ممثل السيد السيستاني: «الإحباط والضياع» يحاصران شبابنا

أيّها الإخوة والأخوات عنوان الخطبة الثانية: جيلُ الشباب والتحدّيات المعاصرة

من المعلوم أنّ جيل الشباب يمثّل مكمن القوّة والقدرة والحيويّة والإبداع والتألّق والعطاء بالنسبة للأمّة، ولذلك يعتبر جيل الشباب مرتكز الأداء للوظائف والمهامّ الأساسيّة في الحياة، ومن هنا اعتنت الشريعة الإسلاميّة والمجتمعات الواعية المتحضّرة ببناء جيل الشباب والاعتناء بتربيتهم وبنائهم في جميع مجالات الحياة البناء الصحيح، وفي نفس الوقت أعطت الاهتمام الكافي لتحصينهم وحمايتهم من الانحراف والفساد والضلال، ويكفي لنا أيّها الإخوة ما يدلّنا على الاهتمام الشديد من الشريعة الإسلاميّة بجيل الشباب وصلاحهم أنّ بعض الأحاديث اعتبرت الشابّ الصالح -هنا التفتوا-، الشابّ الصالح في عداد أولئك السبعة الذين يُظلّهم الله تعالى بظلّه، وجعلته ربّما يعادل الإمام العدل، ويكفي في بعض هذه الأحاديث التي بيّنت مقام ذلك الشابّ الذي صلح في أمور معرفته وتربيته وفكره وأخلاقه، بأن جعله الله تعالى من ضمن السبعة الذين يُظلّهم الله بظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه.

مخاطر وتحديات..

نتعرّض الآن لنتعرّف على بعض المخاطر والتحدّيات المعاصرة التي يمرّ بها جيلُ الشباب، مكمن القوّة والحيويّة والنشاط والتألّق والإبداع في معظم هذه المفردات لدى الشباب، وطبعاً هذا لا يعني أنّ هذه العناصر غير موجودة في البقيّة، أبداً بل هذه هي طبيعة المرحلة من بين مراحل حياة الإنسان، كما أشارت بعض الآيات القرآنيّة أنّ مركز القوّة والعطاء إنّما يتمثّل في هذه المرحلة من الحياة، فقبلها مرحلة الطفولة وبعدها مرحلة الشيخوخة، لذلك تعتبر مرتكزاً أساسيّاً في بناء المجتمع ومن هنا ينبغي أن يتوجّه الاهتمام إليهم.

الغزو الثقافي..

نبيّن أيّها الإخوة والأخوات أبناءنا الشباب بناتنا الشابّات.. وفي نفس الوقت نُلفت نظر المجتمع والمؤسّسات المعنيّة الى ما ينبغي الاهتمام به في الوقت الحاضر، أهمّ المخاطر والتحدّيات التي يواجهها الشباب هو الغزو الثقافيّ والمعرفيّ والأخلاقيّ، نلتفت الى نقطة: ماذا نعني بالغزو الثقافيّ والمعرفيّ؟ هل نعني فقط الغزو في مجال المعارف الأساسيّة كالعقيدة والسلوك؟ لا أبداً فجميع مجالات الحياة بالنسبة الى الشباب مهمّة سواءً ما كان يتعلّق بالعقيدة أو المعرفة العامّة أو الأخلاق أو المبادئ أو القيم أو التطلّعات أو الأماني أو التقاليد أو التوجّهات أو الهويّة التي ينتمي اليها الشابّ، كلّ هذه الأمور هي مصاديق للثقافات التي يحتاج اليها الشباب، حتّى في التطلّعات وحتّى في الأماني وحتّى في الرغبات وحتّى في العادات والتقاليد الشابّ يحتاج الى معرفة الثقافة الصحيحة في هذه الأمور، ما هي توجّهاته الصحيحة؟ ما هي اهتماماته الصحيحة؟ ما هي المبادئ الصحيحة في حياته؟ ليس فقط العقيدة مع أنّها الأساس في كلّ شيء، لا شكّ أنّ المعرفة العقائديّة هي الأساس الذي يرتكز عليه الإنسان في حياته، ولكن هناك مجموعة من الثقافات.

التكنولوجيا تضخ ثقافات مختلفة

الآن مكمن الخطورة أين؟ نجد الآن كلّ هذه الثقافات والمعارف انفتحت على الشباب في خضمّ التطوّر التكنولوجي في عالم الاتّصالات، هناك سيلٌ عارم بل سيولٌ عارمة من الثقافات والمعارف والعادات والمبادئ والأخلاق والقيم والتوجّهات والأماني والتطلّعات، تُضخّ الى الشباب ليس بصورةٍ يوميّة بل في كلّ دقيقة من دقائق اليوم الواحد في حياة الشابّ، والخطورة هنا تكمن أنّ هذا الشابّ في مقتبل الحياة بعد لم ينضج في مجال المعرفة، وإن كان البعض لا شكّ طبعاً يكون أكثر نضجاً من بعض الكبار، لكن هو بعده قليل الخبرة في الحياة وقليل المعرفة لم تكتمل معارفه ولم تكتمل المبادئ التي يحتاجها في الحياة ولم يخبر الحياة بصورةٍ دقيقة وكاملة، في خضمّ هذا السيل العارم هو يظلّ في حيرة، أيّ واحد من هذه الثقافات هي صحيحة؟!! قد تغويه وتخدعه بعضُ المعارف والثقافات التي تُطرح في هذه الوسائل الكثيرة المغرية والجذّابة والفاتنة التي تفتن الإنسان، لذلك قد يتمنّى أن يكون لديه الكثير من هذه الثقافات وهي ثقافاتٌ ضارّة وخادعة.

شبابنا والإحباط والضياع..

لذلك نحتاج هنا كما سنبيّن من خلال المعالجات ما هو الطريق الصحيح في هذه المسألة، وأيضاً من الأمور التي تواجه الشباب هو الشعور بالإحباط والضياع واليأس والقلق، هذا شابٌّ أجهد نفسه وأسرته أيضاً أجهدت نفسها حتّى وصل الى مرحلةٍ من العلم والمعرفة وتخرّج، أو وصل الى مرحلةٍ من القدرات المهنيّة والفنّية أو لديه طاقة من الإبداع والتألّق، ثمّ يحاول أن يُفرغ هذه الطاقة والإبداع وما توصّل اليه وما حصل عليه من ثمار العلم والمعرفة والقدرات المهنيّة، يحاول أن يفرغ ويوظّف هذه الطاقات فيما هو نافع فلا يجد شيئاً من ذلك، فقد يضطرّ أن يُفرغ هذه الطاقة في أمورٍ لا نفع فيها أو في أمورٍ ضارّة.

الإنسان حينما تكون لديه قدرة وطاقة يريد أن يُفرغ هذه القدرة والطاقة والتعلّم الذي ناله خلال سنين حياته، إن لم يجد فرصةً نافعة ليُفرغ هذا العلم الذي لديه وهذه الطاقة وهذه القدرة المهنيّة والفنيّة وغير ذلك من هذه الطاقات، عند ذلك قد يُضطرّ، أو أنّه لا يجد شيئاً من ذلك فيُصاب بالإحباط والقلق واليأس، وهذه مشكلةٌ تواجه شبابنا في الوقت الحاضر.

عوز وحرمان مادي وعاطفي..

أيضاً من الأمور والتحدّيات المهمّة التي يواجهها الشباب هو العوز والحرمان المادّي والعاطفي، الشابّ في هذه الفترة يشهد القمّة في مسألة الغريزة والعاطفة، ويحتاج الى إشباع احتياجاته المادّية والعاطفيّة والنفسيّة والمعنويّة، حينما لا يجد إشباعاً بطرقٍ صحيحة ومحلّلة قد يلجأ خصوصاً إذا كان رفاقُه من أصدقاء السوء، يضطرّ أن يشبع هذه الحاجات من طرقٍ محرّمة ومُفسدة ومُنحرفة، فيؤدّي ذلك الى حصول هذه المخاطر لهؤلاء الشباب والمجتمع.

نظرة دونية..

وأيضاً من التحدّيات المهمّة هي النظرة الدونيّة الى الشباب، التفتوا إخواني أحياناً البعض منّا يقلّل من شأن بعض الشباب الذين لديهم قدرات ولديهم طاقات ولديهم إبداع ومواهب، قد يقول قائل: أنا إنسانٌ كبير وهذا شابٌّ لا يزال في مقتبل العمر، ما مقدار مرتبة علمه تجاه علمي؟ ما مقدار كفاءته تجاه كفاءتي؟ ما مدى قدراته تجاه قدراتي؟ وطبعاً الشباب والشابّات أيضاً الجميع مشمولون بذلك، فالبعض يستصغر ويقلّل من شأن طاقات الشباب، هذه مسألةٌ خطيرة إخواني خصوصاً في مجالات العمل، ما هي النتيجة؟ النتيجة أنّ هذا الشابّ سنقتل فيه الطموح ونُميت فيه القدرات ونحرم المجتمع من إمكاناته وقدراته وإبداعه وتألّقه، وأيضاً نحطّم نفسيّته ومعنويّته ونقتل فيه الطموح الذي يمكن أن ينفع به المجتمع، لذلك إخواني دائماً حاولوا أن تنظروا الى الشباب نظرة الاحترام، حاولوا أن تستكشفوا فيهم الطاقات والقدرات والقابليّات وحاولوا أن توظّفوا هذه الطاقات، هو الشابّ الآن يصل في هذه المرحلة الى القمّة في القوّة والحيويّة والنشاط والإبداع، ويريد أن يُفرغ هذه القوّة والحيوية والنشاط لكي يخدم نفسه ويخدم أسرته والمجتمع بصورةٍ عامّة، أحياناً شابٌّ صغير ننظر اليه نظرةً دونيّة نظرةً تقلّل من شأنه وقدراته وإمكاناته فنحرم أنفسنا من طاقات وإبداعات هذا الشابّ، هذه النظرة نظرةٌ خاطئة الى الشباب فينبغي أن ننظر الى هؤلاء النظرة التي يستحقّونها.

سَكرة الغرور..

أيضاً من الأمور التي تهدّد الشباب والتي تُصيب الكثير وهي مسألة الاعتداد والغرور والرضا بالنفس، بعض الشباب يرى عنده علماً أو يرى عنده عقلاً أو يرى عنده مقدرة وموهبة فيغترّ بنفسه، وهذا موجود في بعض الأحاديث أنّ للإنسان خمس حالات من السكرة، ليست حالة شرب المنكر -والعياذ بالله- بل توجد حالة سكر المال وهناك حالة سكر الشباب، فتجد الشابّ يصيبه الغرور والاعتداد بالنفس، يضاف الى هذا قلّة الخبرة في الحياة والاعتداد والرضا بالنفس، يجد الشابّ نفسه أنّ ما يعتقد به هو الصحيح وما لديه هو الصحيح، فإذا جاء اليه إنسانٌ آخر وقال له: أنت الذي تسير فيه على خطأ أو هذا ليس بصحيح، لا يقبل بذلك بسبب ما يصيبه من حالة الغرور والاعتداد بالنفس، إضافةً اليها قلّة الخبرة في الحياة، لذلك قد ينزلق الى منزلقات خطيرة، وهذه من التحدّيات التي يمرّ بها الشباب.

وأيضاً من المسائل المهمّة -وهذه للكبار أيضاً إخواني- عدم تبلور المفاهيم الصحيحة للحياة الحقيقيّة، ونضرب مثالاً واضحاً جدّاً، ما هو مفهوم النجاح الحقيقيّ الذي يحقّق السعادة والكمال للإنسان، ما هو؟ انظروا الى الآيات القرآنيّة التي تُذكر فيها كلمة الفلاح (قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ) و (أُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)، الآيات القرآنيّة الكريمة والأحاديث وأهل الخبرة والعقل والرأي يبيّنون لنا ما هو مفهوم النجاح الكامل والحقيقيّ للحياة التي ينشدها الإنسان، البعض يتصوّر أنّ المال يحقّق السعادة والبعض يتصوّر السلطة والبعض يتصوّر الجاه والبعض يتصوّر الدراسة الأكاديميّة، وإن كانت هذه الأمور مطلوبة فالدراسة الأكاديميّة لابُدّ منها، عنصر أساسي في تحقّق التقدّم والتطوّر هو الدراسة الأكاديميّة، أين الخطأ؟ الخطأ أن أوجّه كلّ اهتمامي وعنايتي لهذه الدراسة وهذه العلوم فقط وأهمل المبادئ والقيم والأخلاق والجانب التربوي في الحياة، وأهمل النظرة الحقيقيّة للخالق والصانع والحياة الدنيا والحياة الآخرة، هذا هو الخطأ.

الأبناء والمدارس..

لذلك كلّنا نبحث عن ذلك وهذا مطلوبٌ إخواني لا يُساء فهمنا، مطلوبٌ أن ينجح أبناؤنا في المدارس، تطوّر المجتمع ورقيّه يعتمد على هذا التطوّر العلميّ والدراسة الأكاديميّة، ولكن علينا أن نفهم أولادنا يا أولادنا يا بناتنا النجاح في الحياة الدراسيّة والنجاح في العمل مطلوب، ولكن النجاح والسعادة الحقيقيّة لحياة الإنسان يتوقّف على أن أعرف خالقي وما هي علاقتي بالخالق، هذه الحياة الدنيا ماذا بعدها وما هو مبدأي ومصيري، وعلاقاتي الاجتماعيّة مع الآخرين وعلاقاتي مع الأسرة مع الأبوين مع الأرحام مع أبناء المجتمع، وأن أعرف المبادئ والقيم والأخلاق والعادات والتقاليد والهويّة، كلّ هذه الأمور مطلوب أن أفهمها وأفهم دورها في الحياة وأعطيها حقّها في الحياة.

لابُدّ أن يفهم الطالب في الدراسة الإعداديّة والحياة الجامعيّة والجميع كذلك أنّ الحياة الحقيقيّة والسعيدة للإنسان تتقوّم بمجموعةٍ من العناصر: عقيدة، أخلاق، ثقافة، معرفة، تربية، مبادئ، قيم، هذه أمور لابُدّ أن يفهم الإنسان الشابّ أنّ حياته الناجحة والسعيدة تتوقّف عليها.

كذلك الاهتمام بمسألة العمر والوقت والصحّة والعافية، أمور كثيرة يحتاج اليها الشابّ وهذه من التحدّيات التي يمرّ بها الشابّ، ونحتاج الى أن نفهّم الشابّ ما هي المعرفة الصحيحة والثقافة الصحيحة؟ وما هي المبادئ؟ وما هي القيم؟ ولعلّ الوقت لا يسع أن نذكر المعالجات المطلوبة، وسنذكرها إن شاء الله في خطبةٍ قادمة.

نسأل الله تعالى أن يحمينا ويعصمنا ويحمي شبابنا، إخواني أبنائي أنتم الآن الرجال الكبار المؤسّسات المدارس الجامعات وسائل الإعلام المؤسّسات المعرفيّة والثقافيّة، عليكم أن تعتنوا بالشباب فهم عمادنا في المستقبل وهم أملنا في المستقبل وهم مركز القوّة والنشاط والتألّق والإبداع في المجتمع، علينا أن نُعطي أبناءنا وبناتنا الشباب والشابّات الاهتمام الذي يستحقّونه، خصوصاً في مجالات الحياة المهمّة حتّى نستطيع أن نبني حياةً صحيحة ومجتمعاً صحيحاً وقويّاً.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لذلك وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة يوم الجمعة بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي التي ألقاها بتاريخ: 20 شعبان/ 1440هـ، الموافق لـ 26 نيسان/ أبريل 2019.