لا تجعل الناس سببا لحزنك وسعادتك!

من الطرائف المشهورة أن امرأة كانت تشاهد من نافذه غرفتها وسخ الملابس المعلقة بشرفة الجيران وتنتقد عدم اهتمامهم بنظافة ملابسهم، فقام زوجها بتنظيف زجاج النافذة فاكتشفت أن الوسخ على زجاج النافذة وليس على ملابس الجيران المعلقة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

 فكم من اتهام نتهم به الناس ولو دققنا أكثر لاكتشفنا أن الخطأ فينا وليس في الآخرين، كما أننا في كثير من الأحيان نتوقع أن الناس يعطونا السعادة أو هم سبب حزننا، بينما لو تأملنا أكثر لوجدنا أن ذواتنا هي سبب سعادتنا وحزننا وليس الناس.

ولهذا هناك أمثلة كثيرة تأكد هذا المعنى مثل (من راقب الناس مات هما) أو (رضى الناس غاية لا تدرك)، ولهذا قيل (رضا الناس غاية لا تدرك ورضا الله غاية لا تترك)، فمما يساعد الإنسان على سعادته بالدنيا والآخرة أن يكون له منظومة قيمية يعمل من خلالها سواء وافق عليها الناس أو رفضوها، فالمهم أن يعمل بما يرضي رب الناس وليس الناس، ولا يحزن إذا شعر بحزن الناس عليه أو تغير نظرتهم له طالما أنه واثق من صدق واستقامة وصحة ما يفعل، فالناس لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب كما قيل.

ولعل من القصص الشهيرة قصة جحا مع ابنه عندما ركبا الحمار ومشيا في السوق فسمع الناس يقولون انظروا إلى جحا كم هو ظالم لأنه يركب مع ابنه فوق الحمار والحمار يلهث من التعب، فنزل جحا من الحمار وترك ابنه فوق الحمار فسمع الناس يقولون كم هذا الابن عاق لوالده ولا يحترم والده لأنه فوق الحمار وترك والده يمشي على رجليه، فجعل جحا ابنه يمشي على الأرض وركب هو فوق الحمار فسمع الناس يقولون كم هذا الأب قاس وظالم لا يقدر تعب ابنه ومشقته، فحمل جحا الحمار على ظهره ليتخلص من كلام الناس وليحقق رضاهم فصار الناس يقولون انظروا إلى جحا اشترى الحمار ليكون له حمارا.

بغض النظر عن صدق القصة إلا إنها تصف حال الناس في الحديث عن الناس وقد حاول جحا في كل محاولة أن يحقق رضا الناس ولكن كما قيل رضا الناس غاية لا تدرك، وحتى رسولنا الكريم صلى الله عليه وآلة وسلم على الرغم من اختيار الله له من أشرف النسب وأفضل الخلق إلا إن بعض الناس من حوله لم يرضوا به، وكان رسولنا الكريم يحزن على المشركين لتركهم الإيمان وبعدهم عنه فقال تعالى له (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) أي لا تهلك نفسك وتحزن من أجل الناس طالما أنهم أتخذوا قرارا بعدم أتباع الهدى لأن ما على الرسول إلا البلاغ، وفي آية أخرى كذلك نبه الله الرسول صلى الله عليه وآلة وسلم أن لا يهلك نفسه من أجل الناس وإنما يؤدي ما عليه فقط فقال (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)، أي لا تهلك نفسك من أجل رفضهم للإيمان لأن الله جعل الدنيا دار اختبار وليس دار متاع فقال (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) ، فكل إنسان يتحمل قراره والله يحاسب الجميع.

فالرؤيا صارت واضحة عند رسولنا الكريم ولهذا أخبرنا بأنه لا بد أن نحدد الرؤية ونعرف من نسعى لتحقيق رضاه فقال (من طلبَ رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمورَ الناس، ومن طلب رضا الناس بسخطِ الله وكله الله إلى الناس،) ومن وكله الله إلى الناس عاش حزينا وفقيرا ومكتئبا وقلقا ومتوترا، وقد قامت فلسفة كاملة وهي الوجودية لسارتر علي شعار (الآخرون هم الجحيم) والغى كل القيم التي يؤمن به الناس، ولكن الإسلام علمنا أننا نحترم الناس ونقدرهم ونراعى مبادئهم ولكن بنفس الوقت لا نجعلهم معيارا لعملنا ولسلوكنا ولا نسعى لتحقيق رضاهم، فكم من أسرة هدمت بسبب طلب رضاء أبنائها لا رضا الله فلنتأمل.

*جاسم المطوّع