الحكومات تقص الأشرطة أمام الإعلام.. والعتبات المقدسة تخطط وتعمل بصمت!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر» 

الذائقة الجمالية في مشاريع العتبات المقدسة

مايزال الحلم بتلك اللمسات الفنية الجميلة على تفاصيل جسد الوطن المثقل بآثار الحروب والاهمال يراود فئة كبيرة من أبنائه، فهو حلم لم يتحقق لأولئك الذين انقضت أعمارهم فغادرت أرواحهم وهي تنتظر صلاح الحال، وكم هو قاس أن تغادر وأنت في طور الانتظار.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فهل سيشهد من بقي من تلك الأجيال المنتظرة قفزة نوعية وكمية في مجال الخدمات، وهل سيغادر العراقي بلده مسافرا الى بلد آخر دون أن يشعر بهذا البون الشاسع في مستويات الخدمات والعمران دون أن تأكل قلبه الحسرات وهو يرى الفرق واضحا جليا بمجرد دخول صالات الانتظار في مطارات ومنافذ حدود الدول التي يقصدها؟

وهل سيشهد انقراض الفوضى التي تصاحبه أينما حل في وطنه، حيث الغبار المتطاير العابث الذي يملأ ارجاء حياته، وحيث النفايات المتناثرة التي عجزت يد البلديات عن أن تضع لجمعها خططا طبقت في بلدان هي الأقل شأنا من هذا البلد؟

هل سيشهد زوال يد متصرفة لا تحكم عملها ذائقة الفن والجمال، ولا يعهد اليها سوى أن تعمل برتابة وكسل لينقضي يوم طويل دون انجاز شيء يذكر، فالهم الأكبر لهذه اليد أن تنقضي ايام الشهر ولياليه لتقبض معاشها وعلى الذائقة الجمالية بعد ذلك السلام.

السفر إلى البلدان القريبة والنائية  ورغم افتراض كونه من دواعي سرور فؤاد المسافر العراقي إلا أنه سيهزم سرور هذا الفؤاد ليملأه من حزن المقارنات  الشيء الكثير، حتى يعمد المسافر إلى تصوير كل ما تقع عليه عيناه من شوارع نظيفة وبنايات أنيقة ونصب تذكارية جميلة وتراث محفوظ بل حتى عمال النظافة وآلياتهم تكون ضمن ما يتم التقاطه من مشاهد، والقضية مؤلمة حقا وانت تسمع من يقارن بين مقابر القوم ومقابرنا التي طالتها هي الأخرى تلك اليد الفوضوية المهملة وكأن قدر الأموات أن تحيط بقبورهم تلك النفايات وسوء التخطيط الذي كان يداهم حياتهم، فكأن الحكومات المتعاقبة بعد سقوط الديكتاتورية اتفقت على أن لا يرى هذا الشعب من سمات الجمال والنظافة والذوق الرفيع شيئا، وأن لا يسمع جملة حضارية مفيدة.

وسط هذا الحطام كانت العتبات المقدسة تعمل بصمت، فتنطلق يد الحرفة الابداعية من أضرحة الائمة عليهم السلام لتحمل منها عطرها ونورها وجمالها وتتجه نحو محيطها وبما أمكن لتضع لمسة الفن والجمال على منشآت خطط لها عقل عراقي مبدع يعمل جاهدا على أن يمنح لشعبه مالم تمنحه له حكومته، فيخطط وينفذ وهو لا يرى الإعلان عن ذلك في الإعلام هدفا كما ينظر البعض حين يحشدون الرأي لمنجزات لا تعد شيئا أمام مشاريع عملاقة تبنتها العتبات وأنجزتها دون أن يسلط الإعلام الضوء عليها، فالعبرة في منجز يصمد على أرض الواقع بجميع تفاصيله لا بقشرة يجعل منها الإعلام عجيبة من عجائب الدنيا.

العتبات المقدسة بكوادرها وإداراتها جعلت من حلم الشعب حقيقة، فاللمسة الفنية حاضرة، والجدوى الاقتصادية حاضرة، والمنتج العراقي يستعيد عافيته، وخطط المستقبل معد لها بشكل منتظم، والنتيجة هي الصورة المشرقة التي يطمح ابناء هذا الشعب لرؤيتها تعم في أرجاء بلدهم.

مدن للزائرين، ومشاريع انتاجية، ومراكز للشفاء، وردهات للحياة، مشاتل ومناحل، مزارع وآبار، وصحراء خضراء، ومبان تسر الناظرين، كل ذلك تحقق بمبالغ لا تعد شيئا أمام ما تمتلكه الدولة من موارد مالية لم توضع في مكانها المناسب أو تحت تصرف أهل الاختصاص، بل كانت المحاصصة هي الحاكم في التأسيس لبنيان هش لا ينتفع من ريعه الا أهل النفوذ والسلطة.

العتبات المقدسة قدمت نموذجها الحضاري لأنها خططت بشكل جيد واختارت لعملها الأكفاء والمخلصين، وعملت جاهدة على أن تديم منجزاتها وتحافظ عليها، ولم يكن الهدف من انشائها يوما هو وضع حجر الأساس أو قص شريط الافتتاح تحت أضواء كاميرات الفضائيات، لذلك تراها متجددة حيوية تحيطها هالة من اشراقات المراقد الطاهرة وقد ارتبطت بذائقة فنية وجمالية نتمنى أن نراها على مستوى الأداء الحكومي مستقبلا.

*حسين فرحان - كاتب وصحفي عراقي