العادات السيئة لم تولد معنا.. الإنسان خير مطلق أم شر مطلق؟!

يوجد في خلق الإنسان وطبيعته مجموعة من الدوافع المختلفة وإذا كان يمتلك صفات من قبيل «طلب الحق» و «حب الحقيقة» و «طلب العدالة» و«إرادة الخير» ففي المقابل أيضاً توجد فيه العديد من عوامل وصفات الجذب من قبيل «الأنانية والنفعية، وطلب الجاه والثروة، والشهرة» ويستحيل أن ينظر إلى هذين العاملين الدفع والجذب بنظرة واحدة، إذ من المسلّم به انّ إحدى هاتين الخاصيتين تنبع من الروح الملكوتية والأُخرى وليدة الجانب المادي في الإنسان.

وعلى هذا الأساس يقال: انّ الإنسان مزيج وخليط من الخير والشر ومن الإيجاب والسلب.

إنّ ظاهر بعض الآيات القرآنية التي تتعلّق بخلق الإنسان تؤيد هذا النوع من التحليل البدوي، وذلك لأنّ القرآن الكريم يشير إلى نقاط الضعف والقوة لدى الإنسان ويصفه بصفات مختلفة.

وها نحن نشير إلى بعض هذه الصفات ونقاط الضعف والقوة المختلفة التي وردت في تلك الآيات:

1. الإنسان خليفة اللّه في الأرض:

(...إِنَّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...). ([1])

2. اللّه كرّم بني آدم:

(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً). ( [2])

إنّ هذه الآيات ونظائرها تبيّن قيمة الإنسان ونقاط القوة فيه وإنّها تقودنا إلى معرفة الجانب الملكوتي الكامن في الإنسان وانّه مركز الخير والإحسان في هذا العالم.

في مقابل هذه الآيات توجد طائفة أُخرى من الآيات التي تشير إلى نقاط الضعف والخلل في الإنسان، حيث يصف القرآن الكريم الإنسان وفي آيات متعدّدة بصفات سلبية متعدّدة، وكلّ آية تشير إلى صفة من تلك الصفات.

1. انّه مخلوق عجول:

(...وَكانَ الإِنْسانُ عَجُولاً). ([3])

وفي آية أُخرى يقول سبحانه:

(خُلِقَ الإِنْسانُ مِنْ عَجَل...). ( [4])

2. انّه مخلوق مجادل:

(...وكانَ الإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْء جَدَلاً) .( [5])

3. الإنسان مخلوق: «هلوع» و «جزوع» و «منوع» وهذه الصفات الثلاثة تتلخّص بصفة واحدة هي «الحرص الشديد» حيث يقول سبحانه: (إِنَّ الإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً). ([6])

إنّ الإمعان في هذه الأبعاد السلبية للإنسان أو حسب المصطلح صفات الشر، يثبت وبجلاء انّ هذه الصفات جميعاً لم تخلق مع الإنسان منذ نشأته الأُولى، أي أنّها لم تكن من الأُمور الملازمة لخلق الإنسان وطبيعته، بل انّ هذا الشر أو هذه الصفات السلبية في الواقع وليدة طغيان بعض الغرائز الضرورية للإنسان، وبسبب غياب القيادة الصحيحة التي تتحكّم بتلك الغرائز والميول وصلت الحالة في الإنسان إلى ما وصل إليه من هذه الصفات.

فعلى سبيل المثال «الحرص والطمع» في الإنسان وليد طبيعي لحالة طغيان غريزة «حب الذات والأنانية» وغياب عامل الموازنة والتعديل الذي يمكنه أن يهذب هذه الغرائز الجامحة.

وكذلك صفة «الجدل والمجادلة» فإنّها إحدى فروع غريزة «حب الاستطلاع»، فإنّ هذه الغريزة أوجدت في الإنسان لتأخذ بيده إلى معرفة الحقائق وكشف الأسرار والوصول إلى الكمال العلمي ولكنّها وللأسف تتحوّل في بعض الحالات إلى حالة من الجدل والعناد بسبب مجموعة من الأغراض والأهداف غير الصحيحة بحيث تخلق من الإنسان موجوداً معانداً جدلاً، وهكذا الكلام في سائر الصفات السلبية.

والشاهد على عدم ملازمة تلك الصفات السلبية لخلق الإنسان ابتداءً وانّها في الواقع وليدة طغيان الغرائز الإنسانية، هو انّ القرآن الكريم حينما يتعرض لذكر تلك الأبعاد السلبية في شخصية الإنسان، يرفقها وعلى الفور باستثناء الشخصيات الصابرة وأصحاب الأعمال الصالحة والحسنة من هذه الصفات السلبية، حيث يقول تعالى:

(...إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلاَّ الَّذينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبيرٌ). ( [7])

فهذا الاستثناء شاهد صدق على عدم الملازمة بين الإنسان وبين الصفات السلبية وانّها لم تخلق مع الإنسان، لأنّ الناس في الواقع متساوون في الخلق ولا تمايز ولا تفاضل بينهم من هذه الجهة، وإنّما تحدث تلك الحالات نتيجة طغيان الغرائز كما قلنا لدى الناس غير المؤمنين باللّه سبحانه، وأمّا المؤمنون منهم الذين استقاموا أمام المحرمات وصمدوا أمام المغريات وعوامل الانحراف ومسكوا بيدهم زمام الأُمور فإنّهم مصداق لقوله سبحانه: (إِلاّ الّذينَ آمَنُوا ... وَتَواصَوا بِالصِّبر) ([8]) فإنّ هؤلاء منزّهون عن هذا الطغيان الغرائزي، وإنّ غرائزهم وميولهم تسير في الطريق الصحيح الذي يؤدي إلى تكامل الإنسان ورقيّه.

وبعبارة أُخرى:

انّ الإنسان البعيد عن تعاليم السماء والرسالة الإلهية المفعمة بالتعاليم الروحية والمعنوية، تجمح به غرائزه لتخلق منه إنساناً «عنوداً» «لجوجاً» «ظالماً» «حريصاً»، وأمّا الذي يرتوي من معين السماء العذب وينهل من ذلك النبع الصافي ويخشى اللّه تعالى حقّ خشيته فإنّه وبلا ريب ستتحول غرائزه وميوله إلى حالة أُخرى تختلف اختلافاً جوهرياً عن سابقه، بحيث تتحول تلك الغرائز والميول إلى عوامل تأثير إيجابي وبناء في حياته ومسيرة تكامله.([9])

[1] . البقرة: 30.

[2] . الإسراء: 70.

[3] . الإسراء: 11.

[4] . الأنبياء: 37.

[5] . الكهف: 54.

[6] . المعارج:19ـ 21.

[7] . هود:10ـ 11.

[8] . العصر: 3.

[9] . منشور جاويد:4/271ـ 278.