في آية المُباهلة لماذا ذكر النّساء ولم يقل بناتنا لأنّ الزهراء بنتُّ النبيِّ (ص)؟
اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام
إنَّ معنى قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾(1).
إنَّ معنى الآية المباركة هو أنَّ نصارى نجران ونظراً لعدم قبولهم بالبراهين التي قدَّمها رسولُ الله (ص) لهم على فساد دعواهم أنَّ عيسى المسيح ابن الله تعالى، نظراً لذلك أمرَه اللهُ تعالى أنْ يدعوهم للمباهلة، فمَن وقعت عليه اللعنةُ والعذابُ الفوري فهو الكاذب والمبطِل، وأمرَه اللهُ تعالى بأنْ يدعوهم للحضور للمباهلة بأنفسِهم وبخاصَّتِهم من الأولاد والنساء، وأنْ يحضرَ هو بنفسه وخاصَّته من النساء والأولاد، وذلك لأنَّ الإنسان لا يُعرِّض نفسَه وخاصَّته للهلاك، فالحضورُ للمباهلة بالنفس وبأخصِّ الأهل من النساء والأولاد فيه تعبيرٌ عن الاطمئنان بصوابيَّة ما هو عليه من مُعتقَد وبأنَّه وخاصَّتَه لن يُصابوا بمكروه.
فالآيةُ لم تكن بصدد تحديد الهويّة الشخصيَّة لمَن يلزمُه الحضور للمباهلة وإنَّما هي بصدد بيان أنَّ المباهلة إنَّما تكونُ بالنفس وبأخصِّ الأهل.
والنبيُّ (ص) في مقام تطبيق الآية وامتثالها اختار عليَّاً (ع) ليكون مصداقًا للنفس واختار فاطمة (ع) لتكون مصداقاً لخاصَّته من النساء، واختار الحسنين (ع) ليكونا مصداقًا لأبنائه. وذلك ثابتٌ بالتواتر عن الفريقين(2).
وأما أنَّ فاطمة (ع) بنتٌّ فذلك لا يقتضي أنَّ عنوان النساء غير صادقٍ عليها، فهي بنتٌ وهي من النساء المنتسبن إليه، وأمَّا لماذا لم يقل بناتنا بدلاً عن قوله: ﴿نِسَاءنَا﴾ فلأنَّه أراد أن يكون العنوان شاملاً لمثل الأخوات والزوجات، فالغرض هو بيان امكانيَّة دخول خاصَّة كلٍّ من الطرفين في المُباهلة، فلو قال: (بناتنا) لكان ذلك مقتضيًا لتوهُّم المنع من دخول مثل الأخت والزوجة في المباهلة والحال أنَّ الغرض من الآية هو بيان أنَّ لكلٍّ من طرفي المُباهلة اختيار مَن شاء من خاصَّته من النساء.
وعليه فالفضيلةُ التي تميَّزت بها فاطمة (ع) دون غيرها من خاصِّة النبيِّ (ص) هي أنَّ النبيَّ (ص) اختارها دون سواها من خاصَّته من النساء وذلك يُعبِّرُ عن أنَّها أقربُ خاصَّته اليه وأحظاهنَّ عنده، فهي أخصُّ خاصَّتِه من النساء وأَليَقهنَّ بهذا المقام وإلا لكان قد اختار غيرها، إذ أنَّ أفعال النبيِّ (ص) لا تصدرُ جزافاً أو محاباةً نظراً لعصمتِه.
ولو كان في النساء مَن يفضُلُ فاطمة (ع) أو يُضاهيها في الفضل لاختارها دون فاطمة (ع) أو لكان قد اختارها مع فاطمة، فقد اختار مع الحسنِ (ع) الحسينَ (ع) فكان له أنْ يختار مع فاطمة غيرها لو كان ثمة من يُدانيها في الفضل، فعدمُ اختيار غيرِها معها دليلٌ على تميُّزِها عمَّن سواها.
ثم إنَّ النبيَّ (ص) صرَّح حينذاك وفي مواردَ كثيرة أنَّ فاطمة وعليَّاً والحسنَ والحسينَ (ﻉ) هم أهلُ بيتِه وخاصَّته دون سواهم(3).