النشر على «مواقع التواصل الاجتماعي»: ما هي الضوابط والمعايير الأخلاقية؟

ايها الاخوة والاخوات..

نبين في الخطبة الثانية ما هي الضوابط الدينية والاخلاقية للاستعمال الحَسن والنافع لمنظومات النشر الالكتروني، وهي المنظومات المتعارفة من منظومة الفيس بوك واليوتيوب والواتساب وغيرها من هذه المنظومات التي يعبّر عنها بمنظومات النشر الالكتروني ومنظومات التواصل الاجتماعي.

ما هي تلك الضوابط والمعايير الدينية والاخلاقية التي لو اتبعناها لكان الاستعمال لهذه المنظومة استعمالا ً حسناً ونافعاً، ومتى ما تجاوزنا هذه الضوابط فاننا سنقع في الاستعمال الضار الذي يضر بأمن المجتمع الثقافي والاخلاقي والاجتماعي فنقول:

ان من نعم الله تعالى وآلائه علينا في العصر الحاضر هو ان يسّر لنا تسخير بعض القوانين المودعة في المادة لخدمة الفرد والمجتمع الانساني في سرعة وسعة النشر والتعريف للآخرين بالعلوم والمعارف الانسانية المختلفة واطلاعه الواسع والسريع على الاحداث وتبادل الافكار والاراء..

وحيث ان هذه الوسائل في طور ان تأخذ السيادة والغلبة في المجتمع على بقية الوسائل التقليدية ومن الطبيعي ان يترافق معها الكثير من المشاكل والمخاطر الاجتماعية والثقافية والنفسية فربما سرعان ما تتحول هذه النعمة الى نقمة اذا لم تكن مؤطرة بضوابط ومعايير دينية واخلاقية يمكن من خلالها ان نُحسن استعمال هذه المنظومة ذات النفع العظيم

لذلك كان من الضروري التعريف لكم بالضوابط المحددة لهذا الاستعمال والتي ستوفر لو تم العمل بها ومراعاتها الأمن الاخلاقي والثقافي والاجتماعي بل الامن الوطني والمجتمعي.

 ومنها :

أولا ً: فكِّر وتدبر عاقبة ما تريد نشره فلا تتعجل بنشر كل ما يجول بخاطرك أو ما تراه من افكار وآراء ومواقف ومعلومات أو تطلع عليه وتستحسنه في نفسك أو تعجب به فإنه مجرد ضغطة زر بأحد اناملك سيجعل ما تريد نشره ينطلق عبر الفضاء الالكتروني ليصل الى المئات بل الى الالاف بل ربما الى الملايين.. لذلك فكّر وتدبر في عاقبة ما تريد نشرهُ والذي سيصل ربما الى الملايين من الناس..

وقد يكون هذا الذي تنشره ضاراً في مجالات حساسة وخطيرة في حياة الانسان ولا يسعك ان تعيده وترجعه وحينئذ حينما تظهر لك عواقبه الضارة ستندم وتشتد حسرتك ولكن لات حين مندم..

فلابد للانسان الواعي والعاقل والمتدين ان يفكر ويسأل نفسه قبل ان ينشر: ما أريد نشرهُ من رأي او فكر او موقف او صورة او فيلم او مقال.. هل هو حق أم باطل؟ هل هو علم أم جهل؟ هل فيه هداية أم ضلالة؟ هل هو صدق ام كذب؟ هل فيه فائدة أو ضرر؟ هل فيه إساءة للفرد أو لمكون أو عشيرة او مجتمع او اصحاب طائفة او اصحاب دين او اصحاب قومية.. هل سيهدر كرامة انسان ويُسقطه اجتماعياً عند الاخرين؟

هل سيُشعل فتنة او كراهية؟ هل يحمل مضامين اخلاقية ام يحمل مضامين غير اخلاقية؟

ثم اعرض ما تريد نشره على موازين العقل والشرع والاخلاق والضمير الانساني فإن كان ضمن المسار الصحيح والايجابي لهذه المعايير فلا بأس بنشرها خصوصاً اذا كان نافعاً فإن نشرهُ حينئذ يكون امراً حسناً ومقبولا ً و ممدوحاً واما اذا كان ضمن المسار السلبي مما ذكرناه فحينئذ توقف وقبل ان تضغط بيدك على الزر وتكون هذه الامور في الفضاء الالكتروني الى الملايين فتوقف ولا تنشر فإن ذلك أضمن لسلامتك وسلامة مجتمعك وسلامة الآخرين في الدين والدنيا والاخرة.

ورد في الحديث: (اذا هممت بأمر فتدبّر عاقبته فإن يك رشداً فامضهِ، وان يك غياً فانته).

ويمكن ملاحظة الحديث الآتي في مذام اللسان وحيث ان القلم وما يكتبه لسان ثاني فان النشر الالكتروني كالرصاصة الطائشة او القنبلة التي اخطأت الهدف حيث لم يدقق الرامي في تصويبه فربما تقتل الصديق وتقتل الاخ وتقتل المُحب وتقتل الاهل وربما تقتل امّة.. لذلك لابد ان نتأنى ونتفكر في ما نريد نشره..

ثم ايضاً من الامور والضوابط المهمة :

ثانياً: التثبت والتبين من المعلومة قبل نشرها:

ويستلزم ذلك التروي والتأني عند الاطلاع على أي معلومة يراد اعادة نشرها فان مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها مليئة بالآراء والمقالات والتحليلات والاخبار التي ربما تكون مجهولة المصدر او مصدرها وهمي او بعناوين براقة او من ذوي نوايا سيئة وحينئذ يستلزم الأمر وفق الموازين القرآنية والعقلائية تدقيق الأمر قبل نشره وربما يكون من اُناس ضالين وجاهلين وفاسدين، لذلك الآية القرآنية تُحذرنا: (يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).

وفي آية اخرى: (اذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم).

كما انني حين اسمع الاخبار من الاخرين وما يتحدثون به عن الآخرين اتلقاه باللسان ثم انقله وانشرهُ بالفم دون أن اتبين صدقه من كذبه حقيقته من بطلانه واحسبهُ هيناً وبسيطاً ولكنهُ عند الله عظيم..

كذلك ما اقرأه واطلع عليه واريد نشره لا انشرهُ هكذا على عواهنهِ بل لابد ان اتثبت واتبيّن من صحته او اكذبه من احقيته او بطلانيته وحينئذ اذا تبين لي انه حق وصحيح اقوم بنشره والا اتوقف عنده.

ثالثاً: ان لا يؤدي النشر الى الاضرار بالاخرين:

فإن البعض من جملة همومه ان يتتبع عورات وزلاّت وسقطات الاخرين ويقوم بنشرها وينشر اسرارهم الخاصة او كان فيه غيبة ونقص (وعندما نتحدث عن ضرورة التجنب عن الغيبة في مواقع التواصل الاجتماعي فإنما نقصد به الغيبة المحرّمة ويستثنى من ذلك ما ورد بالرسالة الفتوائية من مستثنيات الغيبة ومن ذلك من المستثنيات كشف حال من ثبت فساده ولا سبيل الى منعه من الاستمرار فيه واسترجاع ما استحوذ عليه بغير حق الا ببيان ذلك علناً وربما يصبح ذلك لازماً..) او في هذا النشر نميمة او كذب على الاخرين وتلفيق عليهم وتسقيط لشخصيتهم ورمزيتهم الدينية والاجتماعية..

وتجدر الاشارة هنا الى أمر مهم الى ان البعض ربما يغلف ما يرتكبه من الافتراء على من يخالفه في الفكر او العقيدة بغلاف ديني ويزعم ان بعض الروايات رخصت في البهتان على اهل البدع في الدين لتسقيطهم اجتماعياً حتى لا يؤثر كلامهم في الناس، ولكن هذا ليس صحيحاً والصواب ان المقصود بقول المعصوم (عليه السلام) (باهتوهم) – في بعض الروايات- هو مقابلتهم أي مقابلة اهل البدع في الدين والضلالة مقابلتهم بأدلة واضحة يصيبهم بالبهت والتحيّر، كما ورد في الحوار بين ابراهيم (عليه السلام) والنمرود قال الله تبارك وتعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258).

ان الافتراء والبهتان ليس من الوسائل المشروعة في المناقشات الفكرية والعقدية بل لابد فيها من مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل.. او كان في هذا النشر هدر لكرامة الاخرين او فيه ما يثير المشاحنة والبغضاء والكراهية والعداء والفتنة بين الناس خصوصاً ما فيه فتنة دينية او مذهبية او قومية خطيرة بأبعادها المجتمعية او تفكيك الاواصر الاسرية والاجتماعية.

وحتى لو كانت بعض المعلومات والصور الفيديوية والوثائق والبيانات صحيحة فإن كان في نشرها ما يؤدي الى شيء من ذلك فلابد من التوقف عن النشر صوناً للفرد والمجتمع من هذه الاضرار المتعددة التي ذكرناها.

ورد في الحديث الشريف: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)

وقلنا ان القلم والكتابة لسان ثان، لدينا لسانان هذا اللسان الذي نتلفظ به الكلمات، اللسان الثاني هو القلم والكتابة، فالمسلم الحقيقي من سلم المسلمون من لسانه وقلمه وكتابه ويده..

فاحرص ان تكون عضواً نافعاً في مجتمع التواصل الاجتماعي لا عضواً ضاراً مريضاً يعدي بمرضه الآخرين..

رابعاً: لا تحوّل صفحات التواصل الى صفحات سب وشتم وبذاءة باللسان وفحش ونشر للفساد والفاحشة ومذام الصفات.

النقطة الاخيرة التي وقعت فيها الكثير من العوائل بالضرر الاجتماعي وابينها واحذروا منها وهو (الاستخدام السلبي لمواقع النشر الالكتروني والحذر منها ومنها ما يسمى بظاهرة الابتزاز الالكتروني) :

ان البعض وتحت ستار الحرية وحق الاستخدام للفضاء الالكتروني يوظّف ذلك لإشباع نزعاته الشريرة واهوائه الشيطانية وشهواته وغرائزه المحرمة ومن ذلك اختراق مواقع الاخرين والقرصنة لما ينشر فيها او استخدام خصوصيات الاخرين خصوصاً ما يتعلق بأعراض الناس وخصوصياتهم الاجتماعية يستخدمها للابتزاز والهتك ونشرها لغرض تسقيط اولئك الاشخاص او لابتزازهم مالياً او اخلاقياً..

وقد شاهدنا الكثير من الاُسر والاشخاص نساءاً ورجالا ً – وخصوصاً الفتيات- وقد تعرضن للهتك والفضح بسبب عدم الحذر والحيطة منهن او من عوائلهن وسبب ذلك هتكاً لسمعتهن وسمعة عوائلهن حتى عاد البعض لا يتمكن من مزاولة عمله او البقاء في مدينته بل حُرِم من زرقه ومنزله واهله وارحامه واضطر للهجرة والمغادرة لمكان آخر بعد ما وقع فيه من حرج اجتماعي كبير.

فالتفتوا ايها الاخوة والاخوات لا تُعطوا الذريعة والمسوّغ لاولئك الذين يحملون هذه الدوافع الشيطانية ان يستغلوا خصوصياتكم لنشرها مما يؤدي الى الاضرار الكبير بكم اجتماعياً واخلاقياً فعلى الفرد الواعي والاسر الكريمة الحذر الكبير من اتاحة الفرصة للسيئين واصحاب الاغراض الشيطانية للنيل منهم وتهديد استقرارهم النفسي والاجتماعي.

نسأل الله تعالى ان يوفقنا لما يحب ويرضى انه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

*الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 6/شعبان/1440هـ الموافق 12 /4 /2019م