كيف أصبح السيد السيستاني المرجع الأعلى؟

كيف استطالتْ مرجعيَّة السيد السيستاني في سماء التقليد؟

ولادة الفقيه الحقَّة من رحم الاجتهاد، ثم استواؤه على سدَّة المرجعيَّة العليا شبيهةٌ بولادة الهلال الفتيَّة من شعاع المحاق، وبزوغه بدراً في ليلة تمامه.

وهذه قصة تفتّح أكمام هذه المرجعيَّة في ربيع الفقاهة، وبزوغها كوكباً ساطعاً في أفق الإتّباع.

عندما توفي السيد الخوئي – قُدِّس سره – انتقلت المرجعيَّةُ في العراق إلى السيد السبزواريِّ – قُدِّس سره – وفي إيران والخليج إلى السيد الگلبايگاني – قُدِّس سره –

ثم توفيَّ السيدانِ في وقتٍ متقارب، وصارت النَّاس تبحث عن المرجع الأعلم بعدهما، وكلُّ من عاش تلك الحقبة في العراق، وما عانته المرجعيَّة من حربٍ شعواء، يعلم جيداً أن رسوَّ سفينة أركانها على ساحل التشيّع وسط أمواج الفتن والاضطرابات هو معجزةٌ من صنع الله تعالى، وإلَّا يستحيل على أي كيانٍ أو شخصٍ أو دولة الوقوف أمام تلك الهجمة الإعلاميَّة التي شُنَّت على مرجعيَّة السيد – دام ظلُّه – في العراق وغيره.

وربما يذكرون جيداً تلك المنشورات المموَّلة التي تزعم أنَّ هذه المرجعيَّة كانت اتفاقاً بين مؤسسة السيد الخوئي – قُدّس سره – التي تجعله بسبب هراوتها الإعلاميَّة، وإمكاناتها الضخمة مرجعاً أعلى من جهة، وبين السيد السيستانيّ من جهةٍ أخرى في قبال السكوت عن الأموال الضخمة من الخمس التي كنزها – بزعمهم -السيد الخوئي – قُدِّس سره –

كان آية الله السيد طاهر السَّلمان – قُدّس سره – ذا ثقلٍ علميٍّ واجتماعيٍّ كبير في شيعة القطيف والأحساء، فهو مُسلَّم الاجتهاد، وكان من مباحثي السيد يوسف الحكيم – قُدِّس سره – وكم علتْ أصواتهما في المباحثة كلٌ ينتصر لرأيه العلمي، فيشنُّ على رأي صاحبه بغارةٍ من الأدلَّة، وجحفلٍ من البراهين، فيخرج عليهما السيد محسن الحكيم – قُدِّس سره – فيقول لهما مازحاً: إما إن تخفضا صوتيكما، وإما أن تخرجا من الغرفة، ولو أنَّ السيد طاهر (رحمه الله) دعا إلى نفسه حينها لقلَّدوه هناك، ولكنَّه كان ذا ورعٍ وتقوى فلم يدعُ إلى نفسه وجاهد هواها، وقد أفلح من زكَّاها.

وكان من أبرز علماء الحوزة هناك، جاءه حينها فضلاءُ تلك الحوزة وسألاه عن علميَّة سماحة السيد –دام ظلُّه – فقال: لستُ أعرف مستواه العلميَّ (بسبب أنه لم يحتك به علمياً).

فقيل له: هذه بعض تقريرات تلميذه السيد هاشم الهاشمي (الگلبايگاني وليس الكويتي)  حول تعارض الأدلة، خذها وأبدِ رأيك العلميَّ فيها.

وكانت تلك التقريرات لم تُطبع بعد، وإنَّما هي عند بعض الفضلاء يتداولونها بينهم مخطوطة.

فقال السيد الطاهر: أمهلوني شهراً!

فالقضيَّة قضية ورع، لا ينبغي إعطاء رأيٍّ فيها بسرعة، وبعد شهرٍ جاءه الفضلاء يطلبون رأيه، فقال ما مضمونه: إن السيد السيستاني في هذا الباب – التعارض بين الأدلَّة – أعلم من السيد الخوئي – قُدِّس سره – وعليه هو ممن تدور حوله شبهة الأعلميَّة وتقليده مجزئٌ للذمَّة.

قال له قائلٌ منهم متسائلاً: هل تقول بأعلميَّته مطلقاً على السيد الخوئي؟ إن قلتَ ذلك أرجعنا المؤمنين إليه مطلقاً في المسائل التي بقي المؤمنون فيها على تقليد السيد الخوئي، والمسائل المستحدثة.

قال: لا، بل أقول بأعلميته في هذا المقدار الذي قرأته، وما لم أقرأه من سائر البحوث فلستُ أحكم بينهما أيُّهما أعلم.

وبهذه الكلمة المسؤولة المتمهّلة تمَّ إرجاع المؤمنين إلى سماحته في التقليد، حتى اتسع قطب الدَّائرة ليشمل غيرهم من المؤمنين في الخليج وغيره.

علماً أن بعض فضلاء الخليج سافروا خصيصاً إلى النَّجف الأشرف في ذلك الظرف العصيب لاختباره – دام ظلُّه – علمياً ثم شهدوا بأعلميَّته على غيره، قد أفرد لها مقالاً آخر عن قريب.

يتبع...