هل حافظ الخطباء على هيبة المنبر الحسيني؟.. 8 واجبات هامّة لكل خطيب

إن المسؤولية الملقاة على عواتق خطباء المنبر الحسيني الشريف مسؤولية كبرى وخطيرة ، وينشأ خطر هذه المسؤولية من عدة مناشئ:

١ – الأول : إنّ للمنبر الشريف في نفوس عامة الشيعة هيبةً كبرى ومكانة عظمى مستمدة من هيبة ومكانة صاحبه ( عليه السلام ) .

٢ – الثاني : إنّ المنبر الشريف مملكة سيد الشهداء الحسين ( عليه السلام ) الخاصة ، وما الخطيب إلا خادم صغير في رحاب هذه المملكة العظمى ، وعليهِ فإنه لا يجوز له التصرف في المنبر الشريف – بأيّ نحوٍ من أنحاء التصرف – إلا بإحراز رضا مالكه ( عليه السلام ) .

٣ – الثالث : إنّ الكلمة الصادرة من أيّ متكلم ينبغي أن تكون كلمةً مسؤولة ، فكيف إذا كان المتكلم يتكلم باسم الحسين ( عليه السلام ) – وعبر منبره الشريف – فإنّ مسؤولية كلمته تتأكد وتتضاعف .

٤ – الرابع : إنّ المرحلة الراهنة التي نعيشها مرحلةٌ باتَ فيها المنبر الشريف – في ظلّ تصاعد المستوى الثقافي للجماهير ، وتشكيك البعض في جدوائيته – بحاجةٍ ماسة إلى إثبات الذات ، وإعادة ثقة مجموعة من جماهيره بقوته وفاعليته .

٥ – الخامس : لم يعد منبر اليوم كمنبر الأمس أسير لحظته ، بل صار – في ظل الإنفتاح الإعلامي المتمدد – عابراً للقارات ، حيث يصل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي إلى الملايين من الجماهير في مختلف نقاط العالم .

وعلى ضوء هذه المناشئ الخمسة ينبغي للخطيب الحسيني أن يراجع نفسه من خلال التأمل في الاستفهامات التالية :

هل هو ممن يحفظ للمنبر هيبته ومكانته وأصالته أم لا ؟

وهل هو – بأدائه وأطواره ومواضيعه – محافظ على  حدود المملكة الحسينية ؟ أم هو مخترق لحدودها ومتجاوز عليها ؟

وهل هو ممن يُخضِع كلّ ( كلمة ) تصدر عنه للمحاسبة الدقيقة ؟ أم يطلق لها العنان لتنطلق كيفما تنطلق ؟

وهل هو ممن يحمل همّ ترسيخ ثقة الجماهير بقوة المنبر الشريف وجدوائيته ؟ أم هو ممن يساهم في تثبيت نظرة الاستخفاف والاستهانة به ؟

وهل رؤيته مقصورة على خطابته في حدودها الزمانية والمكانية ؟ أم يلحظ امتدادها الزماني والمكاني وما يترتب على كل ذلك من آثار ؟

ومن جميع ذلك يتضح : أنّ التشرف بالخطابة – وخدمة سيد الشهداء الحسين ( عليه السلام ) عبر منبره الشريف – يقتضي التعهّد بين يدي الله تعالى والحسين عليه السلام بحمل مسؤولية جسيمة وكبيرة ، وهذا المعاهدة المقدّسة تستدعي من الخطيب الاهتمام بعدة واجبات ، وعدم التسامح فيها ، وهي :

١ – الواجب الأول : الإخلاص لله تعالى ولسيد الشهداء عليه السلام ، لينأى بذلك الخطيبُ عن المحاباة ، ويكون هدفه الأول والأخير هو إرضاء الله تعالى وأوليائه ( عليهم السلام ) .

٢ – الواجب الثاني : إتقان الصنعة ، وبذل قصارى الجهد في أدائها ، وعدم التسامح في أداء الخطابة بأيّ نحو اتفق ، بحيث تفقد الخطابة قيمتها ومحتواها .

٣ – الواجب الثالث : الاهتمام بالتعلم والمعرفة والقراءة والمطالعة المتنوعة بالمقدار الذي يؤهل الخطيب لمخاطبة الجماهير .

٤ – الواجب الرابع : الاهتمام البالغ بإعداد المواضيع المنبرية ، وبذل غاية الجهد في ترتيبها وإشباعها بالمعلومات النافعة .

٥ – الواجب الخامس : الاهتمام باختيار القصائد والأبيات المتناسبة مع المناسبة وصاحبها ، وانتقاء الأطوار المؤثرة ، وهذا يتطلب من الخطيب بذل الكثير من الجهد في سبيل تتبع القصائد والأبيات ذات المضامين الراقية التي تحفظ للمنبر الشريف قوته ونضارته ، وأدائها بالأطوار المناسبة لحرمة المنبر وهيبته وشموخه .

وإني من منطلق هذا الواجب لأهيب بإخوتي وأبنائي الشعراء الحسينيين أن يهتموا ببناء القصيدة المنبرية سبكاً ومضموناً ، فإنّ الخلود نصيب القصيدة المتقنة والمركزة ، والتي تعدل عشرات القصائد المشبعة بالحشو والمعاني المبتذلة ، والمجردة عن سلاسة السبك وجمال المضمون .

٦ – الواجب السادس : تكثيف الجهد الذاتي وعدم الاتكالية على الغير من الخطباء ، فإنّ التصدي للخطابة يعني التعهد بحمل مسؤولية المنبر الشريف ، ولا يتمّ ذلك إلا بالجد والاجتهاد والمثابرة ، وليس بمجرد النقل والنسخ والتقليد من غير بذل أيّ جهد يُذكر .

٧ – الواجب السابع : التثبت من أيّ معلومة يريد الخطيب أن يوصلها للآخرين ، والتدقيق في كل فكرة – بل في كل كلمة وعبارة – ينوي بيانها والتفوه بها .

٨ – الواجب الثامن : أن يلحظ الخطيب مستواه الثقافي والمعرفي من ناحية ، ومستوى الجمهور الذي بين يديه من ناحية أخرى ، فلا يتصدى لما لا أهلية له فيه ، ولا يقحم جمهوره فيما لا يستفيدون منه ، فإنه مُساءل عن كل ذلك .

وإذا أردتُ أن أختصر كلّ ما تقدم فإني أختصره في كلمتين :

أ / الكلمة الأولى : إنّ سيد الشهداء ( عليه السلام ) قد بذل كلّ ما لديه في سبيل أداء رسالته ، وبما أنّ الخطباء الكرام هم صوت الحسين ( عليه السلام ) فعليهم أن يبذلوا غاية جهدهم في سبيل إيصال صوته وأهدافه وقيمه ورسالته المقدسة .

ب / الكلمة الثانية : على الخطيب في كل ما يريد أن يفعل ويقول على المنبر الشريف أن يجعل الحسين ( عليه السلام ) نصب عينيه ، وكأنه يراه أمامه ، فإنّ ذلك يدفعه للمزيد من التثبت والدقة ومراقبة كافة أفعاله وأطواره وقصائده وأقواله .

وفي الختام : أسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدي الجميع للمزيد من العطاء في سبيل خدمة القضية الحسينية المقدسة ، فإنه ولي التوفيق والسداد ، والحمد لله رب العالمين .

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام