الشيعي من يراقب سلوكه وتصرفاته

ذكرنا في مقال سابق انه في زمن الائمة عليهم السلام وجدوا أن بعضاً من شيعتهم يشكون -لعله- من قلة وعي بحقيقة وجوهر التشيّع او سوء فهم او غفلة او اشتباه او سوءً في التطبيق.

هذه الامور ان تُركت ستشكل خطراً على صيانة وحفظ جوهر وحقيقة مذهب اهل البيت لذلك كانوا كثيراً ما ينبهون شيعتهم واتباعهم الى بيان حقيقة وجوهر التشيّع، ما هو التشيّع في حقيقته وجوهره، وبيّنا ان هناك مقومات اربع لابد من الجمع بينها جميعاً وهو العقيدة الصحيحة والعبادة المشروعة والشعائر المأثورة والعمل الصالح والاخلاق الفاضلة، اربعة امور، هذه نستفيدها من خلال احاديث اهل البيت عليهم السلام ان من جمع بين هذه الامور الاربع صح ان يطلق عليه انه شيعي صادق في اتباعه لأئمة اهل البيت وان اخلّ بواحد منها فهناك خلل في حقيقة تشيّعه وجوهر اتبّاعه لأهل البيت عليهم السلام، لذلك وردت الاحاديث الكثيرة خصوصاً عن الامام الباقر والصادق عليهما السلام فَهُم ينبّهون في احاديثهم الى اهمية الالتفات والوعي لحقيقة وجوهر مذهب اهل البيت وما هو الاتباع الصادق لأئمة اهل البيت عليهم السلام.

ونحن ذكرنا بعض المقومات والمؤشرات التي تدل على ذلك ونذكر هنا بعضاً آخر ونلتفت الى:

اهمية انعكاس السمعة الحسنة للعنوان العام والحذر من السلوكيات المنحرفة

فتارة يرتكب الانسان فعلا ً سيئاً كلاماً غير مقبول. وهذا ينعكس عليه شخصياً ويضره هو، وتارة ربما يرتكب تصرفاً او سلوكاً مشيناً او كلاماً غير مقبولاً ينعكس ويضرّ بالعنوان العام ويضر بجميع اتباع العنوان العام وهذا خطير جداً.

نحن اتباع اهل البيت في اغلب المجتمعات التي يعيشون فيها ويتعاشرون فيها يعيشون مختلطين مع اصحاب مذاهب اخرى واصحاب ديانات اخرى والغالب من الناس انما يجدون ان تصرفات وسلوكيات واخلاق وكلام هؤلاء الاتباع مرآة عاكسة لما أدّب به ائمة هذا المذهب اتباعهم.

تارة الانسان يأتي الى هذا الفكر والى هذا الدين يقرأ افكاره ومنهجه وما فيه من مناهج للحياة ويحكم على ضوء قراءته لهذه الافكار والمناهج مع غض النظر عن سلوكيات اتباع هذا المنهج سواء احسنوا او اساءوا. ولكن الغالب من الناس لا يأتون الى نفس المذهب والدين والفكر لكي يحاكموا هذه الافكار والمناهج ويقولون هذا حق وهذا باطل وهذا صحيح وهذا خطأ انما يأتون الى السلوكيات والتصرفات لنفس الاتباع ويجعلون هذه السلوكيات والاخلاق هي المرآة التي تعكس ادب واخلاق ومنهج قادة هذا المذهب.. هنا نأتي ونطبّق هذا المعنى بالنسبة الى سلوكيات واخلاق وتصرفات اتباع اهل البيت.

مراقبة السلوك والتصرفات

كان من الضروري جداً لأتباع ائمة اهل البيت عليهم السلام ان يكونوا على حذر ومراقبة لأي تصرف او سلوك او ممارسة او كلام يعتبره الاخرون شيئاً وعيباً ومثلمة في مذهب اهل البيت (عليهم السلام) او يكون سبباً لبغض وكراهية ائمة المذهب وينعكس سلباً – بالتالي- على العنوان العام (أي الائمة والمذهب معاً) وبالتالي فان رضى الاخرين ومقبولة التصرفات والسلوكيات والكلام الصادر من اتباع اهل البيت عليهم السلام لديهم امر مطلوب اجتماعياً وضمن الاطر العامة التي يرتضيها العرف الاجتماعي.

ولذلك نجد اهل البيت عليهم السلام قد حذروا شيعتهم من أي تصرف او سلوك اجتماعي او ممارسات غير اخلاقية او كلام يسيء للآخرين ورموزهم ومقدساتهم لان انعكاس ذلك لا يقتصر على نفس الاشخاص المرتكبين لهذه التصرفات بل للعنوان العام أي للائمة (عليهم السلام) وللمذهب برمته.. ويعني ذلك ان قادة المذهب بدلا من ان يكونوا في موقع المحبة والاحترام لدى الاخرين وان عنوان المذهب بكل اتباعه يكون كذلك سيتحول الجميع الى موقع البغضاء والعداوة والكراهية بل ربما السب والشتم والإساءة.

وعلى العكس من ذلك فإن معاشرة الاخرين من قبل اتباع اهل البيت عليهم السلام بالأخلاق الحسنة والمعاشرة الطيبة والكلام السليم من الجرح والاذى والشتم والسب والاتهام سيجلب المحبة والاحترام لأهل البيت عليهم السلام ولعنوان المذهب بصورة عامة ويكون ذلك سبباً لجذب الاخرين لفكر المذهب وتعايشهم السلمي معهم بالاحترام والتقدير والتعاون وهو ما يجلب الخير للجميع..

وقال الامام الصادق (عليه السلام): فإن الرجل منكم اذا ورع في دينه وصدق الحديث وادى الامانة وحسَّن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري فيسرنّي ذلك ويدخل عليَّ منه السرور وقيل هذا ادب جعفر، واذا كان على غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعاره وقيل هذا ادب جعفر.

عن الامام الصادق (عليه السلام): إياكم ان تعملوا عملاً يعيّرونا به فإن ولد السوء يُعيّر والدهُ بعمله، و كونوا لمن انقطعتم إليه زينا ولا تكونوا عليه شينا صلّوُا في عشائرهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ولا يسبقونكم إلى شئ من الخير فأنتم أولى به منهم.

ثم ايضاً من الامور المهمة في مقومات التشيّع الحقيقي والاتباع الصادق هو مسألة التكافل الاقتصادي والمعيشي وعدم السماح بحصول التفاوت الطبقي:

لاحظوا اخواني الامام الصادق (عليه السلام) يسأل حيث يأتونه من مختلف المناطق من الكوفة ومن بقية المناطق فالامام (عليه السلام) يسأل حيث ورد عن محمد بن عجلان قال كنت عند ابي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام فدخل رجل فسلّم، فسأله: كيف خلّفت من إخوانك؟، فأحسن الثناء وزكّى وأطرى – أي انه تكلم عنهم بصفات حسنة ومدحهم-

فقال (عليه السلام): كيف هي عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟

قال: قليلة

قال (عليه السلام): كيف هي مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم

قال: قليلة

قال (عليه السلام) : فكيف صلة اغنيائهم لفقرائهم في ذات ايديهم

قال: قليلة

الامام (عليه السلام) لم يسأل الامام ويقول له الفقراء عندكم اذا جاؤوا الى الاغنياء وطلبوا منهم حاجة فقضوا حاجتهم واعطوهم من المال، لم يسأل الامام (عليه السلام) هذا السؤال وانما قال: الاغنياء كيف هي عيادتهم وصلتهم بالفقراء؟

يعني هل ان الاغنياء هم يبادرون ويأتون الى الفقراء ويسألونهم فإن كانت لهم حاجة ابتدأوا وسارعوا الى قضاء حوائجهم، فهناك فرق بين الأمرين. الامام (عليه السلام) ينبّه الى هذه النقطة يريد ان يحفظ ماء الوجه ويريد ان يحفظ كرامة الفقير.

وهذا هو المعيار الذي نختبر به انفسنا نحن اتباع اهل البيت وغيركم الله تعالى فضل البعض على البعض، فالبعض متمكن وعنده رزق ومال وفير ومنعمّ ومرفه وتجد الاثنان يعيشان متجاوران سوية، ينتج عن هذا التفاوت الطبقي الذي يشعر فيه المحرومون بالغبن والظلم وعدم اهتمام الاخرين مما ينتج عنه وهذه النقطة المهمة حيث ينتج حالة من العداوة والبغضاء والشعور بالظلم الذي يؤدي بالشعور بالظلم الذي ينتج حالة من الصراع والإحن بين المجتمع ولذلك الامام (عليه السلام) ينبّه : (كيف تزعم ان هؤلاء شيعة) كأنه يريد ان يقول للرجل ارجع اليهم وقُل لهم امامي يقول هذه اخلاق شيعي التفتوا اليها وتنبهوا اليها وتحلوا بهذه الاخلاق لكي نصل الى منظومة التكافل الاجتماعي يعني المجتمع بعضه يكفل بعضاً..

*مقتطف من الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 3/شعبان/1439هـ الموافق 20 /4/ 2018م