موائد الأربعين.. عجائب لم تدوّنها الموسوعات العالمية

يُحكى أنَّ دولةً أرادتْ أنْ تضعَ اسمَها في موسوعةِ (غينيس) لتُسجِّلَ رقمًا قياسيًا لأطولِ مائدةِ طعامٍ في التاريخ، فأعّدتْ واستعدّتْ وتهيّأتْ لتبلغَ الرقمَ الصعبَ الذي أعلنتْ عنه وقد كانَ ثلاثةَ كيلو مترات.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فاجتمعَ أصحابُ الفكرةِ وما لبثوا حتى تناثرَ الطعامُ بينَ أيدي الجماهير المُحتشدةِ قبلَ أنْ يصلَ مائدتَهم التي كانوا يرجون أنْ تكونَ عيدًا لأولِهم وآخرهم.. فاستحالَ الحلمُ برقمٍ عالمي إلى سراب.

انبرتْ دولةٌ أخرى لتصنعَ ما صنعتْه الأولى، فلم تبلغْ رقمَها وحالتْ بينَها وبينَ الثلاثةِ كيلو مترات أمتارٌ قليلة.

ولستُ أعلمُ أنْ كانتْ (غينيس) قد دوّنتْ ذلك فيما دوّنتْ من تطلُّعاتِ البشرِ للانفرادِ بشيءٍ يُميّزهم.. حقٌّ يراه الناسُ أنّه مُباحٌ ومشروعٌ ولا غبارَ عليه.. فليستعرضوا ما شاؤوا..

ضوءٌ إعلامي ساطعٌ يُسلَّطُ على تلك الأحداث، وضوءٌ خافتٌ يمرُّ مرورَ الكرامِ بموائدَ تجاوزَ طولُ بعضِها العشرين كيلو مترًا.

مسألةٌ حماريةٌ جديدةٌ تُفصِحُ عن باءٍ تجرُّ وأخرى لا تجر! تُقابِلُها اللامُبالاة بشأنِها إنْ جرّتْ ما بعدَها أم تركته على حاله.

فالمائدةُ التي لم تلتفتْ إليها (غينيس) ولم يُعِرْها الإعلامُ ذو السطوةِ العالميةِ اهتمامًا، لم تُصنَعْ لتنالَ الشهرة، فهي المُباركةُ بالصلواتِ والعامرةُ بالخيراتِ والمليئةُ بالطيبات، صنعتْ طعامَها يدُ خادمٍ نذرَ الغالي والنفيسُ ليبلغَ رضا فاطمةَ وعلي (عليهما السلام)، وبذلَ ما لديه ليثبتَ للعالمِ أنّه بمنزلةِ (الحُسيني).. فلم تكُنِ المائدةُ التي يُشاطرُه بها أهلُ المواكبِ سوى فعاليةٍ واحدةٍ وجُزئيةٍ صغيرةٍ في بحرِ زيارةِ الأربعين المليئة بالأسرارِ والعطاء..

والقضيةُ أكبرُ من كونِها عرضًا (كرنفاليًا) أو تقليدًا شعبيًا يشبهُ مهرجاناتِ الطماطمِ في بلدانٍ أخرى، إنّما هي عقيدةٌ ودينٌ وشعيرةٌ من الشعائر، وحين تكون بهذا الشكلِ وتحملُ مثلَ هذه العناوين؛ فهي بلا شك لا تنتظرُ من أحدٍ أنْ يُدوّنَها في موسوعاتِ العالمِ التي تُسجّلُ ما عجزَ عنه البشرُ في مجالٍ مُعيّن، فإنْ دوّنتها الموسوعاتُ فبها وإلا فمن المُتيقَنِ لدى أصحابِ الموائدِ الحُسينيةِ أنَّ هناك من سجَّلَها وادخرها لهم..

وهذا ما لا يُمكِنُ للإعلامِ الأعورِ وللمُنظّماتِ التي تغضُّ طرفَها عن عجائبِ الأربعين أنْ يفهموه.. وكيفَ لهم أنْ يعرفوا أو يفقهوا أنَّ للمواكبِ أسرارَها وللخدمةِ أسرارَها.. وأنَّ كُلَّ الذين يتجاهلون قضيةَ الحُسينِ وأدواتِهم لا يُشكِّلون إلا قطرةً في بحرِ اهتمامِ الشيعةِ بأداءِ أجرِ الرسالةِ على أتمِّ وجهٍ لا يُريدون جزاءً من أحدٍ ولا يُريدون شكورًا.