أشد من الفقر الاقتصادي: مجاعة ثقافية.. كيف نواجهها؟!

تنويه: يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب وليس بالضرورة عن رأي أو سياسة «موقع الأئمة الاثني عشر»

على الرغم من توفّر وسائل المعرفة بشتى انواعها وسهولة تناول المعارف الدينية نجد وللأسف الشديد تدنيّاً فاحشاً في المستوى المعرفي والثقافي الديني عند كثير من أبناء الطائفة الشيعة، بل ربما تجد مَنْ هو في موقع المسؤولية والوجاهة الاجتماعية لا يفقه أبجديات الدين والمذهب.

وهذه الحقيقة ليست من نسج مخيلتي بل هي نتيجة واقعية أدركناها وعايشناها وأقرّ بها كثيرٌ مِنْ أهل الاختصاص في هذا المجال .

وهذا الواقع الأليم قد يختلف شدةً وضعفاً بين منطقة وأخرى وبلدة وثانية إلا أن هذا التقييم هو للجو الديني الشيعي العام في هذه البلاد، أقصد لبنان.

ومختصر الكلام في ذلك: أن وضعنا الثقافي المعرفي أشد من وضعنا الاقتصادي، فإن كنّا نعاني فقراً على المستوى المادي الاقتصادي فإنّنا في الوقت ذاته نعاني قحطاً ومجاعة على المستوى المعرفي والثقافي الديني.

إن أبناء الطائفة الشيعية على مرّ العصور مشهورون بعلمهم، ومعرفتهم، وقوة البرهان لديهم، ونبهاتهم، وورعهم، واجتهادهم، وقد ورثوا كل ذلك عن أئمتهم عليهم السلام، فالحذار الحذار من التفريط بهذا الامتياز والتفضيل.

وما مقالتي هذه إلا تنبيها وتحذيراً من سلوك هذه الاتجاه.

ولو أردنا البحث عن أسباب هذا التدني المعرفي لوجدناها كثيرة متعددة، بعضها يرتبط بأمور عامة على الساحة الشيعية، وبعضها يرتبط بأمور خاصة عند الناس أنفسهم.

وحيث إن كلامنا مبنيٌّ على الاختصار سعياً لمراعاة مقتضى الحال، فإن الإسهاب في بيان هذه الأسباب والإطناب في طرق العلاج مع كون أكثرها مما لا يمكننا فعله وتطبيقه لأنه ليس بأيدينا، فإن كل ذلك يلزم منه نقض الغرض.

وما يهمني تسليط الضوء عليه وأرى فيه ظاهرة لها الأثر الكبير في استفحال هذه المشكلة هو عدم استفادة بعض رجال الدين من الجلسات والسهرات التي تعقد ويجتمع فيها المؤمنون تحت عناوين متعددة، ليجيّروا مثل هكذا اجتماعات لنشر المعارف والوعظ والإرشاد، بل يخوضون مع عامة الناس في مواضيعهم الدنيوية التي ترتبط بسفاسف الأمور، ويساعدهم على ذلك الناس أنفسهم حيث لم يستفيدوا من وجود هذا العالم المختص في مجال الدين وهو حاضر بينهم ينفعهم ويأخذ بيدهم ويعلمهم ويرشدهم.

وقد أخذ الله على العالم أن يعلّم كما أخذ على الجاهل أن يتعلم، وكلهم مسؤول يوم القيامة، فالطريقة الناجعة في تصويب المسار وجعل هذه الاجتماعات مورداً للاستفادة هو أن يبادر الحضور للسؤال ويطلبوا من العالم الحاضر أن يتكلم فيهم بالمعرفة الدينية والوعظ والإرشاد حتى لو وصل الأمر الى إحراجه في ذلك.

كما أن على أهل العلم حين يحضرون في مجلس أن يتكلموا فيه بالوعظ والإرشاد وبيان الأحكام ولا يتماشوا مع أهل المجلس بما لا ينفعهم بل ربما كان وبالاً عليهم جميعاً.

فقد ورد عن أَبـِي عـَبـْدِ اللَّهِ الصادق (علیه السلام) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله وسلم) مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ فَلَمْ يـَذْكـُرُوا اسـْمَ اللَّهِ عـَزَّ وَ جـَلَّ وَ لَمْ يـُصـَلُّوا عـَلَى نـَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ حَسْرَةً وَوَبَالًا عَلَيْهِمْ.

وأختم بهذه الطريفة عن السيد الحميري (رحمه الله) حيث حضر مجلساً كان أهل ذلك المجلس يتذاكرون فيه أمر الزرع والنخل، وخاضوا في ذلك ساعة من المجلس، وإذا بالسيد الحميري ينهض ويقوم من المجلس، فقال له الحاضرون :

يا أبا هاشم ممَّ القيام؟ فقال:

إنِّي لأكرهُ أن أطيلَ بمجلسٍ

لا ذكرَ فيهِ لفضلِ آلِ محمدِ

لا ذكرَ فيه لأحمدٍ ووصيِّهِ

وبنيهِ ذلكَ مجلسٌ نَطِفٌ ردي

إن الذي ينساهم في مجلسٍ

حتى يفارقه لَغَيرُ مسدَّدِ

اللهم وفقنا وجميع المشتغلين لخدمة شريعة سيد المرسلين وآله الأطيبين الأطهرين.