سيد نفسه: ما الذي يريده السيستاني للعراق؟

لو تركت كل ما يرد في خطب الجمعة وأنصتّ -وأدعوك لذلك- الى الكلمات الآتية: العراق، العراقيون، البلد، الوطن، وعدد مرات تكرارها، ماذا ستقول بعدها؟ ماذا يُسمى من يلهج بشيء غير أنّه محبٌ له وحريص عليه، وهذان أبسط تعريفان.

إن كنت تسكن في منزل أو دائرة أو اي مكان لا تتمتع فيه بالراحة والعدالة ولا تنال حقوقك كاملة ربما سيدفعك الضنك والعوز والظلم الى السخط والحقد على ذلك المنزل وتلك الدائرة، رغم أن كل ما تعرضت له هو بسبب من كان على رأسه والأنظمة المسيطرة على جريان الأمور فيه، فتظل غير آبهٍ بما يجري عليه وعلى المظلومين فيه من أمثالك وربما لن تشعر حتى لو سقط على رأسك وأنت منشغل بقضم لقمة عيشك..

فيأتي إليك رجلٌ حكيم يحتلّ صفة المرجع الديني الأعلى ويلقي عليك:

«إن إشاعة ثقافة المواطنة الصالحة، وتربية الأولاد عليها في البيت والمدرسة والجامعة يساهم كثيرا في تقليل بعض الممارسات الخاطئة عند بعض الموظفين، وترفع اللامبالاة التي تحيط بسلوك اخرين.» خطبة الجمعة: [13/11/ 2015]

«التأكيد على ثقافة حب الوطن والاهتمام به ولابد من وضع واستحداث مناهج واضحة تعزز هذا الجانب في نفوس أبنائنا الطلبة بدءا من رياض الاطفال وتثقيفهم على حرمة المال العام وان السرقة من أموال الحكومة كالسرقة من اموال الناس قبيح وحرام .. وانتهاء الى المراحل النهائية في الجامعات مع ملاحظة توطيد العلاقة بين الطالب ووطنه من خلال المحاضرات التي يلقيها الأساتذة الأفاضل لما لهذا الموضوع من أثر فعال في تمسك الطلاب بوطنهم والحفاط عليه بل والدفاع عنه». خطبة الجمعة [2/10/2015]

«فلابد أن نعمل عل جعل الجيل الجديد في البيت والمدرسة والجامعة على التحلي بالفضائل الاخلاقية والابتعاد عن رذائلها، نزرع وننمي في نفوسهم حب الوطن والمواطن أيا

كان، والالتزام بالصدق، ورعاية حقوق الآخرين.» خطبة الجمعة [13/11/ 2015]

هكذا يريد السيد السيستاني، أن يجعل ذهنك محشوّا بالعراق، أن يريك كم هو محتاجٌ إليك وأن الذنب ليس ذنبه، يريد أن تحبه وتحمله على أكتافك وتلهج باسمه وتتباهى به وتقول أنا عراقي، يريدك أن تتحمل مسؤوليته كي لا يتداعى فوقك بسبب أعدائه وأنت تنظر، يريدك أن تعمل لأجله كي يتخلص ممن يعملون لأجل أنفسهم على حسابه..

تخيّل فقط لو أنك تركته واسأل نفسك اذن من بقي له؟

عراق المقدسات والحضارات تلك الجمل التي باتت تبدو لك مستهلكة، لو نحيّتها جانبًا فسيكون العراق عراقك، ذاك الذي نبت في تربته وشربت عذب مائه ونبت لحمك من خضرته ألا يستحق رد جميل؟

«إنّ الجيش العراقي والإخوة المتطوّعين إنّما يدافعون عن بلدهم العزيز.. هذا البلد الحضاريّ بل الذي تجذّرت فيه مجموعةُ حضارات.. هذا البلد الذي سيكون كما كان منيعاً عن أيّ محاولة لتغيير هويّته وتبديل تراثه وتزييف تاريخه.. إنّ أبناءه البررة على طول التاريخ تحمّلوا ما تحمّلوا من أجل أن يبقى عزيزاً شامخاً مستقلّاً سيّدَ نفسه». خطبة الجمعة: [13آذار 2015]

أ رأيت إطراءً كهذا من قبل؟ العراق سيّد، السيّد العراق، ربما ساد أحدٌ على أحد لكنه لم يبلغ مرحلة أن يتسيد نفسه وهذه أسمى مرتبة يمكن الوصول اليها والسيستاني يريدها للعراق.

لاحظوا معي أحيانًا كيف تكون المشكلات ناتجة من اختلافات بين من تعيش معهم دون احتسابٍ لأي شيء كفيل بجمعكم على مائدة الود، ووصلكم بحبل مشترك لا ينقطع، لذلك راح يمد حبل العراق ويرفع خيمة الوطن كي تسعنا جميعا وهو يكرر على التعايش السلمي.

إن السيد السيستاني وأنا وأنت نعلم تباين الطوائف والإثنيّات ومدى الاختلافات حتى ضمن مكون واحد وطائفة ومذهب واحد؛ فراح ينفث في قلوبنا انتماء واحدًا وهو العراق لنلجأ اليه كركن وثيق لو ادلهمّت علينا المنازعات، إنه الحكم بيننا لو اختلفنا.

ولكثرة ما ذكر ذلك وصدح به، قال: «وقد بحّت أصواتنا بلا جدوى من تكرّر دعوة الأطراف المعنية من مختلف المكونات الى رعاية السلم الأهلي، والتعايش السلمي بين ابناء هذا الوطن.»

 خطبة الجمعة: [2016-01-22]

«إن خلاص العراق وتجاوزه لأوضاعه الصعبة الراهنة لا يكون الا على أيدى العراقيين أنفسهم، اذا ما اهتموا بالمصالح العليا لبلدهم وقدموها على كل المصالح الشخصية والفئوية والمناطقية ونحوها.. وأما الأطراف الاخرى سواء الإقليمية أو الدولية فمن المؤكد انها تلاحظ في الأساس منافعها ومصالحها.. وهي لا تتطابق بالضرورة مع المصلحة العراقية، فليكن هذا في حسبان الجميع.» خطبة الجمعة: [18كانون الأوّل 2015]

«إنّنا نعتزّ بوطننا وبهويّتنا وباستقلالنا وسيادتنا.. وإذا كنّا نرحّب بأيّ مساعدةٍ تقدّم لنا اليوم من إخواننا وأصدقائنا في محاربة الإرهابيّين ونشكرهم عليها.. فإنّ ذلك لا يعني في حالٍ من الأحوال بأنّه يمكن أن نغضّ الطرف عن هويّتنا واستقلالنا.

إنّنا نكتب تاريخنا بدماء شهدائنا وجرحانا في المعارك التي نخوضها اليوم ضدّ الإرهابيّين وقد امتزجت دماءُ مكوّنات الشعب العراقي بجميع طوائفهم وقوميّاتهم.» خطبة الجمعة: [13آذار 2015].

على اللاديني أن يرى هذا المرجع الديني كيف يرفع راية الوطنية ويدعو حتى من خلال لقاءاته مع الناس أن يعلموا الأطفال حب الوطن، كفرضٍ يجب أن يشبّوا عليه ويكبر معهم، إنه يكرره ويدعونا لذلك كتسبيحة نرتلها، فالدين ورجاله الحقيقيون لا يحاربون الوطن.

وعلى الديني أن لا يزايد ويرمي وطنه وراء ظهره بحجة هو واضعها من أن الإسلام لا يعترف بالأوطان رغم المواقف والروايات الحديثية الكثيرة؛ فإن موقف السيد السيستاني يُلزمه أن يعيد حساباته ويقول مقالته: أعتز بعراقيتي.