من ننتخب؟! متى نقاطع؟! كيف رسمت المرجعية خارطة طريق لمستقبل العراق؟

بحثت ودققت وسألت أهل الأمرحول ما ساكتبه عن بيان المرجعية الدينية العليا حول الانتخابات في 5/5/2018م، واستغرق الامر اياماً كي لا أقع في سوء فهم له، لأخرج بهذه القراءة الأولية، وعذراً من متابعيي الذين تلقيت منهم عشرات الرسائل والتعليقلت تطلب التعجيل، لكن حال دون انزال منشوري هذا مبكراً تكليفي بعمل خارج العراق، لصالحه، وبذلت وسعي لأكون في خدمة مواطني بلدي بأسرع وقت، ولم يكن في امكاني أفضل مما كان، وها أنذا أكتب خلاصة الأمر:

1. بيان المرجعية يوم الجمعة 5/5/2018م، هو اعلان لبداية مرحلة سياسية جديدة في تاريخ العراق بعد زوال الديكتاتورية، وانتهاء لمرحلة ما بعد 9/4/2003م.

2. البيان أصدر فتوى جديدة ومهمة حول شكل الحكم المناسب للعراق في زمن الغيبة الكبرى للإمام عجل الله فرجه الشريف - تؤكد ما قلناه خلال السنوات الماضية – وهو (دولة مدنية لا تخالف الشريعة) ثبتها وكيلها العام العلامة السيد أحمد الصافي في الدستور عندما امرته بالترشح عام 2005م، وذلك في المادة الثانية منه، وأكدها بيانها الآن بأن هذا النظام ديمقراطي تعددي، نظام ثالث جديد، لا دولة علمانية ولا دولة دينية، وذلك في مقطع البيان التالي:

"لقد سعت المرجعية الدينية منذ سقوط النظام الاستبدادي السابق في ان يحلّ مكانه نظامٌ يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الاقتراع، في انتخابات دورية حرّة ونزيهة، وذلك ايماناً منها بانه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد إن اريد له مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة ويحظى بالتقدم والازدهار، ويحافظ فيه على قيمه الاصيلة ومصالحه العليا".

لاحظوا اخوتي عبارتها " وذلك ايماناً منها بانه لا بديل عن سلوك هذا المسار " ان المرجعية الدينية العليا تؤمن بعدم وجود بديل للنظام الديمقراطي الانتخابي، وهو غير مخالف للشريعة بقرينتين:

أ‌. ادخال وكيلها السيد الصافي حينها في انتخابات قوائم كتابة الدستور، وتثبيتها لهذا المبدأ في المادة الثانية منه.

ب‌. بقرينة قولها في هذا البيان ما يلي:

" ويحافظ فيه على قيمه الأصيلة"

ومن الواضح ان قيم العراقيين الأصيلة هي الدين والعادات والحضارة التي لا تخالفه.

3. الخطبة الاولى التي سبقت البيان كانت مقدمةً له، وحددت شروط الاصلاح، وهي:

أ‌. وجود المنهج المحقق للسعادة ان تم تطبيقه.

ب‌. وجود قائد للاصلاح.

ت‌. استجابة الناس له.

وحددت شروط القائد بأنه أما نبي او وصي أو مرجع ديني أعلى، وما عدا ذلك فإنه ليس بمصلح ما لم يكن تحت اشراف أحد من هؤلاء، وان ادعى الاصلاح فهو ليس بمصلح وان صدق نفسه، أو صدقه الكثيرون.

وفي هذه الخطبة اشارة واضحة لعدم تصديق مدعي الاصلاح ما لم يلتزموا بالسير خلف المرجعية الدينية العليا كلياً لا انتقائياً، وعدم الاكتفاء بادعاء ذلك دون تطبيق.

ومن الواضح ان هذا الكلام ينفي النزاهة والكفاءة عن قائمة مهمة، او ربما أكثر، بل وينفي الاصلاح عن مدعيه.

4. خلاصة البيان في الخطبة الثانية كان نهايته حين قال المرجع الديني الأعلى " العبرة كل العبرة":

حيث بين فيه موصفات المرشح من يجب أن يبني نهضة العراق، ويُخرجه من وضعه الحالي، ويضعه في مكانته اللائقة به كاول بلدان العالم حضارةً ووجود.

وفيما يلي هذه المواصفات من نص البيان مع تنقيطها فقط:

فالعبرة كل العبرة بـ:

أ‌. الكفاءة والنزاهة.

ب‌. الالتزام بالقيم والمبادئ.

ت‌. الابتعاد عن الاجندات الاجنبية.

ث‌. احترام سلطة القانون.

ج‌. الاستعداد للتضحية في سبيل انقاذ الوطن وخدمة المواطنين.

ح‌. القدرة على تنفيذ برنامج واقعي لحلّ الأزمات والمشاكل المتفاقمة منذ سنوات طوال.

لاحظوا اخوتي هذه المواصفات:

• ان سماحته قدّم (النزاهة والكفاءة) على (الالتزام بالقيم والمبادئ) التي منها التدين.

• عبارته (الابتعاد عن الاجندات الاجنبية) تؤكد ما كنا نقوله مراراً، من تخوف سماحته من الأجندات الاجنبية الرامية للسيطرة على العراق باسم العروبة والحضن العربي والتشيع ونصرة دولة الامام وخدمة المذهب وحماية أهل السنة والجماعة والدفاع عن الانسانية، وغيرها من الادعاءات الكاذبة، لمختلف القوائم العميلة لدول اجنبية صديقة وشقيقة!!! قاتلهم الله أني يؤفكون.

• عبارة سماحته (احترام سلطة القانون) تؤكد مبدأ مدنية الدولة ومساواة ابنائها امام القانون.

• عبارة سماحته (الاستعداد للتضحية في سبيل انقاذ الوطن وخدمة المواطنين) فيها اشارة ذكية ان من سعى لخدمة نفسه لا وطنه ومواطنيه، بجلب الامتيازات والرواتب وما شاكل له حينما كان في السلطة، لهو خطر على العراق.

• عبارة سماحته (القدرة على تنفيذ برنامج واقعي لحلّ الأزمات والمشاكل المتفاقمة منذ سنوات طوال) تؤكد ما قلناه سابقاً، من ضرورة وجود رؤية واضحة عملية لكيفية حل مشاكل البلد، وليس كلام انشائي يمكن لأي كاتب أن يُسطِّره.

5. المرجع الديني الأعلى يرسم للمواطن العراقي خارطة طريق للمستقبل بشأن ضرورة تغيير القانون الانتخابي وغيره، وسننقط نص كلامه الذي سنضعه بين اقتباسين "" لتتضح الصورة:

" من الواضح ان المسار الانتخابي لا يؤدي الى نتائج مرضية الا مع توفر عدة شروط، منها:

أ‌. أن يكون القانون الانتخابي عادلاً يرعى حرمة اصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها.

ب‌. أن تتنافس القوائم الانتخابية على برامج اقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيداً عن الشخصنة والشحن القومي او الطائفي والمزايدات الاعلامية.

ت‌. أن يُمنع التدخل الخارجي في أمر الانتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره، وتُشدّد العقوبة على ذلك.

ث‌. وعي الناخبين لقيمة اصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد فلا يمنحونها لأناس غير مؤهلين ازاء ثمن بخس ولا اتّباعاً للأهواء والعواطف او رعايةً للمصالح الشخصية او النزعات القَبلية او نحوها ".

6. رفع البيان الوجوب في الانتخابات ولكن قيد ترك الانتخاب بشروط، فاعتبره حقٌ للناخب ينبغي عدم التفريط فيه، كي لا يتسلط المفسد، أو يحدث خللٌ في تمثيل المكونات العراقية، وهنا يجب الاشارة الى نقاط مهمة:

أ‌. الانتخابات في المناطق ذات التركيبة الواحدة الاثنية او المذهبية، غير واجب، لأن الفائزين سيكونون من تركيبة واحدة، وبالتالي فاحتمالية تضييع الحقوق لغيرهم منعدمة لعدم وجود غيرهم اصلاً في تلك المنطقة.

ب‌. لحماية السلم المجتمعي ولمصلحة الوطن، فإن الانتخابات في المناطق ذات التركيبة المتعددة قومياً او مذهبياً واجب، كي يكون لكل مكون من يمثله ويدافع عن حقوقه، فلا يكون ترك الانتخاب لمكون ما مدخلاً لتسلط المفسدين والمجرمين من المكون الآخر عليه، فتعود المآسي التي أصبحت من الماضي.

ودليل ذلك كلام المرجعية في المقطع التالي من البيان:

" نعم ينبغي ان يلتفت الى ان تخليه عن ممارسة حقه الانتخابي يمنح فرصة اضافية للآخرين في فوز منتخبيهم بالمقاعد البرلمانية وقد يكونون بعيدين جداً عن تطلعاته لأهله ووطنه ".

انتبهوا لعبارة " يمنح فرصة اضافية للآخرين في فوز منتخبيهم بالمقاعد البرلمانية وقد يكونون بعيدين جداً عن تطلعاته لأهله ووطنه ".

ت‌. من لا يريد الانتخاب من المناطق الموضحة في النقطة (أ) لعدم الاهتداء لمرشح تنطبق عليه المواصفات، فعليه الذهاب للانتخاب واحتساب صوته كناخب بعد تسقيط ورقته الآليات المعروفة انتخابياً، فالمقاطعة تقلل قيمة المقعد النيابي فيسهل صعود المفسد، والعكس صحيح.

7. وضع البيان من خلال المقطع التالي خارطة طريق لآليات الاختيار بين القوائم ثم المرشحين، وايضاح ما اثير من لغط حول المجرب:

" والطريق الى التأكد من ذلك هو الاطلاع على المسيرة العملية للمرشحين ورؤساء قوائمهم ـ ولا سيما من كان منهم في مواقع المسؤولية في الدورات السابقة ـ لتفادي الوقوع في شِباك المخادعين من الفاشلين والفاسدين، من المجرَّبين أو غيرهم".

أي ان المجرب في الحكم كغير المجرب فيه، ان كان كليهما في سيرته العملية فشل او فساد، وهو عين ما قلناه في شرحنا قبل اسابيع عن عبارة المرجعية "من جرب المجرب حلت به الندامة"

8. لا توجد قائمة مرضية 100% من قبل المرجعية، لأن جميع القوائم لا تنطبق عليها كامل مواصفات بيانها.

لكن لأن المرجعية تحث على الانتخابات من باب الإرشاد، فهذا يعني أنها لا تمانع من انتخاب القائمة التي تتوفر على أكبر قدر ممكن من تلك المواصفات، على ان يكون الشخص المختار منها بكامل المواصفات باعتبار ان ذلك ممكن.

من هنا فأمامنا خيارات:

أ‌. ان وجد الناخب شخصاً تنطبق عليه مواصفات البيان في قائمة تحقق أفضل انطباق على شروطه، فبها ونعمت والانتخاب افضل.

ب‌. ان وجد الناخب شخصاً جيداً تنطبق عليه مواصفات البيان لكن القائمة لا تنطبق عليه، وكان هذا الشخص من المناطق ذات التركيبة المتعددة قومياً او مذهبياً فعليه انتخاب هذا المرشح مع امكان البحث عن افضل القوائم السيئة في منطقته، لأنه أفضل الخيارات تجنباً لما ذكرناه في النقطة (6) الفرع (ب).

ت‌. ان وجد الناخب شخصاً جيداً تنطبق عليه مواصفات البيان لكن القائمة لا تنطبق عليه، وكان هذا الشخص من المناطق ذات التركيبة الواحدة الاثنية او المذهبية فيمكنه انتخاب هذا المرشح بشرطين، وان كان التأكد منهما صعب:

• ان يضمن فوز هذا المرشح، ويطمئن لذلك ولو بالبحث والتدقيق من المقربين عليه او منه، ولا يكفي معرفة احتمالية فوزه او الظن بها، كي لا تذهب اصوات من انتخبوه - ان لم يفز- للقائمة الفاسدة او الفاشلة.

• أن يطمئن لكون هذا المرشح سيخرج من تلك القائمة بعد فوزه، أو لا ينصاع لفساد وأوامر رئيسها بعد فوزه.

9. نبهت المرجعية الشعب العراقي لوجود أمل في التغيير مستقبلاً رغم كل ما يجري "ولكن يبقى الامل قائماً بإمكانية تصحيح مسار الحكم وإصلاح مؤسسات الدولة من خلال تضافر جهود الغيارى من ابناء هذا البلد".

وأرشدتنا إلى امكانية ذلك من خلال " استخدام سائر الاساليب القانونية المتاحة لذلك" ومن هذه الأساليب الاعتصامات والتظاهرات المنظمة، وتقديم طلبات سن القوانين عن طريق المواطنين او مرشحيهم في البرلمان.

وللحديث بقية ان ابقانا الله...