المرجعية العليا توجّه رسالة للمسؤولين بعد انتهاء زيارة الأربعين

دعا وكيل المرجعية العليا السيد أحمد الصافي، خلال خطبة الجمعة، الجهات المعنية إلى التفكير الجدي في القضاء على مشكلة نقل الزائرين، وفي مايلي النص الكامل للخطبة:

الحمد لله قد مرّت هذه الزيارة الأربعينيّة بما مرّت به، ونسأله تبارك وتعالى دوام الثبات وجزيله الى جميع الزائرين الأكارم وأن يكتب لهم سلامة الوصول، خصوصا الذين هم من خارج العراق وما زالوا في العراق وأيضاً من بعض المحافظات الكريمة، نسأله تعالى أن يوصلهم بسلامٍ آمنين.

بدءً أوجّه الشكر والتقدير لكلّ القوى العاملة التي سهّلت هذه الزيارة، ولا يُمكن أن أعدّهم خوفاً من نسيان البعض وهم لهم حقٌّ علينا، لكن شكراً عامّاً لجميع الجهات التي بذلت كلّ ما في وسعها من أجل إنجاح هذه الزيارة.

إلى المسؤولين...

هناك بعض المُعطيات التي أحببت أن أشير اليها في هذه الزيارة، قبل أن أدخل في المعطيات أحبّ أن أشير بدءً الى حالةٍ تتكرّر في كلّ عام، ولابُدّ للجهات المعنيّة من التفكير الجدّي في القضاء عليها، ألا وهي مسألة النقل، فنحن في كلّ زيارة نجدّد هذه الدعوة، المشكلة في مدينة كربلاء أنّ الطرق المؤدّية لها ذهاباً وإياباً ليست بالمستوى الذي ينسجم مع هذه الأعداد الغفيرة للزائرين، ولا أعتقد أنّ المسألة عصيّة عن الحلّ بل يُمكن أنّها تحتاج الى التفكير الجدّي، وتخطيط واقعيّ لأن تُرسم لهذه المدينة منافذ للدخول والخروج، لأنّ راحة الزائرين في ذلك، فهي ليست مشكلة باصات نقل أو سيّارات بقدر ما هي مشكلة طرق، ولا أعتقد أنّ هذه المدينة لها نظير في مختلف مدن العالم، وفي كلّ سنة نجدّد الدعوة لكن للأسف لا توجد آذان صاغية ولا توجد حلول جذريّة للموضوع، أرجو ممّن يسمع الكلام وهو في موقع المسؤولية أن يقدّر هذه الدعوة، فهذه بلسان جميع الزائرين ومن حقّ الزائر علينا أن نوفّر له هذه الحالة، حالة سهولة الدخول والخروج، وهذه المسألة التي كنت أودّ أن أتعرّض لها بدايةً.

هناك معطيات أحبّ أن أذكرها وهي تصبّ أيضاً في الجوانب الجيّدة:

كرم العراقيين

الحالة الأولى هي حالة الكرم والجود عند أصحاب المواكب وأهل العراق، وأنا عندما أذكر الشعب العراقي من باب إثبات الشيء بالشيء، وهناك حقّ وهذا الحقّ يُقال خصوصاً ونحن نعرف كثيراً من الناس أنّ حالتهم المادّية أقلّ من المتوسّط، لكن هذا الاندفاع وهذا الجود وهذا الكرم الذي يبذله الإخوة أصحاب البيوت وأصحاب المواكب لا شكّ أنّ هذه حالة صحّية، الإنسان عندما يعلم أنّ المال تكمن لذّته وسعادته في إنفاقه يخرج من هذه القيود المادّية التي تسيطر عليه، هذا يتصدّى للإنفاق وهو يعلم أنّ هناك لذّةً سوف يشعر بها عندما يُنفق المال لا عندما يخزن المال، حالة الكرم والجود تؤصّل لهذا المفهوم النبيل الذي يندب له الشارع المقدّس، كإطعام الطعام وتسبيل الماء، وهذه الخصيصة حقيقةً تمتّع بها وعُرف بها الشعبُ العراقيّ والمواكب وجميع من يُمارس هذه الطقوس، فهي خصلة نبيلة يبارك الله تعالى فيها على تنوّعها.

التنظيم

المعطى الثاني هو التنظيم في الأمور، وهذه حالة التنظيم في الأمور هي حالةٌ تُلفت النظر، لأنّ مع هذا الزخم المليونيّ والناس تستطيع أن تنظّم أمورها، فمن بابٍ أولى أن تنظّم أمورها خارج الزيارة، يعني هذه الأعداد الكبيرة لم تُربك حركة الناس وتنظيم أمورهم ولم تُسجّل هناك حوادث مخلّة، وإنّما هذه الأعداد الكبيرة الانسيابيّة حقيقةً تدلّ على وعيٍ يتمتّع به الإخوة المسؤولون سواءً المشاة أو مواكب الخدمة أو العزاء، هذه حالةٌ تُلفت النظر، وتنظيم الأمور من الأشياء المحبّبة والأشياء الجيّدة التي نتمنّى أن تستمرّ دائماً في جميع أشهر السنة.

مواكب النظافة

المعطى الآخر وهي الحالة التي يستجيب لها الإخوة أهل المواكب وهي حالة وجود مواكب للنظافة، وهذه حالة جيّدة جدّاً يعني أنّ أهل المواكب كانوا يتمتّعون بهذه الحالة، يحافظون على الأملاك العامّة والأملاك الخاصّة، قد توجد هناك حالة أو حالتان لكنّها لا تُعدّ أمام عشرة آلاف موكبٍ خدميّ في هذه السنة، المواكب هذه السنة تصدّت للنظافة، فهناك موكبٌ يُطعم وهناك موكبٌ يسقي وهناك موكبٌ يُنظّف، ويا ليت هذه الحالة تكثر حتّى تتميّز بعض الأمور بحالة جيّدة جدّاً.

تدوين يوميات الزيارة

هناك معطى مهمّ أيضاً أحببت أن أُشير اليه، طبعاً هذه الزيارة تُمثّل لكلّ من شاهدها وعايش ظروفها تمثّل حالةً تربويّة راقية جدّاً، تجد الإيثار تجد حنوّ الكبير على الصغير وتجد إطعام الصغير الى الكبير وتجد هناك حالة من قضاء الحاجة، وتجد هناك حالات لا يُمكن أن تظفر بها خارج الزيارة، يعني هذه الحالة التي ينتدب لها الجميع في سبيل أن يستريح الزائر هذه هي الحالة التي أحبّ أن أبيّن أنّها لابُدّ أن تدوّن، هناك أدب يُسمّى أدبُ الرحلة، يا ليت الإخوة الذين يأتون خلال هذه العشرة أيّام أو خمسة أيام وهم سوف يشاهدون أحداثاً أن ينقلوها، وهذه الأحداث لا يشاهدونها خارج الزيارة، لكن لابُدّ أن تدوّن وأن نحتفظ بها ليس كأرشيف وإنّما نحتفظ بها كشيءٍ من حضارتنا من وعينا من قدرتنا على أن نفهم الأمور على ما هي عليه، وهذا يشمل الجميع حتى من الإخوة الضيوف الأعزّاء الذين يأتون مشياً، لابُدّ أن ندوّن الكثير من الأمور التي تصادفنا، ونحن نتكفّل بطباعتها، يعني هذه الرحلة الى سيّد الشهداء تتضمّنها أشياء كثيرة ومشاهدات رائعة على المستوى الإنساني وعلى المستوى الحضاري، لا يُمكن أن تُحفظ على مستوى الذاكرة بين خمسة أو ستّة أشخاص، وإنّما تُكتب وتدوّن وهي ستكون سبباً لاطّلاع الكثيرين عليها لعلّهم أيضاً يتشرّفون بالمشي، تعلمون أنّ بعض الإخوة لم تكن في نيّته أن يمشي، لكنّ القنوات الفضائيّة ووسائل الإعلام جزاهم الله خيراً عندما كان ينقل هذه المشاهدات هذه ولّدت حالةً من التحفيز عند البعض، فشدّ الرحال الى كربلاء والتحق بركب سيّد الشهداء، هذا العمل وإيصال الفكرة الى الآخرين أعتقد أنّه عمليّة محبّبة بالوسائل، ومن جملتها هذا أدب القصّة من بداية خروجه الى رجوعه، من المُمكن أن يؤلّف فيها كتيّباً أو كتاباً ويطّلع عليه الآخرون، وهي رحلةٌ بالتأكيد سوف تكون مشوّقة.

أكثر من 15 مليون زائراً جاءوا إلى كربلاء

المُعطى الأخير وهي الإحصائيّة، وقد تعوّدنا أن ننقل الى الإخوة الإحصائيّة النهائيّة لعدد الزائرين، قبل ذلك أحبّ أن أنوّه أنّه في سنة 1438 للهجرة كانت لدينا ثلاثة محاور، وفي سنة 1439هـ كانت هناك أربعة محاور، وفي هذه السنة أضيف محورٌ خامس وهو محور الحرّ والحسينيّة من غير الطرق الرئيسيّة (بغداد - كربلاء) (الحلّة - كربلاء) و(النجف - كربلاء)، طبعاً المعايير التي نعتمدها في الإحصائيّة معايير رقميّة، بمعنى -كما ذكرنا في العام الماضي- تُنصب كاميرات تعدّ الزائرين الداخلين فقط وتعدّ السيّارات أيضاً، في السيّارات أيضاً تعاملنا مع الحدّ الأدنى أو مع الحدّ المعقول، مثلاً طريق بغداد كانت طابقين، السيّارات مُمكن أن يدخل فيها 80 شخصاً أو 90 شخصاً، نحن لم نذكر هذا الرقم ولكن خفّضنا هذا الرقم، بدأنا دائماً بالحدّ الأدنى وبدأت الإحصائيّة من يوم (7 صفر) الى يوم العشرين في الساعة الثانية عشر ليلاً، يعني في يوم الثلاثاء الساعة 12 ليلاً نحن أنهينا العدّ، طبعاً هناك بعضُ الزائرين بدأوا بالتوافد لكن حتّى نكون نتعامل معها في مستوى الدقّة.

أُلفت النظر الى قضيّة بسيطة، في بعض الحالات الإحصائيّات تكون غير دقيقة، مثلاً سوف أذكر عزاء طويريج، طبعاً هذه الظاهرة -عزاء طويريج- من الشعائر التي نحرص على استمرارها، وهذا العزاء الكبير في بعض الحالات لا تُسعفنا حتّى الآلات الحديثة بعدّ العزاء، في طريقة ممارسة عزاء طويريج الكاميرات قد تُخطئ لهذا الاندفاع السريع وسرعة الزائرين من كلّ بابٍ من أبواب الصحن الشريف، فهذه ظاهرةٌ غير معروفة للعالَم حتى أنّنا عندما فاتحنا بعض أهل الاختصاص في باقي العالَم ونقلنا لهم الصورة استغربوا، قالوا: لم نعهد هذه الحالة! وقالوا: إنّ الكاميرا تعدّ على أنفار، مثلاً في كلّ ساعة كذا عدد أمّا في مثل هذا التدفّق الكبير! ولكن هناك وعدٌ منهم أن يُلاحظوا ذلك، تبقى مسألة الدقّة في هذا الجانب أنّنا نحتاج الى ممارسات حتّى نؤكّد هذه الدقّة، لكن في زيارة الأربعين الوضع أسهل، فمداخل المدينة متوفّرة وحركة الزائرين هي حركةُ المشي العاديّة التي لا يصعب على الكاميرا أن تعدّها، طبعاً تذكيراً في سنة 1438هـ أي قبل سنتين كان عددُ الزائرين (11.200.367) زائراً، وفي سنة 1439هـ أي في العام الماضي كان عدد الزائرين (13.874.818) زائراً، وفي هذه السنة كما قلت انتهى العدّ في الساعة الثانية عشر مع خمسة محاور وكان عدد الزائرين أكثر من 15 مليون (15.322.949) زائراً، وهذه الزيارة تمّت مع وجود أكثر من (10.714) موكباً خدميّاً، وهناك أكثر من (225) هيئة من (25) دولة جاءت من خارج العراق، طبعاً عدد الزائرين الذي ذكرته هو عدد الداخل والخارج أي من داخل العراق وخارجه، طبعاً من خارج العراق جاء أكثر من مليونين أو أقلّ بقليل أمّا الباقي فهم من داخل العراق.

نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق، وأن يكثر زوّار سيّد الشهداء(عليه السلام)، وأن يتقبّل منّا ومنكم صالح الأعمال، وأن يرينا الله في بلدنا وفي بلاد المسلمين كلّ خير، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

*النص الكامل لخطبة صلاة الجمعة بإمامة وكيل المرجعية العليا سماحة السيد أحمد الصافي، ألقيت بتاريخ 23 صفر 1440 هـ الموافق 02/11/2018 م