’ذكر الله’ يزعجه.. كيف نحصل على مناعة ضد وساوس الشيطان؟

من المؤكد أن الإنسان لا يتألم من وسوسة الشيطان إلا إذا كانت تلك الوسوسة على خلاف ما يعتقد به، وهذا مؤشر إيجابي يدل على أن صاحبه ما زال يتمتع بفطرة وقلب سليمين، وإذا جاز لنا تشبيه ذلك فيمكننا أن نشبهه بجهاز المناعة في جسم الإنسان.

فعند دخول أي جسم غريب تتحرك تلك المناعة لطرده ومحاربته، الأمر الذي يتسبب في بعض الآثار الجانبية مثل ارتفاع حرارة الجسم والشعور بالصداع ، إلا أن ذلك يعد مؤشراً إيجابياً يدل على سلامة جاهز المناعة، والحال نفسه يحدث عند دخول أفكار سلبية إلى قلب الإنسان، فإذا استقبلها الإنسان برضى وقبول فإن ذلك يدل على أن قلبه مختوم، وعقله منحرف، وفطرته ممسوخة، أما إذا عمل على رفضها ومقاومتها ولم يسمح بهيمنتها عليه فإن ذلك يؤكد على أن قلبه مازال يعشق الإيمان، قال تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، ومن معاني الختم على القلب أن يرى الحق باطلاً والباطل حقاً، فيصبح التذكير بالله هو الذي يزعجه وليس العكس قال تعالى: (وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا).

 ومما لا شك فيه أيضاً أن تجاهل هذه الوساوس والاستعاذة بالله تعالى من العلاجات الناجعة لها، إلا أن لكل واحد منها له شروط وآليات خاصة، فالتجاهل قد لا يكون ناجعاً ما لم يقف الإنسان أولاً على محفزات تلك الوساوس، فقد لا يفيده التجاهل مالم يعمل على معالجة تلك المحفزات، فمثلاً قد تكون محفزات تلك الوساوس هو وجوده في مكان معين، أو إذا كان برفقة جماعة معينة، أو إذا كان مجهداً بدنياً أو إذا كان كثير السهر أو كان كثير التشاؤم أو سريع التأثر والانفعال، أو غير ذلك، فحينها لا ينفعه التجاهل إذا لم يتخلص من تلك المحفزات، كما أن التجاهل يحتاج إلى تكنيك خاص وكل إنسان يجب أن يكتشف التكنيك الذي يناسبه، وهناك بعض الآليات التي يذكرها الأطباء النفسيين يجب التعرف عليها.

أما الاستعاذة فيجب أن تكون استعاذة عملية وليست مجرد قول باللسان، كما أشرنا لذلك في إجابة سابقة، حيث قلنا هناك: (ان الاستعاذة يجب أن تكون حقيقية وليست مجرد لقلقة باللسان، فحقيقة الاستعاذة تعني أن تكون بجانب الله تعالى، وحتى يحقق الإنسان ذلك يجب أن يراه الله في المواطن التي يحب أن يراه فيها، فالبعد عن المعاصي ومصاحبة الأخيار والحضور في أماكن العبادة يبعد الإنسان كثيراً عن بيئة الشيطان ويجعله قريباً من الله تعالى).

وعندما يكون الإنسان حديث عهد بالتدين، مما يجعله أكثر عرضة للشيطان، فإنه لن يترك وسيلة حتى يعيده إلى سيرته الأولى.

وهنا ننصح بأمرين:

الأول: وهو التمسك القوي بالسبب الذي دعاه للتدين، فهو لم يتدين إلا لأسباب دعته إلى ذلك، فقد تكون هذه الأسباب عبارة عن صحوة ضمير، أو تفكير عميق، أو عوامل خارجية، أو أي سبب آخر، المهم يجب عليه معرفتها والتمسك بها جيداً؛ لأنها تعد سلاحاً قوياً مكنه من كسر شوكة الشيطان عندما قرر أن يلتزم بدينه، وسوف تساعده أيضاً في الحفاظ على تدينه.

الأمر الثاني: هو التعمق أكثر في دينه وطلب العلم الشرعي بالوقوف على أدلة العقائد وبراهينها، والوقوف على حِكم التشريع وفلسفة الأحكام، وبذلك يقفل الطريق أمام تشكيكات الشيطان ووسوسته، فعندما يتحصن الإنسان علمياً يصعب على الشيطان أن يخدعه من خلال إثارة الشبهات والتشكيكات، وإن كان بالإمكان أن يأتيه من أبواب أخرى، فالشيطان يستهدف الإنسان من خلال عوامل ضعفه.

ولكي نتعرف على مسؤولية الإنسان اتجاه ما يحدث به نفسه من الذنوب والأفكار الباطلة، لابد أن نشير إلى أن بعضها يتعلق بالجانب العملي والسلوكي، وبعضها يتعلق بالجانب الفكري والنظري، وقد فرق بعضهم بين الذنوب التي تتعلق بالجوارح كاللسان والعين والأذن والفرج واليد والرجل، وبين الذنوب التي تتعلق بالعقل والقلب كالإيمان والكفر والحسد والكبر وما شابهها، فإذا حدث الإنسان نفسه بمعصية مثل الزنا أو السرقة أو غير ذلك لا يحاسب عليها طالما لم تتعدى حدود كونها خاطرة في النفس، بخلاف معاصي القلب والعقل فإنه محاسب عليها حتى وإن لم يبح بها، فمن اعتقد في نفسه بالكفر أو الشرك أو بأي عقيدة باطلة فإنه محاسب عليها حتى وإن لم يصرح بها علناً، أما إذا كانت تلك الأفكار عبارة عن وسوسة قهرية مع رفض الإنسان لها وعدم موافقته عليها وتصريحه بخلافها فإنه في هذه الحالة لا يكون محاسباً كما صرحت الروايات، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): (لكل قلب وسواس، فإذا فتق الوسواس حجاب القلب نطق به اللسان وأخذ به العبد، وإذا لم يفتق القلب ولم ينطق به اللسان فلا حرج).