وكيل المرجعية العليا: شبابنا في خطر

تكلّمنا في جمعةٍ سابقة وأسبق حول موضوعٍ يتعلّق بالتعلّم وبالثقافة، وهذا الموضوع -كما ذكرتُ في محلّه هناك- من المواضيع المهمّة التي تستوجب منّا أن نقف ونتأمّل، لنرى ما هي الحدود الدنيا التي يُمكن للإنسان أن يحصّن نفسه فيها، طبعاً سبق أن تكلّمنا في مطلبٍ سابق ما يتعلّق بموضوعٍ عبّرنا عنه بموضوع "البصيرة" وهي غير التعلّم، الإنسان يُمكن أن يكون متعلّماً لكنّه قد لا يتمتّع ببصيرة، وحتى لا يختلط كلامُنا تكلّمنا عن موضوع البصيرة سابقاً ولعلّنا نحتاجه في ما يأتي، قد نتكلّم عنه أيضاً في حينه، لكن ما يتعلّق الآن بمستوى الثقافة وسأتكلّم مع الإخوة بشكلٍ شفاف -كما يُقال-.

من الواضح أنّ هناك مستوى من التدنّي في الثقافة عندنا، وأعني بمستوى الثقافة عندنا هي حالة التحضّر، الإنسان عندما يكون مثقّفاً ومتحضّراً يتعاطى مع الأمور بطريقة تحفظ فيها حقّ الطرفين، وهذه القراءة ليست قراءة شخصيّة وإنّما ناشئة من إطلالة على كثيرٍ من مواردنا، حتّى مواطن التعلّم التي عندنا، فالبعض يقول هناك أسباب كثيرة، نعم.. أنا أوافق أنّ هناك أسباباً كثيرة أودت بحالة التعلّم والثقافة أن يهبط مستواها في العراق، مع أنّ العراق ليس كذلك وهذا قد ذكرناه سابقاً.

يعني أنّ العراق ليس بلداً متطفّلاً على الحضارة وليس بلداً حديثاً، بل جذور البلد وحضارة البلد قديمة، ونحن أيضاً لا نريد أن نُصاب بغرور الاتّكاء على حضارةٍ سابقة فهذا أمرٌ غير صحيح، إنّما عندما نذكر ذلك نريد أن نحمّل الجميع مسؤوليّة الحفاظ على هذه الثقافة بالحدّ الأدنى، ولعلّ بعض الأمور قد يُراد لها أن تكون في خانة الجهل، لماذا؟ تعلمون أنّ هناك نُفرةً بين العلم والجهل، أهلُ المنطق تارةً يقولون عنها: علاقةَ تضادٍّ أو علاقةَ عدم وملكة -باصطلاحاتنا الخاصّة-، لكن بشكلٍ واضح للجميع إنّ هناك نُفرةً، العلم يأبى ويرفض الجهل، والجهلَ يرفض العلم كذلك.

لذلك في المناقشة عندما تُناقش جاهلاً سوف يغلبك، تصبح حالة العناد وحالة عدم وجود مشتركات بين الطرفين، الجاهل يغلب العالم في المناقشة، لأنّه لا يريد أن يتعلّم، وتارةً جاهلٌ بسيط هو يسأل يقول: نعم.. أنا لا أعلم علّمني أريد أن أتعلّم، هذا سيستفيد وتتحوّل حالة النقاش الى حالةٍ إيجابيّة.

-لاحظوا إخواني- كلّما زاد الوعي ضعُف الدّجلُ وضعُفَ الدجّالون، فالدجّال أين يجدُ سوقه؟ الدجّال يجد سوقه عند الجهلة، وتكون سوقه رائجةً في مواطن الجهل، والدّجل بحسبه فأنا أتكلّم عن أصل الفكرة، في أيّ علمٍ هذا الدجل إنّما هذا يتطفّل عليه، لأنّه ليس منه فيدجّل على الناس بأيّ علم، فكلّما زاد الوعي قلّ هؤلاء الدجّالون، وكلّما جاء العلمُ ذهب الجهل، الجهلُ يتوطّن في موارد ليس فيها علم وليست فيها ثقافة رصينة.

البعض قد يسأل: ما حاجةُ هذا الكلام الآن؟! أقول: حاجة هذا الكلام الآن أكثر من حاجتنا الى الأكل والشرب، طبعاً في بعض الحالات أنا أعتمد على شخصٍ -مثلاً- خرّيج جامعة، أنا يُفترض -في ذهني- أنّي عندما أقابل هذا -خرّيج الجامعة- أن أجده يتمتّع بثقافة جيّدة حتّى أستطيع أن أأخذ وأعطي معه، وإذا هو من الصعوبة عليه بالإمكان أن يكتب اسمه، أنا لا أتكلّم بمبالغات، من الصعوبة بالإمكان أن يكتب قطعةً نثريّة إذا لم تكن مملوءةً من الأخطاء النحويّة والإملائيّة، فإذا كان هذا بهذا المستوى فكيف سيكون في مستوياتٍ أخرى هو بعيد عنها؟!! فمن الطبيعيّ أن يصدّق أيّ فكرةٍ تتسرّب اليه تربويّة أو اجتماعيّة أو اقتصاديّة أو سياسيّة، أيّ فكرةٍ سيصدّقها لأنّه غير محصّن.

هذا الشابّ الذي هو الأمل، وواقعاً أنا عندما أذكر أبناءنا وإخواننا وشبابنا حتى الذين هم في ريعان الشباب، عندما أقول هؤلاء الأمل واقعاً نقصد ذلك، لكن والله نتأذّى عندما نرى هذا الشابّ يسهرُ ليلَه على مواقع لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ويكون إنساناً كسولاً، أنا أقول له: يا بنيّ الشمسُ لا تشرق إلّا على الكُسالى، فغيرُ الكسول يصحو قبل شروق الشمس، فهو لديه عمل ووراءه بيت أو معمل أو بلد ووراءه أمورٌ كثيرة، لا تتعمّد أن تكون كسولاً.

هذه الفتوّة أنت مسؤولٌ عنها، وأنا لا أتكلّم -إخواني- دينيّاً فقط، فالبلد يحتاج هذه الطاقات، والأسرة تحتاج هذه الطاقة، أينما تكون في أيّ محلّ تحتاج هذه الطاقة، وقديماً قيل في أيّام الدراسة الابتدائيّة (العقلُ السليم في الجسم السليم)، إذا كان هذا الجسم عبارة عن حالةٍ من التراخي والهزال فهو خلاف الطبيعة، أنتم -أبناءنا- تتصرّفون خلاف الطبيعة، الليلُ للسكن وللراحة والنهار للعمل فلا تقلبوا الحالة وتجعلوا الليل للسهر، وعلى أيّ شيءٍ تسهر؟! والله ستندم طوال عمرك لأنّك تقول: إنّي قتلت الوقت، وأنا أقول لك: إنّ الوقت قتلك أنت لم تقتل الوقت بل الوقتُ قتلك، أيّ ثقافةٍ ستحصل عليها؟! وأيّ رؤية ستكون عندك؟! أنا حريصٌ -بيني وبين الله، وسيُحاسبني على هذا الكلام يوم القيامة- أنا حريصٌ عليك يا ولدي أن تكون في ذروة النشاط وأنت لا تفقه شيئاً، لا تصحو إلّا في نهاية النهار!! أنت أشدّ من الكسالى، دونك هذه الطيور والمخلوقات فتعلّمْ منها، النهار لشيء والليل لشيء آخر ومن يقول لك عكس ذلك فهو يكذب عليك، يُراد لشبابك أن يتدمّر وينتهي، فالعمر -يا ابني- عمرٌ لا يتحمّل، الإنسان سرعان ما يرى نفسه في المرآة قد شاب -من الشيبة- وابيضّ شعرُه ولحيته وذهب عمرُه، الأسرة تريد منك والمجتمع يُريد منك والبلد يُريد منك، فبهذا أنت ستتثقّف بثقافة هجينة وثقافة غير أصيلة وستكون وبالاً، فالتفت الى مصدر ثقافتك، أجملُ شيءٍ عند الإنسان عقلُه فاختر المعلومة التي تنضّج العقل، فكما أنت حريصٌ على الأكل النظيف لابُدّ أن تكون أحرص على الثقافة النظيفة فلا تشوّش عقلك.

مجتمعنا وآباؤنا أنا أتكلّم مع المدرّسين مع الآباء مع الإخوة الكبار، أتكلّم مع كلّ من له همٌّ على أبنائنا، أنت كنت شابّاً أيّها الأب فتحسّ بما يحسّ به الشاب، الشابُّ لم يكن أباً فقد لا يحسّ فيحتاج الى إيقاظ، أبناءنا رجاءً اسمعوا وعوا هذه الثقافة فأنا -والله- عندما أقرأ لبعضهم أنا أخجل!! شابٌّ في الرابعة والعشرين أو الخامسة والعشرين وهذا عمرٌ تُتحدّى به الجبال، الآن هذا الشابّ هزيل وضعيف وعقله في استراحة، لا أعلم من الصاحب الذي أقنع هؤلاء الشباب أن يتركوا عقولهم ويلجأوا الى هذه التفاهات!! أنتم -أبناءنا- سواءً في الجامعات أو الإعداديّات أنتم ذخيرة ولابُدّ أن تفهموا ماذا يُراد منكم والتفتوا الى ماذا يُراد بكم.

هذا بلدُنا فيه هذه الطبقات من الأطفال والشباب والشيوخ، والشباب اليوم في خطر -إخواني- وهذا الخطرُ خطرٌ ثقافيّ، قد أدخل في بعض المصاديق ربّما إذا أبقانا الله سبحانه وتعالى، فبعض التفاصيل مرعبة بمعنى الكلمة، فعلى الأيادي النظيفة أن تتلقّف هؤلاء الشباب على أن يعوا دورهم ويعوا مسؤوليّاتهم، فالشباب لديهم قدراتٌ كبيرة فليُحسنوا استخدامها بالشكل الجيّد، -أُعيد أبنائي- الشمسُ لا تشرق إلّا على الكُسالى فلا تكن كسولاً، اصحُ قبل الشمس قطعاً ستجد الحياة أمامك بهذه الروحيّة والطمأنينة والقوّة ستكون شيئاً آخر.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُرينا في أبنائنا والجميع كلّ خير، وأن يحفظكم جميعاً ويحفظ متعلّقيكم، ويُبارك بكلّ جهدٍ، اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، تابع اللهمّ بيننا وبينهم بالخيرات إنّك مجيبُ الدعوات، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

*النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة التي ألقاها وكيل المرجعية السيد أحمد الصافي في الـ 31 آب/ أغسطس