كيف واجهت «منابر الحسين» (ع) أزمة كورونا؟

- الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة رأي موقع «الأئمة الإثني عشر»

انسانية اوربا والغرب عموما غدت كالتي نقضت غزلها من بعد قوة، حينما ظهرت بوادر الموت على يد ذلك السائح المجهري وهو يحصد الأرواح في أربع رياح الأرض، لا يعترف بدولة عظمى تصدرت العالم في مجال الطب، ولا بدولة ماتزال تتداوى بالأعشاب وتؤمن بطقوس تطرد بها الارواح الشريرة.

إنسانية الغرب عموما فشلت في اختبار «كورونا» حين غاب التكافل وظهرت الأنا في تدافع القوم وتهافتهم على المحال التجارية والأسواق للحصول على ما يقيم صلبهم فغلبت أزمة الثقة أزمة الوباء .

ففي ظل انتشار فيروس كورونا – كما جاء في خبر احدى القنوات الالمانية - وتهافت الناس على شراء المواد الغذائية، وقبل ذلك المعقمات والكمامات التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني وكادت أن تختفي من الأسواق، تجرأ لصوص على سرقة عشرات آلاف الكمامات بمدينة كولونيا (كولن) الألمانية.

المشاهد عديدة والأمثلة كثيرة لحوادث تناقلتها وكالات الانباء ومواقع التواصل الاجتماعي مثل وقوع مشاجرات في امريكا واستراليا وغيرها من الدول بسبب حالة الذعر والهلع الذي خلفه تفشي هذا الوباء، وقد تركت انطباعا يوحي لك أن لسان حال هذه الشعوب يردد «يا روح ما بعدك روح» مخلفة وراء ظهرها شعارات الانسانية والقيم التي لا تظهر الا عند مثل هذه الشدائد، وكيف لا وقد تحول الانسان فيها منذ زمن طويل الى آلة إن أنتجت عاشت وإن توقفت ألقيت على قارعة الطريق تتخذ من الدين طقوسا تمارسها في أيام الآحاد وهي منهكة من أسبوع عمل شاق في مصانع النبلاء أو تتخذ نمط الالحاد فتؤمن بالمادة والمنفعة والذريعة وتبرير الوسائل بالغايات الدنيئة وهي عاجزة عن التخلص من قيد الرأسمالية وأحكام البنوك الربوية، فكيف يبقى للأيثار والتكافل في ظل هذه الظروف من أثر؟

في جانب آخر وفي مشهد آخر يختلف عن هذا المشهد الغارق لأم راسه في الماديات يقف شعب عريق أنهكته حوادث الدهر ووقائع الأيام يؤثر على نفسه مع ما به من خصاصة يواجه هذه الجائحة متحليا بالصبر والايمان فيقدم أروع الأمثلة في التضحية والايثار فينتفض بالهمة التي عرف بها طيلة سبعة آلاف عام، عراقي عنوانه الأصالة يتقاسم رغيفه مع فقير أقعده حظر التجوال عن ان يأتي بقوت يومه .. فكان لهذا العطاء رجال عرفهم العراق يجيبون استغاثته في كل حين ويهتدون بهدي تلك الشيبة المباركة في النجف الأشرف التي أنتدبتهم لطرد الغزاة فكان «النصر» ودعتهم اليوم للتكافل .. فكان «التكافل» على يد المواكب الحسينية والعتبات المقدسة كما كان النصر، فأصبحت تحمل العنوان الأسمى للطاعة والاخلاص.

فإن اليد التي هوت على الصدور لاطمة في مجالس الحسين وقدمت الخدمة لزائريه هي ذاتها اليد التي حملت السلة الغذائية اليوم لتضعها أمام متعفف اضطره الظرف للقعود في منزله دون أن يدخر شيئا، وهي ذاتها اليد التي تحمل اليوم المعقمات وتدور بها في الاحياء، وهي ذاتها التي حملت ذات يوم السلاح فقاتلت الدواعش وهي ذاتها التي حملت الاطفال وكبار السن من العوائل النازحة الى حيث مأمنهم .

في الغرب لن تجد مثل هؤلاء ولن تجد لهم نظيرا في محيطك العربي والاقليمي، أتعلم لماذا؟ .. لأنهم أطالوا الجلوس تحت تلك الأعواد وتلك المنابر.. حفظوا عن ظهر قلب «عاشوراء».. حفظوا منها مشهد أكف ألقت بالماء الذي اغترفته وصوت يردد: يانفس من بعد الحسين هوني ..

أدركوا في عاشوراء معنى أن يتيقنوا الحياة الابدية حين رأوا بعين البصيرة حبيب وزهير وبرير وهم يقدمون أرواحهم دون الوتر الموتور بكربلاء، وأدركوا أن العراق الذي ينتمون اليه هو عراق الحسين وأن كل ذرة تراب في أرضه معطرة بعطره وأن شعبه هو شعب الحسين وقد تغذى بحبه وأن كل مافيه يستحق أن يموت الانسان في سبيله .. هكذا ربت المواكب أبنائها وهكذا صنعت الشعائر بهم حتى صاروا الجند المجندة لكل خطب، تشرأب أعناقهم نحو مرجعيتهم يصغون ويأتمرون بأمرها ونهيها ونصحها وارشاداتها ويعملون بصمت لاتهزهم الاعاصير ولا زوبعة تجوب الأزقة وهي تردد ما اعتدنا سماعه مما يتصور أنه سيكون مزعجا فيقض مضاجع قد علمت بأنه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه ..

هي مواكب حسينية تفخر باسمها وتدرك أن هذا الأسم محل تقديس واحترام ولا ينبغي لأحد أن يسيء أليه بقول أو فعل .. وما أروعهم اليوم وهم يرسمون لوحة الوفاء لهذا الأسم مؤطرة بالوفاء لهذه الأرض فيطعمون الطعام على حبه وينشرون الوعي الصحي ويرددون بلهفة تعلو وجوههم ابتسامة الخلاص من الوباء: «أحنه غير حسين ما عدنه وسيله».