ممثل المرجعية العليا يحذر من ظاهرة انتشار «المخدرات»

أيّها الإخوة والأخوات نُشير وننبّه في الخطبة الثانية الى ظاهرةٍ تُعدّ من أكثر المشاكل الاجتماعيّة خطورةً في الوقت الحاضر إنْ لم توضعْ لها العلاجاتُ المناسبة، لما لهذه الظاهرة من تدميرٍ للطاقات البشريّة في المجتمع، ألا وهي تنامي ظاهرة انتشار المخدّرات في بعض الشرائح الاجتماعيّة بشكلٍ سريع يدعو الى القلق البالغ، خصوصاً أنّ بعض ما يرد إلينا من ترويج هذه الظاهرة هو بين فئة الشباب والشابّات، هذه الشريحة الاجتماعيّة التي نبّهنا كثيراً على أهمّيتها في بناء حاضرٍ ومستقبلٍ واعدٍ لهذا المجتمع وهذا البلد، فهم الشريحة الأكثرُ عنفواناً وفاعليّةً في بناء المستقبل الذي نرجوه.

في الواقع بدء انتشار هذه الظاهرة والترويج لها بين الشباب والشابّات يؤدّي الى استنزاف هذه الطاقات العقليّة والفكريّة والنفسيّة والجسديّة والصحيّة لهؤلاء الشباب الذين ننتظرهم جميعاً، ممّا يؤدّي الى إماتة هذه القدرات لدى الشباب الذين يمثّلون الشريحة الأكثر فاعليّةً في بناءِ حاضرِ ومستقبل البلد، وخصوصاً إذا لاحظنا أيّها الإخوة والأخوات لننتبه الى هذه المسألة التي بدأت تُستخدم في الفترة الأخيرة بطريقةٍ ماكرة وخادعة وجاذبة للشباب والشابّات، لإيقاعهم في فخّ التعاطي للمخدّرات، هو أنّنا نجد هناك وسائل متعدّدة لغسيل الدماغ لدى الشباب والشابّات، هذه الوسائل تستخدم أساليب ماكرة وخادعة وهي جاذبة في نفس الوقت لهؤلاء الشباب، كيف؟ هناك البعض من الشباب والشابّات يعاني من الاضطراب النفسيّ والقلق النفسيّ والمشاكل الاجتماعيّة والإحباط بسبب الشعور بالفشل وغير ذلك من الأسباب، كيف يخدعه ويجذبه الى تعاطي هذه الموادّ؟ لا يأتي اليه بالعنوان الواضح في عدم مقبوليّته اجتماعيّاً، هذه الموادّ المخدّرة الواضحة في عناوينها أنّها موادّ مخدّرة وقاتلة وضارّة جدّاً، يأتي اليه من بابٍ آخر وهو استعمال الحبوب المخدّرة، ويُبيّن له أنّ هذه الحبوب تؤدّي به الى حالةٍ من التهدئة وتُعالج حالة الاضطراب والقلق النفسيّ لدى الشابّ والشابّة، وتعالج لديه هذه الحالات النفسيّة التي يمرّ بها، فيجرّه ابتداءً الى عنوانٍ أقلّ مرفوضيّة ومقبولٍ بعض الشيء، لأنّه إذا يأتيه مباشرةً من المادّة الواضحة في مرفوضيّتها اجتماعيّاً وتدميرها الصحّي والنفسي سيرفض ذلك، لكنّه يأتيه بهذا العنوان، يجرّه الى هذا العنوان فيبدأ يتعاطى هذه الحبوب ثمّ بعد ذلك حينما يقع في الفخّ ابتداءً ويتأثّر بتعاطي هذه الحبوب يجرّه شيئاً فشيئاً الى تعاطي الموادّ الأكثر ضرراً وقاتليّة في الشباب والشابّات، وهكذا يجرّه شيئاً فشيئاً.

هذه الوسائل التي كثرت لا توجد في مقابلها وسائلُ تحمي عقول الشباب وأفكارهم من هذا التلويث، الذي يحصل من خلال هذه الوسائل الماكرة والخادعة والجاذبة في نفس الوقت، لذلك علينا حينما تأتي الأخبار وحتّى أنّها أحياناً تأتي من مسؤولين معنيّين، في تنامي هذه الظاهرة الخطيرة جدّاً بالنسبة الى جيل الشباب والشابّات بصورةٍ خاصّة، هذا يستدعي مزيداً من الاهتمام والتنبّه لوضع وسائل العلاج الفاعلة والسريعة، من أجل صيانة وحفظ هؤلاء الشباب من الوقوع في مخاطر هذه الظاهرة.

نحن لسنا بصدد بيان الأسباب والآثار الضارّة لهذه الظاهرة، بقدر ما يعنينا تنبيه ولفت انتباه واهتمام الجهات المعنيّة والمجتمعيّة أيضاً بضرورة الالتفات الى خطورة هذه الظاهرة، ووضع العلاجات السريعة والناجحة لإيقاف تناميها وسرعة انتشارها، نذكر هنا بعض الخطوات المطلوبة عسى أن تكون نافعةً في هذا المجال:

أوّلاً: نحتاج لوجود رادعٍ قانونيّ وعقابيّ صارم يكفي للحدّ من سرعة انتشار هذه الظاهرة. أوضّح هذه القضيّة إخواني، إذا كانت هناك جريمة وظواهر خطيرة على المجتمع الأمر الأوّل لابُدّ أن يكون هناك قانون وتشريع فيه من الأحكام ما فيها من قوّة الردع التي تحدّ من هذه الظاهرة وهذه الجريمة، ابتداءً في مرحلة التشريع والتقنين للأحكام الى التطبيق والتنفيذ، هنا المشكلة أين إخواني؟ كما يذكر ذلك عددٌ من المسؤولين أنّ أوّل شيء ربّما في مرحلة الأحكام في إطار القانون أو تطبيق هذه الأحكام القانونيّة هناك ضعف وهناك عدم كفاية في ردع هذه الأحكام للمجرمين، هناك الكثير ممّن يتاجر بهذه الموادّ بسبب جَشَعه وطمعه بالمال وسرعة التحصيل على المال، يتجرّأ في نشر هذه الظاهرة، لابُدّ أن تكون هناك قوّة ردع في القانون بحيث تكفي لردعه عن ممارسة هذه الظاهرة، نجد أحياناً هناك خفّة وضعف عقوبات بمستوىً خفيف وضعيف بحيث لا تؤثّر بردع هؤلاء الذين يتاجرون بهذه الموادّ، هذه المرحلة الأولى ليست بمستوى من التأثير بحيث تردع هؤلاء.

الأمر الثاني: ربّما في مرحلة التطبيق -وهذا ما نجده- بمجرّد أنّ هذا المدان بجريمة التعاطي يُحكم عليه حتّى يجد باباً قريباً يفلت منه من العقاب من خلال أحكام العفو المتكرّرة، بمجرّد أن يثبت عليه ويُدان ويُحكم عليه حتّى وجد باباً قريباً فُتح له وأفلَتَ من العقاب، هذه المرحلة الثانية التي تُضعف القانون في التأثير في الردع.

الأمر الثالث: أنّ بعض الذين يتاجرون بهذه الموادّ بسبب علاقاتهم مع متنفّذين في الدولة يستطيعون أن يفلتوا بسرعةٍ من العقوبات المجعولة لهم في القانون، لذلك لا يكون القانون فيه قوّة ردع ومنع كافية لهؤلاء الذين يتاجرون، بحيث تخفّ هذه الظاهرة وتُعالج بنسبةٍ ما، هذا أوّلاً.

أمّا ثانياً: وهي الحاجة الشديدة الى ملء الفراغ لدى الشباب. هناك أحياناً فراغٌ قاتل لدى الشباب لا يستطيعون بما لديهم من طاقة وحيويّة أن يفرغوا طاقاتهم في أمورٍ مفيدة، فهم بحاجة الى برامج تنمويّة وبرامج ترفيهيّة يُمكن أن تبني هؤلاء الشباب بناءً عقليّاً نفسيّاً فكريّاً صحيحاً، يملأون من خلالها أوقات الفراغ أو كذلك الحالات النفسيّة التي تحصل لدى البعض من الشباب، بسبب عدم وجود فرصة عمل أو وجود مشاكل اجتماعيّة، يريد أن يهرب من هذا الضغط النفسيّ الذي يتعرّض اليه بوجود مشكلة اجتماعيّة أو عاطفيّة وعدم وجود فرصة عمل، ضغوط الحياة المختلفة عليه تدفعه أن يلجأ الى هذه الموادّ لكي يهرب من هذا الواقع المرير الذي يعيشه.

نحن ذكرنا مراراً وتكراراً أنّ هناك بعض الوسائل التي لا تلقى الاهتمام المطلوب، من أجل توفير فرص العمل الكافية كما هو الحال في مجال تشجيع القطّاع الخاصّ أو تشجيع بعض القطّاعات المهمّة الصناعيّة والزراعيّة، ومراكز الشباب التي يُمكن من خلالها أن توفّر ملءً لهذا الفراغ لدى الشباب، وتوفّر فرص عملٍ كافية، هذه المجالات لم تلقَ الاهتمام الكافي بحيث نُعالج شيئاً ما من هذه الظاهرة، أدّى ذلك الى أنّ البعض يهرب من هذا الواقع ويلجأ لمثل هذه الموادّ هروباً من هذه المسألة.

العلاج الثالث والمهمّ والذي يعنينا جميعاً، هو الحاجة الى التوعية المجتمعيّة والاهتمام الكافي لمعالجة مثل هذه الظواهر، ابتداءً من الأسرة الى المدرسة الى الجامعة الى الإعلام الى الوسائل الأخرى التي يجب أن تلقى منها اهتماماً بالقدر الكافي، إخواني وأخواتي هناك خللٌ مجتمعيّ لدينا يسبّب مثل هذه الظواهر وتناميها حتّى على مستوى الأُسر والمدراس والجامعات، وهو أنّه فقدنا حالة التوازن في الاهتمام والاعتناء بالمشاكل والتحدّيات التي نمرّ بها، أُعطيكم مثالاً على ذلك، مثلاً المشكلة السياسيّة والتحدّي السياسيّ ينال قسطه من الاهتمام والمناقشات والمجادلات ووضع الحلول والعلاج والاهتمام من الجميع، التحدّي الأمنيّ ينال استحقاقه من الاهتمام وهذا مطلوب، ولكن التحدّي الأخلاقيّ والتربويّ والقيميّ في المجتمع لا ينال استحقاقه من الاهتمام والعناية ووضع العلاجات له، وأنا أضرب مثالاً واضحاً على ذلك، إذا فقدنا حالة التوازن حصلت المشاكل والمخاطر، لاحظوا -إخواني- في الإسلام، أعطى الإسلام كنظامٍ وتقنين ونظام عملٍ لكلّ مشاكل وتحدّيات الحياة حقّها من الاهتمام والعلاج، حتّى المجتمعات المتطوّرة في العالم أعطت لكلّ تحدّيات ومشاكل الحياة حقّها من الاهتمام والعناية، في كلّ مكانٍ سواءً في الأسرة في المدرسة في الجامعة في مؤسّسات الدولة، نحن فقدنا حالة التوازن في الاهتمام المطلوب، مثلاً الأسرة أو المدرسة تُعطي للطالب وللشابّ حقّه من الاهتمام بالتعليم الأكاديميّ ولكن لا تُعطي حقّه من الاهتمام بالتربية والقيم والأخلاق والمبادئ، ضعف هذا الاهتمام أدّى الى وقوع الشابّ والطالب في مشاكل أخلاقيّة وقيميّة وتربويّة، كذلك الجامعة وكذلك مؤسّسات الدولة والمؤسّسات المجتمعيّة الأخرى.

نحن علينا أن نعيد حالة التوازن في الاهتمام الكافي والعناية ووضع العلاجات لكلّ المشاكل والتحدّيات التي نمرّ بها، الآن لدينا تحدّي ومشكلة في قضيّة انتشار المخدّرات، علينا أن نعطي هذه المشكلة والتحدّي حقّها من الاهتمام والعناية والتنبّه ووضع الحلول ووضع العلاجات لها وتفعيل هذه العلاجات، لذلك علينا إخواني ابتداءً من الأسرة كما تهتمّ بالتفوّق لأبنائها -وهذا شيءٌ حسن وجيّد- في دروسه الأكاديميّة وتوفّر لهم وسائل الترفيه والراحة، عليها أن تهتمّ بنفس المقدار بتربية أبنائها وتخلّقهم بالأخلاق الحسنة، وهكذا.

أيضاً أودّ أن أبيّن لبعض وسائل الإعلام، هناك بعض وسائل الإعلام مهنيّة والبعض الآخر انفلتت بعض الشيء وخرجت عن الضوابط المطلوبة، بعض من الوسائل التي يتلقّى منها المتلقّي ثقافته وأفكاره ومنهجه في الحياة، البعض منها خرج عن الضوابط المطلوبة، نحن نحتاج من البعض الحرفيّ والمهنيّ أن يعوّض عن هذه النسبة من الانفلات وعدم الانضباط لدى بعض الوسائل التي تُلقي بثقافاتها وأفكارها ومناهجها الى المجتمع والى الشباب خاصّة، ولدينا في الواقع إخواني طاقات شابّة جيّدة لها حرقة القلب على مجتمعها وشباب أمّتها، نحتاج من هؤلاء الشباب أن يعطوا شيئاً من طاقاتهم وكفاءاتهم في هذا المجال، وينبّهوا الى هذه المبادئ والقيم للمجتمع ويُحذّروا من هذه المخاطر، وأيضاً المدرسة نأمل من إدارات المدراس وإدارات الجامعات أن تتنبّه الى هذ الأمر، بقي التنبيه الأخير الذي نودّ التنبيه اليه، هو أيضاً تنامي ظاهرة انتشار بعض مراكز الفساد خصوصاً في العاصمة بغداد، والمشكلة أنّ بعض هذه المراكز تُعنون نفسها بعناوين مقبولة اجتماعيّاً وعناوين صحّية وتنمويّة وغير ذلك وترفيهيّة، ولكن في الحقيقة تُعنون وتُغلّف وتؤطّر نشاطها بعناوين صحيّة وترفيهيّة مقبولة اجتماعيّاً وهي في حقيقتها تستبطن إفساد المجتمع.

نحن نحتاج أن تتنبّه بعض مؤسّسات الدولة المعنيّة وتضع بعض هذه المراكز التي تتظاهر بعناوين مقبولة اجتماعيّاً ولكن في داخلها تستبطن إفساداً للمجتمع أخلاقيّاً وغير أخلاقيّ، نحتاج من مؤسّسات الدولة المعنيّة أن تتنبّه الى ذلك وتضع هذه المراكز تحت المراقبة والمعاينة، وتتبيّن من حقيقة نشاط بعض هذه المراكز التي أخذت تُفسد العناصر في المجتمع من الشباب والرجال والنساء، تفسدهم أخلاقيّاً وقيميّاً ومبدئيّاً ولكن هي في ظاهرها مؤطّرة ومعنونة ومغلّفة بعناوين مقبولة وتخدع الآخرين، وبدأت تنتشر هذه الظاهرة وتتنامى، لذلك نحن علينا أن ننتبه وعلى مؤسّسات الدولة المعنيّة أن تتنبّه من خطورة بعض هذه المراكز التي عنوانها الظاهر شيء وفي باطنها وداخلها شيءٌ آخر، هذه لو تنامت وانتشرت ستشكّل خطراً على المبادئ الأخلاقيّة والأمن الأخلاقيّ للمجتمع.

نسأل الله تعالى أن يجنّبنا ما فيه فساد مجتمعنا وأمّتنا إنّه سميعٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة (1 ذي القعدة 1440هـ) الموافق لـ(5 تموز 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ (دام عزّه).