لماذا لا يمكننا رؤية الله؟!

إن القدرة على الخلق تتعلق بالممكنات ولا علاقة لها بالمستحيلات، فالذي يخرج من طور العدم إلى طور الوجود هو الشيء القابل للوجود في نفسه، أما من كان في نفسه غير قابل للوجود فإنه يظل في طور العدم ولا يشم رائحة الوجود.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فعندما نقول إن الله قادر على كل شيء إنما نقصد قادر على كل الممكنات، فكل ما هو ممكن في نفسه فهو محكوم بقدرته تعالى، أما المستحيل لذاته فهو ليس بشيء حتى تتعلق به القدرة، وبذلك نكتشف حجم المغالطة في بعض الأسئلة التي تريد أن تختبر قدرة الله بخلق المستحيلات، فبدل أن ينسبوا العجز للشيء المستحيل ينسبوه للقدرة، فمثلاً لا يقال في حق الله تعالى هل هو قادر على أن يخلق ذاته أو يخلق إله مثله؟ والاستحالة في ذلك أن الخلق هو إيجادُ الشيء من العدم، والله تعالى لم يكن مسبوقاً بالعدم حتى يحتاج إلى من يخلقه، وعليه فإن السؤال قائم على التناقض والمحال؛ لأنه يفرض وجود الله ويفترض عدمه في نفس الوقت، والحال نفسه في ما يتعلق بقدرته على خلق إله مثله، فحتى يكون الإله مثله لابد أن يكون غير مخلوق، فكيف يكون إله ومخلوق في نفس الوقت؟

وقد وجه مثل هذا السؤال إلى الإمام علي (عليه السلام) فقيل له: هل يقدر ربك أن يُدخل الدنيا في بيضة، من غير أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة؟ قال: إن الله عز وجل لا يُنسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون).

ومن خلال ذلك تضح الإجابة على السؤال الذي يقول: هل الله تعالى قادر على خلق إنسان يكون قادراً على رؤية ربه؟ والإجابة هنا هي ذاتها إجابة أمير المؤمنين عندما قال: "إن الله عز وجل لا يُنسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون"؛ وذلك لأن تحقق رؤية المخلوق لربه من الأمور المستحيلة في ذاتها، فمهما كانت الإمكانات والهيئة التي يفترضها السائل فإن المحصلة هي تحقق الرؤية والنظر للخالق، وبالتالي لا يكون النقاش في طبيعة هذه الإمكانات وإنما يكون النقاش في طبيعة الرؤية التي يفترضها السائل، والواضح أن السائل يقصد الرؤية التي يكون معها الإدراك والإحاطة، وهذا مستحيل بذاته في حق الله تعالى لأنه سيكون خالق ومخلوق في نفس الوقت، فهو خالق من جهة كونه إله ومخلوق من جهة كونه محاط به ومحدود، وكل محاط به ومحدود مخلوق بالضرورة، وعليه فإن العجز عن رؤية الله ليس من باب ضعف الهيئة والإمكانات وإنما من باب استحالة ذلك في حق الله تعالى.

أما إذا كان يقصد رؤية أخرى غير النظر بالعين كرؤية القلوب فإن ذلك متحقق للإنسان من غير تغير في هيئته، ففي الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء حبر إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟ قال: فقال: ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره، قال: وكيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.