ولاية الفقيه.. لماذا لا يعمل بها أكثر المراجع؟

لماذا لا يأخذ أكثر مراجعنا بنظرية ولاية الفقيه مع بداهتها كما اثبت ذلك العلماء والباحثون؟

لا إشكالَ ولا شبهةَ في أصل ثبوت الولايةِ للفقيه، إلا أنّ الخلافَ قد وقع في حدود هذه الولاية، وما يدورُ بين الفقهاء من نقاشاتٍ علميةٍ وفقهيةٍ له علاقة بحدود هذه الولاية، فبين من يرى ولايتهُ مطلقةً وبين من يحصرُ ولايتهُ ضمن عناوينَ محددة.

فأولُ من كتبَ في نظرية ولاية الفقيهِ المطلقة ونسبت إليه هو المحققُ الشيخ أحمد بن الشيخ محمد مهدي النراقي، صاحبُ كتاب مستند الشيعة، وقد ألَّف رسالةً خاصةً في موضوع ولاية الفقيهِ أسماها عوائد الأيام، ثم توالت البحوثُ المؤيدة والمعارضة إلى أن تبلورت هذه النظريةُ بشكلٍ عملي على يد السيد روح الله الخميني بعد انتصار الثورةِ الإيرانية، وقد نظر الإمامُ الخميني لهذه النظرية ودافعَ عنها في كتابهِ الحكومة الإسلامية.

والمقصود بولاية الفقيهِ المطلقة هو منح الفقيهِ سلطةً فقهيةً مطلقةً في ظلّ الحكومةِ الإسلاميةِ أو الإمارة الإسلامية، وقد وقع الخلافُ بين الفقهاء حول هذه السلطةِ المطلقةِ بين مؤيدٍ ومعارض.

والخلافُ الفقهي بطبيعتهِ ينحصرُ في الأدلةِ والبراهين التي يعتمدُ عليها كلّ فريق من الفقهاء، فالأمرُ لا يخضعُ للمزاج أو الميل النفسي وإنما يخضعُ لدلالةِ الأدلة طبقاً لاجتهاد كلّ واحدٍ من المجتهدين.

فهناك قدرٌ مشتركٌ بين جميع الفقهاء حول بعض الحدودِ التي يكون للفقيه فيها حقُّ الولاية، وهناك حدودٌ أخرى وقع فيها الخلاف، وعليه يمكننا القول إنّ ولاية الفقيه ثابتةٌ عند جميع الفقهاء في العناوين التالية:

أولاً: ولايتهُ على الفتوى، أي أنّ للفقيه ولايةً وسلطةً على الإفتاء.

ثانياً: ولايتهُ على القضاء، أي أنّ له ولايةً في الحكم بين المتخاصمين والفصلِ في النزاعاتِ، فالقضاء من شأن الفقيهِ الجامع للشرائط.

ثالثاً: ولايتهُ على القصّر والمجانين وكلّ من لا وليّ له، مضافاً إلى ذلك ولايتهُ على الأوقاف العامة.

رابعاً: ولايتهُ على الأمور الحسبية؛ وهي الأمورُ التي يحتسبها الشارع عليه، وهي الأمور التي ليس لها راعٍ غير الإسلام أو لا يرضى الشارع بتركها فتقعُ ضمن ولاية الفقيه.

وقد وقع إجماعُ الفقهاء على هذه الأمور الأربع، واختلفوا في بعض الحدودِ الأخرى كولاية الفقيه في إقامةِ الحدودِ والتعزيرات في عصر الغيبة، مضافاً لاختلافهم حول ولايتهِ على أمور المسلمين كما كان حالُ الإمام المعصوم، فاعتبر بعض الفقهاء أنّ كلّ هذه الأمور تقع ضمن حدودِ ولاية الفقيه في عصر الغيبة، واعتبرها البعضُ الآخر خاصةً بالإمام المعصوم كما هو رأي السيد الخوئي قدس الله روحه.

وممّا لا يخفى أنّ هناك نقاشات فقهية عميقة بين الطرفين احتوتها الكتبُ الفقيهةُ الاستدلالية.