لماذا عرضت السيدة خديجة نفسها على النبي (ص) للزواج به؟

اليوم - العاشر من شهر رمضان - تكتمل حلقة الحُزن في قلب الرسول الأعظم - صلى الله عليه وآله - بموت السيدة المُعظَّمة خديجة - عليها السَّلام - بعد وفاة سيدِنا أبي طالِبٍ - عليه السَّلام - 

وهنا أودُّ أن أقف على حَدَثٍ ما،نسبر غوْرَه ونكشف كنهه بعد التأمّل فيه وتحليله، ذلِك هو عرض سيدتنا خديجة - عليها السلام - نفسها على النَّبي الأعظم - صلى الله عليه وآله - للزواج به، هل كان لمُجرَّد الإعجاب بأمانتِهِ أم لأمرٍ آخر؟

دعنا نتصوَّرُ أولاً من هي السيدة خديجة

هي بنت خويلد، وخويلدٌ هذا بطلٌ مغوارٌ وفارسٌ نبيلٌ كان له موقفٌ بطوليٌّ في الدّفاع عن الكعبة.

وهي أغنى قريشٍ نساءً ورجالاً ويُقال إنَّ ثروتها كانت أربعين طشتٍ ذهبا

وكان له خدمٌ يخدمونها 

تُرى، ما الذي يدفع سيدَةً بهذا المستوى الاجتماعيِّ والثروة الهائلة لعرض نفسها على النَّبيّ الأعظم - صلى الله عليه وآله - للزواج به مخالفةً أعراف ذاك المجتمع؟

أما كان الأحرى بها أن تبعث إليه - صلى الله عليه وآله -  سِرَّاً من تثق به ليكون رسولاً للرسول - صلى الله عليه وآله - ليُقدِم هو  على خطبتها أمام النَّاس فيُجنّبها الحرج الذي ستقع فيه لو هي عرّضَت نفسها عليه - صلى الله عليه وآله؟

كأنّي أقرأ أنَّ ذلك تكليفٌ شرعيٌّ خاصٌّ بها أن تتقدَّم هي لخطبته - صلى الله عليه وآله - لتكون وعاءً للسيدة الزهراء - عليها السلام - وزوجاً مباركاً للرسول - صلى الله عليه وآله - تُعينه بما تقدر على شدِّ أزره للقيام بأعباء النبوَّة والنهوض بأثقال الرسالة، خصوصاً وفي بعض الأخبار ما يؤيّد أنَّها كانت تنتظر نبوَّته - صلى الله عليه وآله - ومتى يُبعث إليه.

وتكليفُها هذا كتكليف عبد المطلب - عليه السلام -  في رعايته صغيرا، وتكليف أبي طالِبٍ في حمايته كبيرا، وكانا ينتظران أمر بعثته، إذ كان عبد المطلب - عليه السلام - يقول:إن لولدي هذا شأناً عظيما.

وطفحت أشعار أبي طالب في التصديق برسالته - صلوات الله عليه وآله -

وإذا كانت اليهود تنتظر النبيَّ الموعود فما بالك بالحُنفاء من أولاد إبراهيم - عليه السلام -؟

فليست القضية قضية أمانةٍ في تجارةٍ فحسب، بل الأمر أبعد من ذلك وأخطر، فهي كانت تريد للناس أن يتساءلوا بينهم: ما الصفات التي في "محمد" حتى تتقدَّم لخطبته السيدة خديجة بتلك الصورة؟ فلعلَّهم إذا تساءلوا يصلوا الحقيقة والله يهدي سواء السبيل.

فهي دعاية لرسالته بصورةٍ مبكرة. صلى الله عليه وآله.

ومن كانت تنتظر الرسالة بهذه اللهفة، وتترقَّب البَعثة بهذا الشعور كيف يُتوقَّع منها أن تتزوَّج برجلٍ قبل رسول الله - صلى الله عليه وآله-؟

حاشا للرَّحم الذي سيكون وعاءً للمعصومة من الرّجس أن تنجّسه الجاهلية بأنجاسها وتُلبسه من ملهمَّات ثيابها.

فزواج خديجة بالرسول - صلى الله عليه وآله - كزواج الزهراء بأمير المؤمنين - عليهما السلام،

فكما حبس الرسول فاطمة - صلى الله عليهما وآلهما - عن أبي بكرٍ وعمر حتى تتزوج بأمير المؤمنين عليه السلام

حبست السيدة خديجة نفسها عن كلِّ رجلٍ حتى تتزوَّج بالرسول - صلى الله عليه وآله.

وفي خطبة سيدنا أبي طالِبٍ عليها السلام يوم جاء يطلب يدها للنبيّ - صلى الله عليه وآله - وما فيها من ذكر خصاله ما يُنبي أنَّها خصال النبوَّة وليست خصال رجلٍ من سائر النَّاس،  فانظر قوله" إِنَّ ابْنَ أَخِي هَذَا  مِمَّنْ لَا يُوزَنُ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا رَجَحَ بِه،

 ولَا يُقَاسُ بِه رَجُلٌ إِلَّا عَظُمَ عَنْه،

 ولَا عِدْلَ لَه فِي الْخَلْقِ.."

أرأيت؟ ولا عِدل له في الخلق، وليس في قريشٍ فحسب.

 وإصرارها على جعل مهره من مالها دلالة على أنَّ أموالي في خدمتك - يا رسول الله - قبل أن أكون زوجتَك!

لم يتزوَّج رسول الله - صلى الله عليه وآله - بامرأةٍ ما دامت خديجة - عليها السلام - على قيد الحياة، ولمَّا أغمضت عينيها كان ذلك ساعة حزنه التي لازمته حتى أغمض عينيه - صلى الله عليه وآله -

وكان قد نزل في قبرها، ولم يُصلِّ عليها فلم تكن صلاة الميت قد شُرِّعت آنذاك.

وكان يُحبُّ خديجة حتى ما يُراعي مشاعر عائشة وهي تلومه على إكرام صديقاتها بعد موتها - عليها السَّلام - 

ويكفيها عظمةً أنها من سيدات نساء أهل الجنَّة، ووعاء العصمة الذي تفرَّع في ربيعه اثنا عشر غصناً ليس لهم في العالمين مثيل.