هل حدد الأئمة (ع) شكل ونوع الشعائر الحسينية؟!

العبادات والشعائر الإسلامية جميعها توقيفية فلا يجوز أضافة عبادة أو شعيرة لم ينص عليها الدليل الشرعي.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وتنقسم تلك الشعائر إلى شعائر حدد الشارع أحكامها وموضوعاتها مثل شعيرة الصلاة، وشعيرة الصوم، وشعيرة الحج، وشعيرة الزكاة، فلكل واحدة من تلك الشعائر كيفية حددها الشارع بنفسه ولا يجوز التغيير فيها بالزيادة أو النقصان، والقسم الثاني هي الشعائر التي حدد الشارع حكمها وجوباً أو استحباباً ضمن عنوانها العام دون أن يقيد امتثالها بكيفية محددة، وإنما أوكل تحديد ذلك إلى عرف العقلاء والمتشرعة، مثل استحباب مطلق الذكر وقراءة القرآن والإحسان إلى الناس ووجوب بر الوالدين وغير ذلك من المستحبات والواجبات، فإن الشارع لم يتدخل في بيان كيفية خاصة لأدائها وإنما أوكل ذلك للمكلف، ومن هنا جاز للإنسان تسبيح الله وتعظيمه بأي ذكر شاء، وفي أي زمان ومكان أراد، وكذلك الحال بالنسبة لقراءة القرآن فيجوز أن يفعل ذلك وحده أو مع آخرين، في بيته أو في المسجد، في الأفراح أو الأتراح، كما يجوز له أن يعقد المؤتمرات ويؤسس المحافل القرآنية ويعقد المسابقات وغير ذلك من المظاهر التي تكون مصداقاً لقراءة القرآن، وكذلك لم يرسم الشارع تقاليد محددة لعنوان الإحسان أو بر الوالدين وإنما جعل ذلك خاضع لعرف العقلاء والمتشرعة، فكل ما يروه أحساناً أو براً للوالدين لا يجوز للمكلف مخالفته، والشعائر الحسينة من هذا القبيل حيث لم يبين الشارع كيفية معينة لأحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) وإنما أوكل ذلك للمكلفين، فمهمة الشارع هي تحديد العنوان العام للشعيرة، وقد بين الشارع ذلك عندما حكم باستحباب البكاء وإقامة المآتم ومطلق الحزن والتفجع على الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد جاء في ذلك الكثير من النصوص مثل قول الإمام (عليه السلام): "من ذُكِرْنا عنده فسال من عينه مقدار جناح بعوضة غفر الله له ذنوبَه"، وقوله (عليه السلام): "يا فضيل، أتجلسون وتتحدثون؟ قلت: بلى سيدي، قال: إني أحب تلك المجالس، فأحيوا فيها أمرنا، من جلس مجلسًا يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"، وفي رواية يخاطب الإمام عنترة بن هارون ويقول له: أزرت جدّي الحسين؟ قلت: بلى، زرت قبر جدك الحسين. قال: سمعت أن الناس يفدون على قبر جدي فبين نادب يندب وراثٍ يرثي وقاصٍّ يقص. قلت: سيدي، رأيت بعض ذلك. قال: الحمد لله الذي جعل من شيعتنا من يفد إلينا، ويندبنا، ويرثينا"، وقال أيضاً عليه السلام: " كل البكاء والجزع مكروه، ما خلا البكاء والجزع على الحسين، فإنه فيه مأجورٌ" وعشرات النصوص التي تؤكد استحباب الشعائر المرتبطة بذكرى الإمام الحسين (عليه السلام).

وعليه هناك بعض الشعائر الحسينية نصت عليها النصوص بعينها مثل البكاء وإقامة المجالس والزيارة، وبعض الشعائر هي مصداق للعناوين العامة مثل إظهار الجزع والندب والرثاء، وكل فعل يكون مصداقاً لتلك العناوين طبقاً لحكم العقلاء والمتشرعة يصبح من الشعائر الحسينية بالضرورة؛ وذلك لأن النصوص لم تحصر إقامة الشعائر في كيفية محددة وإنما أكدت على استحبابها في عنوانها العام.

 وعليه كل شعيرة يتوافق عليها المتشرعة على أنها من شعائر الحسين تصبح مستحبة، إلا أنه لا يعد استحباباً بسبب ورود النص عليه بشكل خاص ومباشر، وإنما يعد مستحب بوصفه مصداقاً للشعائر الحسينية المستحبة في الجملة، فمثلاً مواكب العزاء تكون مستحبة طالما اعتبرها عرف المتشرعة عنواناً للشعيرة الحسينة، وإذا تخلى عنها العرف واستبدلها بشيء أخر يسقط عنها الاستحباب ويتحول الاستحباب إلى ذلك الشيء الآخر، وبالتالي كل شعيرة من شعائر الإمام الحسين تكون مستحبة إذا اعتبرها العرف مصداقاً للنصوص التي أكدت وندبت على إحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام)، ولا يتوقف الأمر على وجود روايات ونصوص خاصة بالمورد طالما تتحرك تلك الشعائر تحت مظلة العناوين العامة التي حكم الشرع باستحبابها.

ومع ذلك فإن الشارع له حدود وضوابط عامة تظل حاكمة على جميع الشعائر الإسلامية بما فيها الشعائر الحسينية، فمثلاً لا يجوز أن تكون الشعائر مشتملة على ما هو محرم شرعاً مثل الأغاني والموسيقى التي تتناسب مع مجالس اللهو، وغير ذلك من الضوابط الشرعية مثل الضرر على النفس أو الدين، وهنا يبرز دور الفقهاء في تحديد ما يجوز وما لا يجوز في الشعائر الحسينة، وفي المحصلة إذا كان المقصود من تشذيب الشعائر هو ضبطها بحدود الشرع أو العمل على جعلها أكثر تعبيراً لعناوينها المستحبة فهو أمر جيد لا يعارضه أحد، وهذا من ضمن مهام العقلاء بوصفهم المسؤولين عن ذلك.