يوم عاشوراء: كلمة الحسين الحرية التي تكافح الطاغوت!

في البدء كانت كلمة الحسين، وفي المنتهى تبقى كلمته، لأنها كلمة الحق وتجسيد الحقيقة والانكشاف المطلق للواقع، فكلمته (عليه السلام) النور الذي يبدد ظلامية التضليل والزيف، لينير درب الباحثين عن الحقيقة المحايدة.

فهي الخير الذي يعيد للإنسان شعوره بالحياة كمعنى قائم على العلل والغايات، فينكشف الشر واشراره وتسقط غاياتهم الشيطانية وافكارهم المريضة.

وهي الحرية التي تكافح الطاغوت وتواجه الاستعباد، وتسعى لتحرير العقل من اغلال الشهوات ومصائر الطغيان.

الامام الحسين (عليه السلام) نهضة لبناء الانسان وتشكيل شخصيته السوية وتنزيهها من شوائب الانحراف وادران الآصار.

بناء لدليل يضع الانسان في جادة الإصلاح حتى لايقع فريسة للفساد والبؤس والشقاء والحيرة والتردد والضياع.

عندما نهض الامام الحسين (عليه السلام) فانه أصبح قبان الميزان بين الماضي والمستقبل، فمن خلال يستمر الاتصال برسالة الأنبياء، وعبره تتواصل هذه الرسالات نحو المستقبل الممتد الى النهاية.

ومن لايتمسك بحبله المتين فانه سينقطع عن الماضي ولايجد بابا يدخل منه الى المستقبل، وهذا هو حال التائهون في مكان هلامي بلا زمن يحتويهم.

ومن لايركب سفينته فانه سيغرق حتما في ظلمات العدم حيث تغيب عنه انوار الايمان التي تضيء قلبه بالأفكار الواضحة.

فهو المصباح الذي يرتشف منه العقل ينابيع اليقين وحقائق المعرفة وسنابل العلم، لتسكن النفس بهدوء مطلق في منازل المطمئنين وحياط الراضين برضا الله تعالى.

مع الامام الحسين (عليه السلام) تستطيع البشرية ان تحافظ على معاييرها الفطرية التي تحقق لها وجودها الحقيقي في الحياة، والا فان الاستلاب الذي يمارسه الشياطين يحاول دائما ان يغرق المجموعات البشرية بالضلال والانحراف والانسياق التام للعيش في عالم الرذيلة.

فالمعايير هي مرجعية مطلقة لايمكن ان يتلاعب بها المؤدلجون الأشرار الذين يحاولون ان يلعبوا دور الرب والخالق والمهيمن، لان الامام الحسين (عليه السلام) بنهضته قد وضع قواعد مقدسة لايمكن المساس بها، فتضحيته هي استنفار من أجل الاستغفار، واستقامته هي كفاح من اجل الاستمرار.

هل هو مجرد مثال لايقتبس منه ام واقع يقودنا نحو المطلوب، فمن ينزاح عن هذا المثال فانه يغرق في عالم الأوهام المتشرب بالبؤس والحيرة والغموض، فواقع الامام الحسين (عليه السلام) هو سعي مستقيم لبناء السعادة والاطمئنان والنجاة بوضوح الموقنين، فهو حركة استنقاذية لانتشال الضائعين من اوهامهم المندسة، وايصال الضالين الى طريق النجاة، فهو باب نجاة لمن أدرك معرفته ونهج حياة لمن تعمق فهم كنهنه، وحياة لمن رغب ان يلمس معنى الحياة في مفهومها الابدي.

ولكي يصل الى المعرفة الحسينية لابد ان يتحرر أولا من طموحاته الخاصة كما تحرر أصحابه في عاشوراء، فهي الخطوة الاولى لركوب سفينته، والاستضاءة بفهم معرفته والنهل من عذب نهضته.

فلايستطيع من شابه الاستعباد بمختلف اشكاله ان يدخل الى عالمه ويشارك في رحلته.

فالتحرر هو البداية لبناء الانسان والتحرر من الذات هو بداية البداية، حتى يتمحض الباحث عن الحسين فيه دون ان تتنازعه نفسه لأغراض أخرى.

ان يحطم اغلال الذات وينزع عن نفسه رغبات اهواءه ويستخرج ذاته من سجن الشهوات، فالاستعباد ينشأ من تلبية الانسان لنزعاته الرغبوية والخضوع لإنسياقاته الغرائزية.

ومع تحطيم الاغلال تنزاح الحجب ويستنير العقل ويستسيغ المبادئ والقيم النبيلة ويسلك طريق الفضيلة وينسجم مع انسانيته بعمق وتوازن وتكامل يشعر فيه بكامل غاياته الوجودية.

هذا معنى العقل الحسيني المتحرر الذي يسقي القلب نورا وهداية فيسكن في جنة الاطمئنان والرضا والتسليم.

ومن اجل فهم النهضة الحسينية لابد التدبر في منهج الامام الحسين (عليه السلام) بالتأمل في دعوته لتحرير العقل من اغلال الاستعباد والاهواء والجهل، وكسر قيود الطاغوت المستبد، وتحرير ذاته من نفسه الخانعة، وتجسيد ذلك التحرر بالأخلاقيات التي اشرقت في نهضة عاشوراء وتمثلت بالشجاعة والتضحية والعطاء والبصيرة والصبر والتفاني، فحققت نموذجا متألقا في الإنسانية السامية والسمو الإنساني.

نموذج من اجل انسان يبحث عن انسانيته ليتخلص من قلقه ومشاعره التائهة في لجج العالم الغائص في المادية العدمية، فيعثر على وجوده عندما يركب سفينة الحسين ويهتدي بمصباحه.

فما أعظم هذه النعمة على البشرية الباحثة عن نور يخرجها من ظلماتها، وما أفضلها من فرصة يستنقذ بها الانسان من مصائد الشك والضلال والانحراف.

دعوة لنا جميعا ان لا نضيع الفرصة الكبيرة التي تقدمها لنا النهضة الحسينية.. فهل نحن مغتنمون؟