ذكريات: صوم رمضان في الصيف

شهرُ رمضانَ في فصل الصيف غيره في فصل الشّتاء، أظنُّه كان أكثر ثواباً وأجزلَ أجرا، ذلك عن تجربةٍ شخصيَّةٍ وإحساسٍ شخصيٍّ لا أُلزمُ به أحداً.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

صمتُ أولَ شهر رمضان وأنا دون البلوغ، وكان يأتي في تموز، وتموز شهر الشَّمس الحارقة والظهيرة القائظة، وكنتُ في بعض الأيام أغافل مَن في البيتِ فآكل من أوراق العنب الذي كان مزروعاً في الدَّار على "سوباط" الخشب، وأشرب الماء عذباً من صنبور ماءٍ باردٍ يجري في الحديقة.

ثمَّ لمَّا بلغتُ كان شهر رمضان يتقاسمه حزيران وتموز، فصمتُ ذلك الشهر فذقتُ ألَم جوعه وحرارة عطشه، وكانت قراءة الأدعيَّة أمراً لا بُدَّ منه، وختمة القرآن الكريم في الشهر مرة من لوازمه القريبة التي لا تنفك عنه، بل تكاد تكون جزءاً من ماهية الشهر الفضيل بدونها تنقلب حقيقتُهُ إلى شهرٍ آخر لا نعرفه.

وصار شهر رمضان في الصيف حبيباً آنسُ به وانتظر قدومه، واتحدَّى جوعه وعطشه، ثم جاء الشهرُ الفضيل في الشتاء، ولعل شهر رمضان الذي جاء في شهر آذار من سنة 1991 والموافق لسنة 1411 هجرية من الرمضانات التي لا تبارح الذاكرة، فقد جاء بعد الانتفاضة الشعبانيَّة المباركة، ونهاية الحرب العراقية مع الامريكان بهزيمة الطَّاغية، وانتهاء الانتفاضة ضدَّ السلطة بانكسار المنتفضين، وكانت النَّاس لا تزال تعيش أجواء الرُّعب والخوف من الجيش العراقيّ وهو يقتحم البيوت ويعتقل الشباب، وكان هذا أول شهر رمضان بلا كهرباء، فقرأنا دعاء الافتتاح على نار الفوانيس.

ومن الأحداث المعروفة في شهر رمضان ما يُعرف ب "نزلة رمضان" فيها تلاعب عدي الكسيح ابن الطاغية المقبور بسعر صرف الدولار الذي كانت ال 100$ =300،000 دينارٍ عراقي فجعلها تساوي 80،000 دينارٍ عراقيٍّ، فأربك السوق، وخسر كثيرٌ من التجار أموالهم ، ولعل ذلك كان في شهر رمضان لسنة 1416هج الموافق سنة 1996، ثم بعد أيَّامٍ أرجع الكسيحُ سعر الصرف لما كان عليه فأربك السوق أخرى.

كنا في شهر رمضان الذي في الصيف ننام على السطح فنسمع الأدعية من مأذنة مسجد الكوفة فكان الدُّعاء يُضفي لوناً من القداسة على هيكل الليل، والقمر العاري يغسل بأضوائه الفضيَّة وجه السَّحر.

أما في شهر رمضان الذي يأتي في الشتاء حيث لا تشعر بألم الجوع وحرارة العطش، ولا تسمع الأدعية المأثورة في جنح الليل من مأذنة الجامعة تفتقد كثيراً من تلك الألفة المحبَّبة في شهر رمضان التي تعوَّدتها.

أمنيتي أن أُدرك شهر رمضان في شهر صيفٍ آتٍ ، وأعيش التحدّي مع جوعه وعطشه، والراحة مع دعائه وقرآنه.

فمن لم يصم شهر رمضان في الصيف ما ذاق طعم الصوم.

صيامكم مقبولٌ ودعواتكم مجابة وشهر رمضان كريمٌ عليكم.