كورونا وأطباء «فيس بوك»

- الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة رأي موقع «الأئمة الإثني عشر»

قضية إيجاد العلاج للفيروس أمر تخصصي لا تتوفر أدواته العلمية لدى معظم الناس، ما يسعنا فعله هو أن نتحلى بوعي صحي يجنبنا مخاطر الإصابة.

قد نسمع من هنا أو هناك عبر مواقع التواصل أو بعض القنوات أصواتا تدعي اكتشافها لحلول طبية يتم تقديمها على شكل وصفات عشبية أو أغذية معينة أو ما شابه ذلك، لكنها في الواقع وصفات تستدعي التجربة قبل الترويج ولا أظن أن أحدا من هؤلاء قد جرب طريقته بشكل عملي على شخص مصاب بالفيروس - وهذا ليس استهانة بقدرات هؤلاء بقدر ما هو التزام بالبديهيات العقلية - التي تفرض على المتلقي العاقل أن يطرح مجموعة أسئلة:

١ - هل اختلط صاحب التجربة - دون خوف من العدوى - بشخص مصاب وأعطاه الترياق غير المجرب وانتظر النتيجة ليعلن نجاح تجربته؟

٢ - هل هنالك عاقل قد اكتشف أنه مصاب بالفيروس فترك اللجوء الى المستشفيات مع ما بها من معدات وأجهزة وتوجه لصاحب وصفة علاجية غير مجربة؟

٣ - العلاج يكون ناجعا وناجحا حين تتم تجربته على مجموعة معتد بها من الأشخاص بحيث تراعى فيها الفئات العمرية والحالة الصحية لهم وكذلك التأثيرات الجانبية لهذه العقاقير وهي أمور نذكرها إجمالا وإلا فأهل التخصص أدرى بشعابها.. فهل توفرت مثل هذه الإمكانات لمن يعلن عن اكتشافه لعلاج؟

إن ما يسع عامة الناس في مثل هذه الأمور الهامة وفي مثل هذا الشغل الشاغل هو انتظار ما ستؤول إليه نتائج مراكز الأبحاث الطبية وهذا من المسلمات وبمجرد ظهور مصل مضاد أو لقاح فإنك ستجد البشرية قد اتجهت نحوه وتعاطته باطمئنان شأنه شأن كل اللقاحات التي درأت عنها مخاطر الاوبئة منذ قرن من الزمن.

ولو توجهنا ببوصلة أفكارنا نحو اكتشاف وابتكار طرق جديدة للوقاية أو أدوات تسهل على الناس آليات المواجهة كان ذلك أكثر جدوى من البحث عن (علاج) تقتضي الضرورات أن تتوفر له إمكانات هائلة لا تمتلكها حتى بعض الدول فضلا عن الافراد.

أما أن يطل عليك شخص عبر «فيس بوك» فيستهل خطابه بأغلظ الأيمان ثم يدلو بدلوه فيبدأ بسرد تركيبته العشبية التي ستريح البشرية من هذا الوباء فهذا يجعلك في مفترق طرق عليك أن تختار بينهما فأما أن تركن إلى طريق الأيمان بالتخصص الطبي القائم على أسس علمية راسخة وإما أن تتجه إلى الأيمان بوصفة ربما لا تنفع حتى في علاج سعال بسيط.

لا مجال هنا للمجازفة بل لا مجال أيضا للاختيار فالمصاب بالوباء لن يجازف بتجربة وصفات طب الأعشاب في اللحظة التي يبدا كل عضو في جسده بالشعور بألم خاص به وحين تبدأ عند نوبات الاختناق وضيق التنفس.

فيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي منحت الفرصة لكل شخص أن يتكلم بما تشتهي نفسه دون رقيب.. دون ضوابط.. دون دراية.. والمتلقي هو جمهور تتباين ثقافاته بين الوعي وبين الجهل.. وقضية كورونا وعلاج كورونا لا تحتمل اللجوء الى طبيب أعشاب مع احترامنا وتقديرنا للكثيرين من هؤلاء الذين ورثوا عن آبائهم وأجدادهم هذه المهنة وعرفوا أسرارها بل استندوا في الكثير منها إلى طب النبي والأئمة صلوات الله عليهم، لكن مع مثل هذا الفيروس وهذه الجائحة فالأمر يحتاج إلى قدرات طبية عالية وإلى تجارب يراعى فيها عامل الزمن فالبشرية اليوم في سباق مع هذا الوباء الذي لم يمهل البعض من الناس لحظة وداعه الأخيرة.