معركة الإصلاح: لا سند إلا «المرجعية» و «الناس»

- الآراء الواردة في هذا المقال لا تمثل بالضرورة رأي موقع "الأئمة الإثني عشر

عندما تتغلب في النفس بعض الدوافع والتي منها الحزن والاندفاع وحب الانتقام ستحوّل فهمنا لِلغة الحرص على أنها تأنيب أو تعريض، فنصائح الوالدين المستمرة بالدراسة، ورفضهما للخروج من المنزل في أوقات متأخرة، وحثّهما على مزاولة عمل نافع، كل ذلك سنفهمه تقييدًا أو عدم شعور من قبلهما بالضغط الدراسي الذي علينا، وحبس وعدم مبالاة، أو بخلًا علينا، ولن نفهمه كما يجب إلا عندما نخلو بأنفسنا وقلما نفعل ذلك، لذا سنكتشف عندما تقع المحاذير وتُعض أنامل الندم.

هل يريد السيد السيستاني الاتهام أو التضعيف أو التراجع عندما يصدر مجموعة نصائح لمقاتلي الدفاع الكفائي تبتدئ كل نصيحة بـ (الله الله) وهو أسلوب التحذير في العربية، فيهيب بهم لرعاية النفوس من السفك بغير حِلّها ورعاية الحرمات كلها من الشيوخ والنساء والأطفال وصولًا الى الشجرة!

وتخصيص خطبة يتلوها الشيخ الكربلائي بتأريخ 3/6/2016 لشرح بعض مضامين الوصايا التي منها:

"الله الله في الحرمات كلّها، فإيّاكم والتعرّض لها أو انتهاك شيء منها بلسان أو يد، واحذروا أخذ امرئ بذنب غيره، فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، ولا تأخذوا بالظنّة وتشبهوه على أنفسكم بالحزم، فإنّ الحزم احتياط المرء في أمره، والظنة اعتداء على الغير بغير حجّة، ولا يحملنّكم بغض من تكرهونه على تجاوز حرماته كما قال الله سبحانه: (ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى.)

وما ذلك إلا حفاظًا على أشرف المعارك وأقدسها، اسماً وجندًا وتأريخًا، مع وجود الكثير من المتربصين، فالإعلام المناوئ لهم والمناصر لداعش وأربابها يفوقون عددا من داعش المتواجد في الميدان مع أساليب إعلامية فتّاكة. 

إن أي خطأ صغير ممكن الحصول من أي جندي هو قابل للتهويل إعلاميا ومن ثم التأثير على نفسية باقي الجنود المقاتلين وإرباك كل المعركة المصيرية التي كانوا يخوضونها، لكن طاعتهم واستماعهم وحفظهم للحرمات كان أقوى من الإعلام المضلل. 

إنني هنا لستُ بصدد أن أقول أن هذا التحذير عين ذاك، فكثير من الظروف تتداخل وتختلف، لكن تبقى أبوة السيستاني واحدة، يبقى رافد حرصه واحد، هو حب الخير والانتصار لأبناء هذا الشعب، يبقى هذا التحذير والتكرار والتشديد على السلمية هو أنه وكما قال في خطبة (11 تشرين الأوّل 2019) لا ينحاز إلا الى الشعب ولا يدافع إلا عن مصالحه، لذا عندما تأتي المرجعية اليوم في هذه المعركة المصيرية الأخرى التي نخوضها وهي معركة الإصلاح، وتشدد علينا بالحفاظ على سلميتها وتمييز صفوفنا من المخربين وطردهم، وتقويمها لمطالبنا، علينا أن نفهم نصحها بأنه من أجل ربح المعركة ودوامها وعدم استغلال حجج التخريب والمندسين لإنهائها كما يعمل المتضررون وإعلامهم، وقد صرّحت هي بذلك منذ أول حركات الإصلاح الشعبية والى الآن، وسأعرض هذه المقاطع من خطب متفرقة: 

"وعلى الشعب الذي يخوض معركة الإصلاح - في جنب معركته المصيرية مع الارهابيين- أن يتنبه الى ان النجاح في هذه المعركة يتطلب توظيفا سليما وصحيحا لآلياتها حتى يضمن الوصول الى الهدف المنشود، ومن ذلك أن يحسن المواطنون المنادون بالإصلاح اختيار عناوين مطالبهم بحيث تعبر عن

اصالة وحقانية هذه المطالب ولا يسمحوا بحرفها الى عناوين تعطي المبرر للمتربصين بهذه الحركة الشعبية والمتضررين منها للطعن بها والنيل من أصالتها الوطنية، او تمنح الفرصة لذوي الأغراض الخاصة باستغلالها للوصول الى أهدافهم". خطبة الجمعة [28/8/2015].

وقالت:

"لا شك في أن الحراك الشعبي اذا اتسع مداه وشمل مختلف الفئات يكون وسيلة فاعلة للضغط على من بيدهم السلطة لإفساح المجال لإجراء اصلاحات حقيقية في ادارة البلد، ولكن الشرط الاساس لذلك هو عدم انجراره الى أعمال العنف والفوضى والتخريب، فانه بالإضافة الى عدم المسوغ لهذه الاعمال شرعاً وقانوناً ستكون لها ارتدادات عكسية على الحركة الاصلاحية ويؤدي الى انحسار التضامن معها شيئاً فشيئاً، بالرغم من كل الدماء الغالية التي أريقت في سبيل تحقيق اهدافها المشروعة، فلا بد من التنبه الى ذلك والحذر من منح الذريعة لمن لا يريدون الإصلاح بأن يمانعوا من تحقيقه من هذه الجهة". خطبة الجمعة [6/12/2019].

وقد لفتت المرجعية الى نقطة مهمة إضافة الى أن عدم السلمية ستمنح الذريعة لمن لا يريدون الإصلاح، لفتت الى مسألة انحسار التضامن الشعبي، فأنت أيها المتظاهر عندما تحرق مرفقًا خدميا يعتاش به الناس ويُجرون معاملاتهم فيه، أو تقطع الطريق المؤدي الى مستشفياتهم التي لا يلجأون إليها إلا عندما يفتك بهم المرض، وتحرق مدارسهم التي لازال صدى هجائهم يتردد فيها..

هل ستعتقد أن الناس سيشفقون عليك أم سيلعنونك؟

وأنت لا تملك سندًا إلا المرجعية والناس سيما غير المتحزبين فلا تضر بمصالحهم وممتلكاتهم.

إن هذه الخطوات التي ترسمها لنا المرجعية والخطة المحكمة التي تضعها، تلحقها بشارة كبيرة، بأنكم أنتم أيها العراقيون يا من حققتم النصر على داعش لن يصعب عليكم التغلب على الفساد والمفسدين وسوف تنتصرون:

"إنّ المعركة ضدّ الفساد -التي تأخّرت طويلاً- لا تقلّ ضراوةً عن معركة الإرهاب إنْ لم تكن أشدّ وأقسى، والعراقيّون الشرفاء الذين استبسلوا في معركة الإرهاب قادرون -بعون الله- على خوض غمار معركة الفساد والانتصار فيها أيضاً، إنْ أحسنوا إدارتها بشكلٍ مهنيّ وحازم." خطبة الجمعة [15/ 12/ 2017]