لماذا لن ينفعكم جدال مواقع التواصل الاجتماعي؟!

- الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة رأي موقع «الأئمة الإثني عشر»

خلال الأشهر الأخيرة التي أعدت فيها تنشيط النشر الإلكتروني لاحظ بعض الأحبة أني أكرر دائماً عبارة (أتركوهم) أو (لا تهتموا) أو بالعامي (عوفوهم).

وبالأمس حاورني مجموعة منهم بسبب تأثرهم من حملات التسقيط التي طالت وكلاء المرجعية الكرام،  بعد قرار انفصال ألوية العتبات.

 ويتساءلون لماذا أنت مصر على تخفيف النقاشات؟ أليس المفترض أن نغوص في عمق الجدالات حتى نرد هجمات الآخرين ونوقفهم عند حدهم ؟

 وهنا أبين لكم الجواب بشيء من الاختصار:

 لو رجعت معي الى منتصف التسعينيات (قبل 25 سنة)،  حيث كان الشيعة في العراق وجهاً واحداً،  وقلباً واحداً،  وجمهوراً واحداً.

 ثم بدأت الاختلافات تظهر،  والخطوط تكبر،  ونحن في ذروة شبابنا وطاقاتنا و (دمائنا الحارة)،  وكنا نعتقد أن أي شخص يختلف معنا في الرأي،  يمكن إقناعه بالكلام،  والتوضيح،  وإذا عاند أو رفض في جولة،  فلا بأس أن نكررها الى خمسين جولة.

 كنا شباباً،  لاهم لنا إلا إثبات وجهة نظرنا وإنقاذ العالم من الاشتباهات الفكرية.

وكل من نجادله حول موقفه،  يسوق لنا أقوى ما لديه من أدلة،  فنحطمها بجوابين أو ثلاثة.

وقد حصلت لنا من هذه الجلسات والنقاشات مواقف وعجائب لو كتبت عنها لبلغت كتاباً كاملاً.

في إحدى الجلسات كان بعضهم يستند الى الرواية المخترعة (الساكت عن الحق شيطان أخرس) وأن المرجعية السيستانية الساكتة الصامتة محاسبة أمام الله!

فقلت له: إنك تستند الى رواية مزورة لاوجود لها في مصادرنا،  بينما لدينا عشرات الروايات تمتدح صمت العلماء بل و (خرسهم) في زمن الجهل،  ومع ذلك فنحن لا نرى مرجعيتنا صامتة مع كل ما تقوم به،  فإذا كان تعريفك للصمت هو عدم الصياح والهوسة و(الهوبزة) فنعم مرجعيتنا صامتة ونص.

قال: أنت متوهم الرواية موجودة في الكتاب الفلاني،  أتيته بالكتاب فقال لا الطبعة الثانية! ثم في نهاية المطاف رمى الكتب كلها وقام وهو يقول: جايب كتب مزورة وتضحك عالناس !!

 حتى الآن توجد لدينا أكثر من سبعة مجاميع تدعي المهدوية والعلاقة بالإمام المهدي،  وكلها تركز على ضرب العلماء وإنكار التقليد،  ليصبح الناس مثل المسبحة التي انفرط عقدها وتناثرت حباتها،  وكل منهم يأخذ حصته من الشباب الضائع.

 وحتى الآن يوجد لدينا أكثر من سبعة أحزاب رئيسية ان تناولت قادتها بكلمة فلن تبقى لك حرمة،  بينما كانوا نكرات قبل سنوات.

 وحتى الآن لدينا أكثر من سبع مرجعيات مصطنعة لاواقع لفقاهتها ولا حقيقة لاجتهادها ولكنها ترتكز الى الإعلام في ترويج نفسها.

 كل هذا المشهد المتشابك اليوم،  لم يكن له أي وجود داخل الساحة العراقية قبل 25 سنة،  والذي كان موجوداً خارج العراق لم يكن بنفس تعقيد المرحلة الحالية.

 كبرت أجيال وهي تحب وتتبع رموزاً لم يكن لها أي وجود قبل فترة قصيرة،  فكيف تكون هذا الواقع ؟

 أقول لكم باختصار أن هناك أربعة مراحل لتكوين الجماعات والأتباع مهما كانت أفكارهم غريبة،  وستتكون (غصباً عني وعنك) مهما فعلنا:

الأولى: مرحلة الإعجاب،  عندما يبدأ الشاب بالإعجاب بهذه الشخصية أو تلك الجماعة،  وتتزين في عينه كأجمل مكان ينتمي إليه.

الثانية : مرحلة التبرير،  عندما تبدأ القناعة بأفكارهم ويبدأ معها التسويل بصحة أفكارهم،  وعدم حقانية غيرهم،  وعلى الأغلب لن يستمع هنا للآخرين مهما كانت توضيحاتهم مقنعةً،  لأن مرحلة الإعجاب قد أخذت أثرها وأصبحت تملي عليه وتسول له.

الثالثة : مرحلة العزلة والاندماج،  عندما يبدأ باعتزال كل من يخالف هذا الخط بشكل تدريجي،  وبنفس التدريج يبدأ المكان الجديد يستحوذ عليه ويقطعه عن كل سبيل للمعرفة أو الرؤية سواه.

الرابعة : مرحلة الولاية المطلقة،  فيقول بقولهم ولو كان كفورا،  وينضم لهجماتهم ولو كانت فجورا،  ولا يبالي بعدها بشيء.

 هذه المعاناة عشناها مع جميع الخطوط التي ترونها اليوم،  ورأيناها تبدأ بشخصين أو ثلاثة نعرفهم حق المعرفة،  ولم نكن نتخيل أن تصدقهم عنزة!!

 ثم تكبر دائرتهم مع الظروف وباصطياد المزيد من الأتباع،  الأتباع الذين نعرفهم أيضاً ونعرف أن 100% من دوافعهم بدون مبالغة،  كانت (بغضاً بفلان).

ولم نقصر في النقاش مع أي شخص منهم،  ومع ذلك لم نحرز أي تقدم.

أنا لا أدعوكم للتوقف عن بيان الحقائق،  ولكن أقول (وأرجو الانتباه) أن هناك فرق بين توضيح الحقيقة وبين أن تستهلك نفسك بالنقاش،  ليقتنع الآخر.

لا تتصوروا أبداً أن النقاش سيقدم أو يؤخر إلا بمقدار ضئيل جداً،  وستكتشفون أن خسارة الوقت الذي ضاع منكم،  أعظم بكثير من خسارة هؤلاء المخدوعين.

 وفي النهاية أجيب على تساؤلكم بسطرين : مضافاً الى الروايات الناهية عن المراء والجدال، مضافاً الى الدروس العملية التي تعلمناها من المرجعية (الصامتة) كما يسمونها، مضافاً الى ضيق الوقت وكثرة ما نريد تحقيقه في مابقي من العمر، فإن السبب الأهم،  هو أن تجربتنا لربع قرن من الجلسات والحوارات الساخنة بل الجهنمية،  أثبتت بأن 1% فقط من الناس مستعدون لتقبل الحقيقة وتغيير أفكارهم،  و 99% منهم مهما تكلمت معه،  سيختار في النهاية ما يميل إليه قلبه،  وما ترغب به نفسه.

سيتقبل أي كذبة مهما كانت مضحكة..

سيهتك حرمة اي شخصية مهما كانت مؤمنة..

سيعمل على تأويل أي حقيقة تعارض معتقده..

سيبرر أي واقع يخالف رأي جماعته..

ولو كان بوضوح (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)..