نصائح آية الله الشيخ الإيرواني لطلبة العلم في شهر رمضان

الموعظة الأسبوعية لسماحة الشيخ الإيرواني ليوم الاربعاء:- 24 / شعبان / 1445هـ ق  الموافق 06 / 03 / 2024م

بسم الله الرحمن الرحيم

قال عزَّ من قائل:- ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[1].

نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لإدراك شهر رمضان وصومه وأداء حقه بالخير والعافية والسلامة.

إنَّ هذا الشهر هو شهر الطاعة والانشغال بطاعة الله عزَّ وجل، والطاعة يجمعها عنوان واحد وهو كون المأتي به لوجه الله تعالى، فكل عملٍ تؤتى به لوجه الله تعالى فسوف يصير طاعة، فلنحاول تحويل اعمالنا طاعة الله عزَّ وجل، وأنحاء الطاعة كثيرة وسوف أذكر لكم بعض الأمثلة، فأنا حينما كنت في مدينة قم المقدسة - في ذلك الوقت المظلم - طلبوا مني إلقاء محاضرات في حسينية فاستعداداً لذلك قمت بمراجعة القرآن الكريم مرة ومراجعة نهج البلاغة أخرى ومراجعة روايات أهل البيت عليهم السلام ثالثـة، ففي القرآن الكريم لاحظت الآيات التي فيها فائدة وموعظة لعامة الناس فسجلتها وألقيت على ضوئها محاضرات، كما لاحظت كلام لأمير المؤمنين عليه السلام في هذا المجال وسجلته وألقيت محاضرات ترتبط به، كما لاحظت أحاديث بقية الأئمة عليهم السلام وألقيت محاضرات على ضوئها، وهذه محاولة جيدة ونافعة للإخوة الذين يذهبون إلى أماكن تبليغهم ولعل أكثرهم صنع ذلك ولكن غير الملتفت سوف تنفعه هذه الطريقة، فليسجل ما يرتبط بنهج البلاغة إذا رأى أن فيه موعظة وفائدة يستوعبها عامة الناس - لا أن يأخذ مضموناً صعباً ويتكلم عنه - وهذا شيء نافع قربة إلى الله عزَّ وجل، فأصحاب المنبر الذين يذهبون للتبليغ يتمكنون أن يستفيدوا من هذه الطريقة، وإذا فرض أنه لم يكن من الذين يذهبون للتبليغ في أماكن أخرى وإنما هو باق في النجف الأشرف ففي مثل هذه الحالة ليحاول أن تستفيد في هذا الشهر بمراجعة الكتب، كأن يراجع الكتب الأربعة - التهذيبين والكافي ومن لا يحضره الفقيه - إذا لعل بعض الطلبة لا توجد عندهم صورة واضحة عن هذه الكتب، فعليك أن تراجع الكتب الأربعة وكل ما تشاهده من ملاحظات تستدعي التسجيل عليك تسجيلها، وليراجع المشيخة وبعض الأمور الأخرى التي ترتبط بذلك أيضاً، وهذا أمر مهم فإنَّ طالب العلم لابد وأن تكون له معرفة بالكتب الأربعة بشكلٍ واضح، ولو كنت مراجعاً للكتب الأربعة فتوجد كتب أخرى في هذا المجال ينبغي مراجعتها ككتب الرجال مثل رجال النجاشي ورجال الكشي وغيرهما فإنه لابد وأن يتكوّن لديك انطباع واضح عنها كما ينبغي أن تسجل كل شيء تستفيده منها، ولو كنت مراجعاً لهذه الكتب أيضاً فعليك أن يراجع كتب التفاسير كيف هي حتى تصير عنده صورة واضحة عن التفاسير وأن هذا التفسير كيف هو وذاك التفسير كيف هو،  فمثلاً تفسير التبيان كيف هو وتفسير الميزان كيف هو فتصير عنده صورة واضحة عن التفاسير بحيث تعرف ما يرتبط بهذا التفسير وما يرتبط بذاك، وأنا لا أريد أن أقول عليك أن تطالعها بالتفصيل بل عليك أن تعرف خصوصيات كل تفسير وتسجل كل الملاحظات، وأما بالنسبة إلى كتب التاريخ كتاريخ الطبري وابن الاثير وغيرهما فينبغي أن يكون عندك انطباع ومعرفة واضحة عنها فلا يصح أن يصير عمري سبعين سنة ولم أطلع على هذه الكتب، وأنا أتذكر في السنين الأولى لم تكن هذه الكتب موجود ولكن كنت أذهب إلى مدرسة اليزدي حيث كانت توجد فيها مكتبة فأراجع هذه الكتب وقد استفدت منها الكثير.

وأما بالنسبة إلى الشخص الذي يقوم بالتدريس كأن يدرس الكفاية أو المكاسب أو الرسائل فيمكنه أن يستفيد من تجربتي في هذا المجال - إذا رآها جيدة - حيث كنت أقوم بتدريس أربعة دروس الرسائل والكفاية والمكاسب كما قمت بتدريس الحلقة في قم ولم ادرّسها في النجف، فمثلاً كتاب المكاسب لا يمكن تحضير درسه كل يوم بيومه فكنت أجلس في المكتبة - إما مكتبة مدرسة القزويني أو مكتبة مدرسة السيد اليزدي - واستخرج الحواشي وأراجع ما قاله المحشّون وأسجله في دفتري بحيث يصير الدرس عندي واضحاً، كما كنت أراجع تقريرات السيد الخوئي (قده) المطبوعة وأراجع تقريراته المخطوطة - غير المطبوعة – أيضاً وحاولت استنساخها لأستفيد منها، وأتذكر أني ذهبت إلى السيد محمد الهاشمي(قده) في النجف الأشرف وطلبت منه أن يعطيني تقريرات والده - المخطوطة - على المكاسب والتي طبع منها جزء واحد فقط فأعطاها لي فاستنسختها وأرجعتها له، فالمقصود أني في كل أسبوع كنت أجلس وأقوم بالتحضير لأنَّ تحضير درس الكاسب مثلاً في نفس اليوم صعبٌ مستصعب، وهكذا كنت أتبع هذه الطريقة في الرسائل والكفاية، وحينما هاجرت إلى إيران حملت معي هذه الدفاتر وبمجرد أن وصلت هناك شرعت في التدريس اعتماداً على هذه الدفاتر، فأنت يا أخي العزيز تحتاج إلى هذه القضية أيضاً فإنه لا يمكن تحضير درس المكاسب كل يوم في يومه خصوصاً إذا كان عندك درس ثانٍ من كفاية أو رسائل أو تجريد أو غير ذلك، فعليك أن تبذل جهداً خصوصاً وأنت في عمر الشباب فإنَّ الانسان إذا كبر فسوف تضعف قواه ولا يتمكن من ذلك فانتهز الفرصة واطلب من الله التوفيق واجعل عملك قربة له تعالى فنحن نريد فضلاء جيدين يعرفون تدريس المكاسب والكفاية وما شاكل ذلك، فعليك أن تكوّن نفسك كفاضلٍ قربة لله عزَّ وجل لتنتفع منه الحوزة.

اللهم اجعل اعمالنا جميعاً لوجه الكريم وتقبل منا ذلك بحق محمد وأهل بيته الطاهرين.

الهوامش:

[1]  سورة البقرة، الآية 158.