ما معنى الحسد؟ وكيف نعالجه؟

معنى الحسد هو تمني زوال النعمة عن شخص ما مع تمني تحولها اليه أو مجرد سلبها منه، أو تمني أن تكون النعمة له دون غيره.

والحسد حالة نفسية و صفة سيئة و رذيلة خطيرة جداً و داء دوي، و صفة من صفات المنافقين، و ليست من صفات المؤمنين، و لا بُدَّ لمن ابتلي بهذا المرض الهدام أن يعالج نفسه سريعاً قبل أن يخسر دنياه و آخرته.

و في الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه و آله قال: "... وَ لَا تَتَحَاسَدُوا، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ‏ الْإِيمَانَ‏ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ الْيَابِسَ"[1].

ثم إن الحسد لا يتوقف في الغالب عند حد معين بل يتنامى فيكون سبب لكثير من الرذائل و المعاصي كالحقد و الكذب و الغيبة و المكر و غيرها و قد يوصل الحاسد إلى ارتكاب القتل كما حصل لقابيل نتيجة لحسده أخيه هابيل.

رُوِيَ عن الامام الحسن المجتبى عليه السلام أنهُ قَالَ: "هَلَاكُ النَّاسِ فِي ثَلَاثٍ: الْكِبْرِ وَ الْحِرْصِ وَ الْحَسَدِ، فَالْكِبْرُ هَلَاكُ الدِّينِ وَ بِهِ لُعِنَ إِبْلِيسُ، وَ الْحِرْصُ عَدُوُّ النَّفْسِ وَ بِهِ أُخْرِجَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَ الْحَسَدُ رَائِدُ السُّوءِ وَ مِنْهُ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ"[2].

و لخطورة الحسد و أثاره السيئة أمر الله عَزَّ و جَلَّ رسوله المصطفى صلى الله عليه و آله أن يتعوذ من شر الحاسد لأن مقاصد الحاسد خطيرة حيث قال في سورة الفلق: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ )[3].

أما الحسد بمعنى اصابة العين و نظرات الحاسد و تأثيراتها على المحسود فهي من الآثار السيئة لحسد الحاسد على المحسود، أعاذنا الله جميعاً منها.

كيف نعالجه؟

و لقد أرشدتنا الاحاديث و الروايات المأثورة عن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله و عن أهل بيته الطاهرين عليهم السلام الى كيفية علاج الحسد، و ها نحن نذكرها باختصار.

1. الاستغفار

قال رسول الله صلى الله عليه و آله : "إذا حسدت فاستغفر اللَّه"[4].

2. عدم التعدي على المحسود بأي شكل من الاشكال: لا بالعمل و لا باللسان و لا بالإشارة و الغمز، ذلك لأن الحسد يكون في القلب و الفكر في البداية فلابد من حصره و خنقه و هو في مولده و عدم السماح له بالخروج و التطور فيوقع الانسان في الذنوب و المعاصي الكبيرة و ظلم المحسود.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ:‏ "أَلَا إِنَّهُ قَدْ دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ هُوَ الْحَسَدُ، لَيْسَ بِحَالِقِ الشَّعْرِ لَكِنَّهُ حَالِقُ الدِّينِ، وَ يُنْجِي‏ مِنْهُ‏ أَنْ يَكُفَّ الْإِنْسَانُ يَدَهُ، وَ يَخْزُنَ لِسَانَهُ، وَ لَا يَكُونَ ذَا غَمْزٍ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ"[5].

و قال صلى الله عليه و آله: "... إِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ"[6].

3. ترك التطلع الى أحوال من حوله من الاقرباء و الاصدقاء و مراقبتهم لتجنب إثارة الدوافع الكامنة في النفس نحو الحسد، فمن راقب الناس مات هماً.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قال اللّه تعالى لموسى بن عمران: ابن عمران لا تحسدنّ الناس على ما اتيتهم من فضلي، و لا تمدّنّ عينيك إلى ذلك و لا تتبعه نفسك..."‏[7].

4. القناعة بما رزقه الله و الرضى بما قسم الله له.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قال اللّه تعالى لموسى بن عمران: "... إنّ الحاسد ساخط لنعمي، صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي، و من يك كذلك فلست منه و ليس منّي"‏[8].

5. العمل ضد ما تملي عليه النفس الامارة بالسوء من القيام بأعمال ضد المحسود، فبدلاً من ذلك فعلى من يريد اصلاح النفس و معالجة الحسد أن يتمنى للمحسود دوام النعمة و الخير و يقابله بالاحترام و الاحسان حتى تخمد نيران الحسد و يموت.

الهوامش:

[1]. قرب الإسناد: 29، لأبي عباس عبدالله بن جعفر الحميري القمي، من أصحاب الإمام حسن العسكري (عليه السلام) و فقهاء القرن الثالث، طبعة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، الطبعة الأولى، سنة 1413 هجرية، قم / ايران.

[2] بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 75 / 111، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بإصفهان سنة : 1037، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت / لبنان، سنة : 1414 هجرية.

[3] القران الكريم: سورة الفلق (113)، من بداية السورة إلى الآية 5، الصفحة: 604.

[4] نهج الفصاحة: 416.

[5] الأمالي : 344 / المجلس الاربعون، للشيخ محمد بن محمد النُعمان المُلقَّب بالشيخ المُفيد، المولود سنة : 336 هجرية ببغداد، و المتوفى بها سنة : 413 هجرية.

[6] مجموعة ورَّام : 1 / 127، لورَّام بن أبي فارس، المتوفى سنة : 605 هجرية بالحلة / العراق، طبعة الأوفست عن طبعة دار صعب و دار التعارف، بيروت / لبنان، سنة : 1376 هجرية.

[7] الكافي : 2 / 307، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة : 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة : 1365 هجرية / شمسية، طهران / إيران.

[8] المصدر السابق.