"عمّرت البلدان بحب الأوطان"... لماذا ننتمي إلى القبيلة أو الحزب إذاً؟!

تتفاوت أسباب ضعف الشعور بـ "الانتماء الوطني" حيث شكلت العقود الأخيرة بروز هذه الظاهرة بشكل ملفت، وعلى الرغم من وجود كل العوامل الشرعية أو القانونية أو الاجتماعية التي تدعو الى التمسك بالوطن والانشداد إليه وحماية ترابه؛  إلا إننا نجد دائماً أن الانتماءات متعددة وليس للوطن نصيب منها، حيث تطغى على المجتمعات ـ وخصوصاً العربية منها ـ صفة النفور من الإحساس بالمسؤولية تجاه الأرض التي نشأ عليها أفراد تلك المجتمعات، بل حتى بعض المجالس التي قد يطرق فيها ما يمت لهذا الموضوع بصلة تجد أن الحضور لا يتفعلون معه بشكل جدي، وهذا الأمر له تداعيات خطيرة، حيث شاهد العالم برمته شباب تلك البلاد يركبون أمواج الموت العاتية مع فرص نجاة ضئيلة لمجرد فكرة الخلاص من الأرض التي ترعرعوا عليها، وبالرغم من أن كثير من الفارين ممن له مؤهلات علمية، ولعلك تتفاجأ أن هذا الشعور قد ينعكس على الشعور السلبي تجاه كل ما يمت للوطن بصلة، من قبيل المرافق والمؤسسات الوطنية، حيث شاهد السواد الأعظم منا كيف يقوم البعض بالاستيلاء على ممتلكات تلك المؤسسات، وإذا كان الشيء مما لا يمكن الاستيلاء فإحداث ضرر يكون كفيلاً بخروجه عن الخدمة.

وهنا ينهض السؤال التالي: لماذا نلاحظ أن الانتماء للطائفة والقبيلة أصبح مقدماً على الانتماء للوطن؟ ولماذا أصبح من يتشارك معي بالهوية الوطنية أقل أهمية ممن يشاركني الانتماء القومي أو المذهبي؟

الدولة والحكومة

أتصور أن الإجابة تكمن في عدم التفريق بين مفهومين أساسيين وهما مفهوم الدولة ومفهوم الحكومة، فالدولة عبارة عن تركيب يتكون من الحكومة والشعب والأرض، ومسؤولية الحكومة تكمن في إدارة مفاصل الدولة ومؤسساتها بما ينص عليه الدستور.

فإذا صادف وحصل تقصير من الحكومة في إدارة مؤسسات الدولة فالمفروض ألّا يتحمل الوطن وزر تلك المؤسسة، وهذا للأسف الشديد ما نجده ظاهراً للعيان.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما يفوض الشعب حكومته المنتخبة إدارة مفاصل الدولة والتي من أبرزها الملف الأمني، فإذا قصرت الحكومة في هذا المجال لم يبقَ أمام المواطن إلا أن يلجئ إلى بديل آخر لحمايته ممن يحاول استهدافه وهذا البديل هو إما الحزب أو العشيرة، ولو كانت الحكومة تستطيع تطبيق القانون على كافة رعاياها لما احتاج فرد من الرعية الى اللجوء القبيلة أو الحزب، وهذا ما نلاحظه في المجتمع الغربي بشكل واضح حيث يمكن لأي فرد هناك أن يطالب بحقه بالوسائل القانونية السلمية، بخلاف المجتمعات الشرقية وبالأخص العربية منها حيث يكون هذا الخيار معدوماً.

الشعور بالظلم والتهميش

ومن العوامل التي تساعد على نشوء الإحساس بضعف الانتماء الوطني، هو الإحساس الذي يمر به كثير من الأفراد في كونهم مسلوبي الحقوق ولا قيمة لأصواتهم، وهذا ما ينعكس سلباً على الشعور الوطني.  

الإسلام وتعزيز الشعور بالمواطنة

 لقد دلت النصوص الدينية على مشروعية التمسك بالوطن بل وجوب الدفاع عنه عند تعرضه لخطر معين، قال تعالى: (قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا) سورة البقرة 246.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: "عمّرت البلدان بحب الأوطان" بحار الأنوار.

وروي أن النبي (صلّى الله عليه وآله) لما أخرجه أهل مكة خاطب مكة فقال: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك".

كيف نعزز الانتماء الوطني؟

لعلنا لم نفقد الأمل في إيجاد الوسيلة التي يمكن من خلالها معالجة هذه الظاهرة، وإن كانت نتائجها بطيئة وتحتاج الى وقت وصبر، وهذه الطريقة تتم عبر تجنيد المؤسسة التربوية لمكافحة ضعف الانتماء الوطني، وتعزيزه عبر ترسيخ مبدئ المواطنة الصالحة، وإفهام الفئات العمرية المختلفة أنهم مسؤولون عن كل ذرة من تراب الوطن.

وجزء من المسؤولية يقع على مؤسسات المجتمع الوطني حيث يتوجب عليها الأخذ بزمام المبادرة، وإقامة الدورات التي من شأنها توظيف الطاقات المجتمعية لتذويب الرواسب التي خلفتها السياسة وغيرها.