ما قصة تخيير آدم (ع) بين العقل والحياء والدين؟

الأصل: «علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن مفضل بن صالح، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته، عن علي (عليه السلام) قال: هبط جبرئيل (عليه السلام) على آدم (عليه السلام) فقال: يا آدم إني امرت أن اخيرك واحدة من ثلاث فاخترها ودع اثنتين فقال له آدم: يا جبرئيل وما الثلاث؟

فقال: العقل والحياء والدين، فقال آدم (عليه السلام) إني قد ا خترت العقل فقال جبرئيل للحياء والدين: انصرفا ودعاه فقالا: يا جبرئيل إنا امرنا أن نكون مع العقل حيث كان قال: فشأنكما وعرج».

الشرح:

(علي بن محمد) يروي المصنف في هذا الكتاب كثيرا عن علي بن محمد وهو علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف بعلان ثقة عين (عن سهل بن زياد) ضعيف في الحديث (عن عمر بن عثمان) كوفي ثقة نقي الحديث (عن مفضل بن صالح) ضعيف كذاب (عن سعد بن طريف) قيل:

هو صحيح الحديث ونقل العلامة عن النجاشي أن يعرف وينكر، وعن ابن الغضائري أنه ضعيف وقال الكشي عن حمدويه أنه كان ناو وسيا وقف على أبي عبد الله (عليه السلام) (عن الأصبغ ابن نباته) بضم النون قال العلامة والنجاشي الشيخ في فهرست: إنه كان من خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال العلامة: إنه مشكور.

(عن علي (عليه السلام) قال هبط جبرئيل (عليه السلام) على آدم (عليه السلام)) الظاهر أن ذلك كان بعد هبوط آدم من الجنة وبعد قبول توبته (فقال يا آدم إني امرت أن أخيرك واحدة من ثلاث أي خصلة واحدة من ثلاث خصال فاخترها ودع اثنتين فقال: آدم يا جبرئيل وما الثلاث) الظاهر أن الواو لمجرد حسن الارتباط وزيادة الاتصال لا للعطف (فقال: العقل والحياء والدين) العقل هنا قوة نفسانية وحالة نورانية بها يدرك الإنسان حقائق الأشياء ويميز بين الخير والشر وبين الحق والباطل، ويعرف أحوال المبدء والمعاد وبالجملة هو نور إذا لمع في آفاق النفوس يكشف عنها غواشي الحجب فتتجلى فيها صور المعقولات كما يتجلى في العين صور المحسوسات. والحياء خلق يمنع من ارتكاب القبيح وتقصير في الحقوق، وقال الزمخشري هو تغير وانكسار يلحق من فعل ما يمدح به أو ترك ما يذم به وهو غريزة وقد يتخلق به من يجبل عليه فيلتزم منه ما يوافق الشرع وسيجئ تحقيقه وتحقيق أن ما في بعض الإنسان من الكيفية المانعة له عن القيام بحقوق الله تعالى من الحياء إن شاء الله تعالى. والدين هو الصراط المستقيم الذي يكون سالكه قريبا من الخيرات بعيدا عن المنهيات[1] وهو عبارة عن معرفة مجموع ما يوجب القرب من الرب والعمل بما يتعلق به الأمر ومعرفة مجموع ما يوجب البعد عنه وترك العمل بما يتعلق به النهي (فقال آدم إني اخترت العقل) لا يقال: اختياره للعقل لم يكن إلا لملاحظة أن حسن عواقب أموره في الدارين يتوقف عليه وإن نظام أحواله في النشأتين لا يتم إلا به ولا يكون ذلك إلا لكونه عاقلا متفكرا متأملا فيما ينفعه عاجلا وآجلا، لأنا نقول: المراد بهذا العقل العقل الكامل الذي يكون للأنبياء والأوصياء واختياره يتوقف على عقل سابق يكون درجته دون هذا وللعقل درجات ومراتب. وقد يقال هذه الأمور الثلاثة كانت حاصلة له (عليه السلام) على وجه الكمال والتخيير فيها لا ينافي حصولها والغرض منه إظهار قدر نعمة العقل والحث على الشكر عليها (فقال جبرئيل للحياء والدين انصرفا ودعاه) أي انصرفا عن آدم ودعاه مع العقل معه (فقال يا جبرئيل) الظاهر أن هذا القول حقيقة بلسان المقال بحياة خلقها الله تعالى فيهما ولا يبعد ذلك عن القدرة الكاملة وقد ثبت نطق اليد والرجل على صاحبهما ونطق الكعبة والحجر وغيرهما. ويحتمل أن يكون ذلك مجازا بلسان الحال أو يخلق الله سبحانه فيهما كلاما أسمعه جبرئيل وآدم (عليه السلام) كما قد خلق ذلك في بعض الأجسام الجمادية وأسمعه من شاء من خلقه (إنا امرنا أن نكون مع العقل حيث كان) أي حيث وجد أو حيث كان موجودا، يفهم منه أن العقل مستلزم لهما وهما تابعان له، والأمر كذلك لأن بالعقل يعرف الله سبحانه وجلاله وجماله وكماله وتنزهه عن النقايص وإحسانه وإنعامه وقهره وغلبته بحيث يرى كل جلال وجمال وكمال وإحسان وإنعام وقهر وغلبة مقهورا تحت قدرته مغلوبا تحت قهره وغلبته بل لا يرى في الوجود إلا هو فيحصل له بذلك خوف وخشية يرتعد به جوانحه كما قال سبحانه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ويحصل له بذلك قوة وملكة تمنعه عن مخالفته طرفة عين وهذه القوة هي المسماة بالحياء، ثم بتلك القوة يسلك الصراط المستقيم وهو الدين القويم، ومن ههنا ظهر أن الحياء مستلزم للدين والدين تابع له، ثم جبرئيل (عليه السلام) إن كان عالما بكونهما مأمورين بذلك كان قوله: «انصرفا ودعاه» محمولا على نوع من الامتحان لاظهار شرف العقل ونباهة قدره وإن لم يكن عالما كان ذلك القول محمولا على الطلب (قال فشأنكما وعرج) الشأن بالهمزة الأمر والحال والقصد أي فشأنكما معكما أو ألزما شأنكما، وهذا الحديث وإن كان ضعيفا بحسب السند لكن صحيح المضمون، وكذا الحديث الآتي مع ضعفه بالارسال أيضا لاعتماده بالبرهان العقلي وكذلك كثير من الأحاديث الواردة في الأحكام العقلية من أصول المعارف ومسائل التوحيد.

*مقتطف من كتاب شرح أصول الكافي - الشيخ محمد صالح المازندراني

هامش:

[1] في بعض النسخ [عن السيئات].