مهمة شاقة وعسيرة.. ما الذي يريده الإسلام؟!

اهداف الاسلام

إن من الواضح: أن أهداف الإسلام القصوى ليست هي مجرد تحقيق العدل، ولو بمفهومه الأوسع، إذ لو كان كذلك لم يبق معنى للأوامر الداعية إلى الجهاد والتضحية بالنفوس في سبيل الله والمستضعفين، إذ لماذا يتخلى هذا الشخص عن نفسه وعن حياته في حين يبقى الآخرون يتمتعون بالحياة، وبمباهجها ولذائذها؟!

كما أنه لو كان العدل هو الهدف فلا يبقى معنى لمحبوبية الإيثار على النفس ومطلوبيته له تعالى، ثم مدح من يفعل ذلك من الناس كما في قوله تعالى: (... وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ...) 1.

كما أنه لا معنى لنهي الإنسان عن الحقد والحسد، وغير ذلك مما لا يمكن تتبعه واستقصاؤه، فإن ذلك كله وسواه ليدل على أن الهدف ليس هو مجرد تحقيق العدل، وإنما هو فوق وأهم وأقدس من ذلك.

إنه تجسيد إنسانية الإنسان، وإظهار كنوزها، والارتفاع بهذا الإنسان إلى مستوى الجدارة الحقيقية لأن يمثل النموذج الذي يريده الله للإنسان الكامل، وليس العدل وسواه من كمالات وفضائل إلا واحداً من تلك المراحل والوسائل الموصلة إلى ذلك الهدف المقدس والأسمى، الذي يستبطن في داخله: كل العدل، وكل الكمالات وكل الفضائل، وأخيراً كل السعادة، والفوز والنجاح.

هذا هو هدف الإسلام، وهذا ما يسعى إليه، ويعمل من أجل الوصول والحصول عليه، وليس أدل على ذلك من الآية الكريمة التي تحدد مهمة النبي الرسول، بأنه يُعلِّم الناس الحكمة، ويطهرهم، ويزكيهم، بالإضافة إلى تبليغ رسالة الله لهم، قال تعالى :

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) 2.

وليلاحظ: أيضاً قوله تعالى: (... مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) 3.

ومن يراجع الآيات القرآنية يجد الكثير الكثير مما يدل على ذلك دلالة واضحة، حتى إن ذلك لا يحتاج إلى أي بيان أو توضيح، ولا إلى المزيد من الدلالات والشواهد.

الحاجة إلى الوزير والوصي

وبعد أن عرفنا حقيقة هدف الإسلام، فإننا نعرف:

أن مهمته شاقة وعسيرة جداً لأنها تصطدم أولاً وبالذات بالإنسان الفرد، حيث لا بد له من السيطرة على غرائزه وشهواته وطموحاته، ليوجهها ويستفيد منها في مجال بناء الشخصية الإنسانية المثالية والفضلى، كما أنها تهدف إلى التغيير الجذري في البنية الاجتماعية والسياسية وغيرها للمجتمع، ليقتلع كل جذور الشر، ويستأصل كل عوامل الانحراف ؛ ليغرس عوضاً عنها كل معاني الخير والصلاح، والبركة والفلاح.

نعم، إنها مهمة شاقة وعسيرة جداً، ولا أشق ولا أعسر منها، وهي تحتاج لإنجازها ثم إلى استمرارها إلى جهد هائل ومستمر، ما دام أن الإنسان يحمل في داخله عوامل التغيير والتحول، التي منحه الله إياها لتكون عوامل لبقائه وسعادته ولراحته، وأعطاه أيضاً وسائل ضبطها والهيمنة عليها وتوجيهها، ولكن تلك الوسائل كثيراً ما تضعف عن السيطرة على تلك العوامل.

ولسوف يبقى هذا الخطر قائماً، ما دام ذلك الصراع قائماً.

وإذا كان الصراع مستمراً باستمرار وجود الإنسان على مدى الزمان، وكان خطر الشذوذ والانحراف مستمراً أيضاً:

فإن الأنبياء (عليهم السلام) سيكونون بحاجة إلى مواصلة القيام بمهمة التربية والتزكية، وغرس الفضائل الإنسانية والأخلاقية في نفوس الناس، بالإضافة إلى الاستمرار في تلاوة الآيات القاهرة للعقل ؛ والمرضية للوجدان، وبالإضافة إلى تعليم الشريعة والأحكام، ثم الإشراف على تطبيقها، والرقابة المستمرة على ذلك.

ومن هنا تبرز الحاجة إلى الوزير والوصي، والنصير والأخ والولي، والخليفة للنبي (صلى الله عليه وآله)، فجاء تنصيب علي (عليه السلام) من قبل الرسول الأكرم (صلوات الله عليه وآله) هو الحركة السليمة والطبيعية في خط الجهاد والدعوة إلى الله سبحانه، وما يوم الدار، وما جرى من تنصيب علي (عليه السلام) فيه خليفة ووزيراً ووصياً للرسول إلا واحداً من تلك المناسبات الكثيرة التي جرى فيها التأكيد على هذا الأمر، وترسيخه بصورة قوية وحاسمة 4.

الهوامش:

1. القران الكريم: سورة الحشر (59)، الآية: 9، الصفحة: 546.

2. القران الكريم: سورة الجمعة (62)، الآية: 2، الصفحة: 553.

3. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 6، الصفحة: 108.

4. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ. ق، الجزء الثالث.