في رد هذا الوهم: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَـهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَـهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾([11])، إذن هؤلاء يعتبرون الله تعالى إلهاً معنياً بالسماء وأنّه لا يعتني بالبشر، ولذلك قال الله سبحانه: إنّه رب العالمين جميعاً.

الآية الثالثة

وعقّب ذلك سبحانه مرة أخرى بالرحمن الرحيم تأكيداً على ما يحتاجه الإنسان من جهة ضعفه البالغ في نفسه وفي خضم تحديات هذه الحياة من الرحمة في شؤونه كلها، فهو سبحانه فاتحٌ أبواب عطائه بالرحمة للخلق، فربوبيته للخلق هي ربوبية رحمة ورفق وتيسير، وهذا المعنى من شأنه أن يشدَّ الإنسان إلى الله تعالى ويوجه أمله إليه، لأنّ الإنسان يبحث عن اللفتة الحانية والرحيمة والودودة والرؤوفة.

فلم يكتفِ سبحانه بذكر الرحمن الرحيم في البسملة، وكأنه من جهة أنّ البسملة بعد أن أصبحت أدباً عاماً لبداية الكلام قلّ التركيز فيها بالنسبة إلى ما يَرِد فيها من توصيف، فلذلك اعتنى بتكرار هذا المعنى تأكيداً على أنّ ربوبيته ربوبية رحيمة ومقرونة بالرحمة مؤكداً، كما يقتضيه لقبه: الكريم (الرحمن).

الآية الرابعة

ثمّ عقّب ذلك سبحانه بـ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، بلسان فارغ عن ثبوت يوم الدين الذي كانت كثير من الأقوام لا تؤمن به، مثل عامة العرب في مكة والجزيرة العربية، وهم يرون فناء الإنسان بالممات، ويرجون الإله لشؤون الحياة، وفي هذا ما قد يؤشّر إلى أنّ هذه السورة حيث تكلمت بلسان المفروغية عن وجود يوم الدين يمكن أن تكون قد نزلت عقيب الأخبار عن وجود هذا اليوم كما جاء في سورة العلق قبلها: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾([12])، وجاء أيضاً في سورة القلم والمزمل والمدثر، وهناك سور عديدة قصار من الجزء الثلاثين (جزء عم) والجزء التاسع والعشرين (جزء تبارك) خُصصت لإثبات يوم الدين، مثل سورة التكوير (السابعة في النزول، والتكاثر (السادسة عشر بحسب النزول) والقارعة (الثلاثين في النزول) والقيامة (الواحد والثلاثين في النزول).

لقد لفتت هذه الآية الإنسان إلى أنّ أبعاد حياته وحاجته إلى رحمة الله سبحانه، وأنّ أبعاد ربوبية الله سبحانه للإنسان لا تنحصر بهذه النشأة الدنيا، فللإنسان موعد مع يوم الدين والجزاء مما يعني أنّه يُجازى بأعماله في هذه الحياة في نشأة لاحقة، وتلك نشأة لم يترك الله سبحانه فيها الأمور لطبيعتها ولم يُخفِ دوره فيها، بل يتجلى ملكه فيها دون خفاء وحجاب، فهذه النشأة الدنيا قد يكون استحضار الإنسان فيها مُلكَ الله تعالى بحاجة إلى الاستنطاق والتنبّه خصوصاً أنّ الله سبحانه حليم عفوّ، أجرى الأمور على سنن وإن كان هو المدبر لها آناً فآناً، فهذا المشهد قد يُفضي بالإنسان إلى الغفلة، لكن في اليوم الآخر يتجلى ملك الله تعالى بوضوح: ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾([13])، والإنسان أحوج ما يكون إلى رحمة الله تعالى ولطفه في تلك الحياة بحسن الاستجابة له في هذه الحياة، وبذلك أشارت هذه الآية إلى أنّ الإنسان سائر إلى الله تعالى بخطواته في هذه الحياة، فهو لن يعيش هذه الحياة ليفنى من دون غاية قد أُعدّ لها وعليه أن يسعى إليها.

الآيتين الخامسة والسادسة

ثم بعد بيان تفرده سبحانه بالحمد كله وبالمُلك في غدٍ وعنايته بالخلق بالرحمة والربوبية حوّر الخطاب من توصيف الله سبحانه لنفسه إلى إقرارٍ ودُعاءٍ يعلّمه للإنسان يمثّل الاستجابة المناسبة من الإنسان لتلك الصفات، ويخاطب فيه الإنسان الله سبحانه مذعناً ومستعيناً به سبحانه، وتتمثل الاستجابة المطلوبة من الإنسان في أمور ثلاثة مفصلية هي لبّ ما ينبغي أن يمثل علاقة الإنسان بالله سبحانه وهي: العبادة، والاستعانة، والاستهداء.

فالأوّل: إذعان الإنسان بألوهية الله سبحانه حصراً وذلك بعبادته سبحانه وحده اعتقاداً وإذعاناً وعملاً، والعبادة هي الخضوع اللائق للإله، فهي تكون للإله حصراً، فالتوحيد في العبادة يعني التوحيد في الألوهية والربوبية.

وهذه الفقرة تكون استجابةً من الإنسان لتوصيف الله سبحانه بأنّه المحمود بكل حمدٍ مستوجبٍ، وهو ربّ الإنسان كسائر العالمين، وهو مالك الأمور في هذه الحياة وفي النشأة الأخرى جميعاً، فالاستجابة لهذه المعاني أن يقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، فلا يوجد شيء غير الله سبحانه، فإذا كان الحمد يعود إليه في كل شيء وهو رب كل شيء ومعني بكل شيء وهو المالك لكل شيء فلا يبقى محلٌ لافتراض إله ورب ومعبود غير الله سبحانه، لأنّ الإنسان إنما يبحث عن آلهة لأنه يريد عناية واهتماماً، فربما يتصوّر أنّ الآلهة التي اتخذوها غير الله تعالى تملك شيئاً ولها دور تُحمَد عليه تجاه الإنسان! فإذا كانت لا تملك شيئاً وكان الحمد كله لله تعالى وهو سبحانه المتكفل بربوبية العالمين جميعاً وهو سبحانه المالك للحياة الأخروية التي ينتهي إليها الإنسان، فإنّ المفروض بالإنسان أن يعبد الله تعالى وحده: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، فهذا استجابة مناسبة للمعاني المتقدمة.

الثاني: الاستعانة بالله تعالى حصراً فيما يستعان فيه بالإله، قال تعالى: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، فالإنسان في كثير من الحالات تضيق الأسباب الدنيوية عنه ويتمنى عوناً من الإله، وهذا أمر طبيعي وفطري للإنسان، فكما يحتاج الإنسان إلى الاستعانات الطبيعية التي جعل الله سبحانه لها أسباباً كالاستعانة بالقرابة والجيران والآلات والأجهزة، فإنه أيضاً يحتاج إلى الاستعانة فيما هو فوق هذه الأسباب وهو الإله القادر، وهذا الأمر هو من أهم أسباب نزوع الإنسان إلى الإيمان بالإله، فهو مطبوع على الشعور بالحاجة إلى كائن أعلى.

ويتفرع التوحيد في الاستعانة على الإذعان بالتوحيد بالألوهية والربوبية والملك لله سبحانه، فهو استجابة لما أبداه سبحانه من رحمته بالخلق وتعهده بربوبيتهم بنفسه، فالله سبحانه هو المتكفّل بنا وهو ربنا، فنستعين به نفسه، ولا محل للاستعانة بالأصنام ونحوها.

الثالث: الاستهداء بالله سبحانه لهداية الإنسان إلى الصراط المستقيم في الحياة الذي ينتهي إلى رضوان الله سبحانه في الحياة الأخرى، فالإنسان مظنة لأن يفقد بوصلته في هذه الحياة ويزلّ فيها عقيدةً أو سلوكاً ولا سيما من نشأ في بيئة مشركة وضالة، بل عاش على الشريك منذ نشأته، فإنه لا يزال تراوده وساوس الحالة السابقة كما حُكيت الشكاية عن ذلك من بعض الصحابة، ولذلك فإنّ عليه أن يستعين بالله تعالى في مزالق هذه الحياة دائماً ليثبّته على الطريقة المستقيمة، فهو يحتاج إلى الاستهداء بالله سبحانه دائماً.

وقد أعطت الآية بذكر الصراط المستقيم للإنسان انطباعاً رائعاً عن أنّ في هذه الحياة سبلاً، ولكنْ سبيلٌ واحد مستقيم ينتهي إلى الغاية التي يتمناها الإنسان من السعادة ويصل به إلى رضوان الله تعالى ربه وخالقه، وهناك سبل للسير تذهب يميناً وشمالاً وتنحرف عن الجادة إذا سلكها الإنسان ضلّ عن غايته وأوجبت له شقاءً وعناءً.

فالإنسان سائر في هذه الحياة في دربٍ نحو نهاية جادة ومرسومة وعليه أن يختار بين الصراط المستقيم الذي رسمه له الله سبحانه وبين أن يركب رأسه ويتنكب عن الطريق يميناً وشمالاً، وهذا المعنى الرائع ـــ الذي يمثل الإنسان سائراً في درب ويرسم دروباً مختلفة يكون الدرب المستقيم واحداً من بينها وتنحرف سائر الدروب عن النهاية التي تليق وتكون مطلوبة للإنسان ـــ متواتر في الآيات الشريفة كقوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾([14]).

الآية السابعة

ثمّ لم يقتصر سبحانه وتعالى على ذكر الصراط المستقيم الذي هو صراطه سبحانه، بل أشار إلى أنّ في هذا الطريق ككلِّ طريقٍ دوالّ على المسير تُقتفى آثارها ويوطأ عقبها، وهذه الدوال في الصراط المستقيم إلى الله سبحانه هم الذين أنعم الله تعالى عليهم أوّلاً بالهداية فاستجابوا لها فكانوا القادة إلى الهدى دون الذين تنكّبوا عن الطريق وتخبّطوا إما لأنّهم عرفوا الطريق وامتنعوا عن سلوكه فاستوجبوا غضب الله سبحانه أو لأنّهم ضلوا الطريق وتاهوا فيه إذ قصروا عن إدراك سبيله.

وفي ذلك تنبيه للإنسان على أنّ عليه بعد الإيمان بالله تعالى أن يتخذ إمام هدىً يجتاز خلفه الطريق ويتأسى به في السلوك، وأبرز مصاديق هؤلاء القادة هم الأنبياء الذين ورد في الآيات الشريفة أنّ الله سبحانه بدأ الهداية بهم وأنعم عليهم وأمر بعضهم بأن يهتدي بهدي من سبقه فيهم، كما قال سبحانه بعد ذكر الأنبياء: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾([15])، وقال تعالى لرسوله بعد ذكرهم: ﴿وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾([16]).

وقد تكرر في القرآن الكريم فيما نزل بعد سورة الحمد التأكيد على أنّ الأنبياء (عليه السلام) هم الذين أنعم الله عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم، وهدى بهم الناس إليه، كما قال سبحانه عن رسوله الكريم: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾([17])، وجاء أيضاً: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾([18])، ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾([19])، ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾([20]).

وكذلك قال عن إبراهيم (عليه السلام): ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾([21]).

وجاء عنه أيضاً قوله: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾([22]).

وجاء عن موسى وهارون (عليهما السلام): ﴿وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾([23])، وجاء عن عيسى (عليه السلام) قوله: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾([24]) إلى آيات أخرى.

فأوضح ذلك أنّ المراد بالذين أنعم الله عليهم هم الأنبياء الذين أنعم عليهم بأن هداهم وهدى بهم إلى الصراط المستقيم.

هذا شرح إجمالي لهذه السورة المميزة وهي من السور الهادئة للغاية، ليس فيها معنى شديد أصلاً، نعم، فيها معان تنذر بالخطورة وذلك قوله سبحانه: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، وكلمة الغضب في قوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْـمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾، وإن كانت تعبر عن شدةٍ، ولكنّ الغضب فيها فُرِضَ على الآخرين وليس على المخاطبين.

وهذه السورة لم تتضمن ذكر الرسالة صريحاً، بل ذكرت الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر صريحاً، ربما لوّحت إلى الرسالة بقوله تعالى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾.

 وهذا الأمر مما يتكرر في العديد من الآيات القرآنية حيث يقتصر فيها في وصف المؤمنين على ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر فحسب من دون الرسالة([25])، وكذلك الحال في بعض السور القصار كسورة الإخلاص ولا يبعد أن يكون السبب في ذلك أنّ هذا النص بنفسه متلوّ على أنه رسالة الله سبحانه إلى الخلق من خلال رسوله الكريم، فتكون الرسالة حاضرة ومفترضة في مشهد الكلام، ولذلك كان الاهتمام في الكلام بالإيمان بمضمون الرسالة من الإنباء عن توحيد الله سبحانه وعن يوم القيامة، ولا سيما في العهد المكي حيث كان اشتمال الرسالة على هذين النبأين هو العائق الأساس للمشركين عن تصديق هذه الرسالة، ولأجل ذلك ربما اكتفي بالتلويح إلى الإيمان بالرسل بقوله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾، إذ الرسل أبرز مصداق لمن أنعم الله عليه بالهداية إلى المعاني المتقدمة في هذه السورة، كما قال سبحانه عن المسيح (عليه السلام): ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾([26]).

هذا محصل مضمون هذه السورة على وجه الإجمال.

ومن الظاهر من خلال ذلك حقاً أنّ هذه سورة مميزة في مضمونها كبلاغتها وفصاحتها، وهي من السهل الممتنع، وقد لا يشعر الإنسان المسلم العارف باللغة العربية بمدى الجمال في هذا النصّ، لأنه معتاد عليه وعلى أمثاله من خلال القرآن الكريم، ولكنه كان مما يجد العرب جماله آنذاك بالمقارنة مع المضامين الدينية التي كانت مألوفةً لديهم لآلهتهم، ولذلك لم تكن مباهاة القرآن الكريم بهذه السورة بشكل خاص في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ﴾([27]) إلا بما يشهد بصدقه واقع الحال، فلم يكن يتاح لأحد أن ينكر امتياز هذه السورة، ولذلك يمكن عدّها أبرز السور التي تحدى بها القرآن الكريم العرب، كما يجد جمالها عامة المعنيّين بالمضامين الدينية وبالمقارنة بين القرآن الكريم وكتب الأديان الأخرى، بل أنّ أهل الأديان الأخرى ـــ ومنهم البلغاء من المسيحيين العرب ـــ يجدون هذا الجمال بالمقارنة مع ما جاء في كتبهم الدينية([28]).

الهوامش:

([1]) تقدم في الجزء الأوّل من الكلام في مكانة هذه السورة وزمان نزولها وجزئية البسملة منها ومن سائر السور، وقد تخلل ذلك باقتضاء البحث جملة مما يتعلق بتفسير البسملة وهذه السورة.

([2]) سورة العلق: آية 1.

([3]) سورة العلق: آية 1.

([4]) وقيل إنّهم كانوا يكتبون: (بسم اللات والعزى)، لاحظ: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 6/113.

([5]) سورة النمل: آية 30.

([6])  تقدم الحديث عن ذلك تفصيلاً في الكلام على كون البسملة جزءاً منها ومن السور.

([7]) سورة الأعراف: آية 156.

([8]) سورة الحجر: آية 87.

([9]) سورة لقمان: آية 25.

([10]) سورة البقرة: آية 186.

([11]) سورة الزخرف: آية 86.

([12]) سورة العلق: آية 8.

([13]) سورة غافر: آية 16.

([14]) سورة الأنعام: آية 153.

([15]) سورة مريم: آية 58.

([16]) سورة الأنعام: آية 87 ـــ 90.

([17]) سورة المائدة: آية 15 ـــ 16.

([18]) سورة الأنعام: آية 161.

([19]) سورة إبراهيم: آية 1.

([20]) سورة الشورة: آية 52 ـــ 53.

([21]) سورة النحل: آية 120 ـــ 121.

([22]) سورة مريم: آية 43.

([23]) سورة الصافات: آية 117 ـــ 118.

([24]) سورة آل عمران: آية 51.

([25]) منها: قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ سورة التوبة: آية 18، ومنها: قوله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ سورة البقرة: آية 62، ومنها: قوله جلت آلاؤه: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ سورة البقرة: آية 126، ومنها: قوله عزّت آلاؤه: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾ سورة البقرة: آية 228، ومنها: قوله جل جلاله: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ سورة البقرة: آية 232.

([26]) سورة الزخرف: آية 59.

([27]) سورة الحجر: آية 87.

([28]) وربما تكلف بعضٌ السعي إلى اقتفاء هذه السورة في معانيها مع تغيير ألفاظها مضاهاة معها، لكن هذه الطريقة في المضاهاة خاطئة من جهة اقتفاء مضامين النص، ومن المعلوم أنّ بلاغة النص ليست في مفرداتها ووزنها فقط، بل في انتقاء المضامين المناسبة للمقصد المنظور جزء مهم من البلاغة، على أنّ الكلام الذي أُنشئ لا يتضمن بلاغة خاصة من حيث المفردات المناسبة، ولا يرقى إلى مستوى هذه السورة في شيء (لاحظ عرض ذلك ونقده في تفسير البيان للسيد المحقق الخوئي ورسالته نفحات الإعجاز (لاحظ: البيان في تفسير القرآن (طبعة المؤسسة): ص95 وما بعد)).