قصص القرآن: حقائق ومعاجز أم أساطير وخرافات؟!

لابد من التأكيد على أن القرآن ليس كتاباً تاريخياً، فليس من أهدافه استعراض الاحداث التي وقعت في التاريخ الإنساني، وعندما يتعرض لذكر بعض الحوادث الماضية لا يتعرض لها بقصد توثيقها كحدث قد وقع، وإنما بهدف توظيف بعض جوانبها من أجل هدفه العام وهو الهداية.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

ولا يمكن أن يتحقق ذلك الهدف إلا إذا كانت القصة نابعة من الواقع الإنساني وليست محض خيال، حيث لا يمكن الاعتبار من القصة ولا يمكن أن تكشف عن سنة اجتماعية إذا كانت مجرد اسطورة، فواقعية القصة واتصالها المباشر بالفعل الإنساني هو الذي يحقق للقرآن الهدف الذي يرجوه، ومن هنا فإن كل ما في القرآن من وقائع وأحداث ماضية هي حقائق حدثت بالفعل، وقد فرق القرآن بشكل واضح بين الأمثال التي تضرب لتقريب فكرة ما، وبين القصص الواقعية التي تكشف عن سنن تاريخية واجتماعية، فعندما يريد القرآن أن يضرب مثلاً يصرح بذلك كقوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، وكذلك قوله تعالى: (كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتخَّذَتْ بَيْتًا) أو قوله تعالى: (كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بمِا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَ نِدَاء)، وهذا بخلاف تناول القرآن للقصص، فهو يتناولها بوصفها حقائق واقعية متحققة في الخارج، وقد صرح القرآن بذلك في كثير من الآيات كقوله تعالى: (لَقَدْ كاَنَ في قَصَصِهِمْ عِبرْةٌ لّأِوْلىِ الْأَلْبَبِ مَا كاَنَ حَدِيثًا يُفْترَى‏ وَ لَاكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَينْ‏ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ كُلّ‏ شيءٍ وَ هُدًى وَ رَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون) و كذلك قوله: (وَكلاُّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَ جَاءَكَ في هَذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرَى‏ لِلْمُؤْمِنِين)

وعليه فإن القصص القرآنية تعد واحدة من الإعجازات الدالة على كون القرآن وحي من الله تعالى، فما وقع بين الأنبياء وأقوامهم من قصص لا يمكن الوقوف عليها إلا من خلال الوحي؛ وذلك لأن المناهج التاريخية تستوثق من أحداث الماضي بأحد طريقين، الأول: هو الوثائق المكتوبة، والثاني: من خلال البحث في الآثار المادية، والقرآن الكريم في نظر المؤمنين يعتبر أهم مصدر واصدق وثيقة مكتوبة، والذي يشكك في ذلك يتعين النقاش معه كبروياً وليس صغروياً، فإثبات كون القرآن وحي من الله مقدم على اثبات كون القصص القرآني امور واقعية.

 أما المنهجية الثانية وهي الآثار المادية فهي قد تكون صالحة فقط للتعرف على المدن والحصون وغير ذلك من آثار الحضارات القديمة، ولا علاقة لها بما وقع من أحداث اجتماعية وإنسانية، والقصص القرآنية لا تحكي عن آثار مادية حتى نستعين بالحفريات للتأكد منها، وإنما هي قصص لها علاقة بالفعل الإنساني والاحداث الاجتماعية، كما أن مهمة الأنبياء والدور الذي قاموا به ليس له علاقة بترك آثار مادية، فليس من مهامهم بناء المدن وتشييد الحصون كما هو حال ملوك الحضارات القديمة، وإنما كانت مهمتهم الإنسان والعمل على إصلاحه فكرياً واخلاقياً وسلوكياً، وكل ما جاء في القرآن من قصص يخدم هذا الهدف، وبالتالي من الخطأ البحث عن الأثر المادي للقصص القرآنية.

ومن المؤكد أن القصص القرآنية بالنسبة لنا من الأمور الغيبة، ولا يمكن لأي إنسان الادعاء بأنه يمتلك طريقاً للوقوف على حقيقة ما وقع بالفعل، فالطرف الذي يشكك في واقعية هذه القصص إنما يشكك من باب الإنكار والمجادلة؛ وذلك لأنه لا يوجد أي سبيل لإثبات خلاف ما جاء ذكره في القرآن، وقد أشار القرآن لهذا الأمر عندما أكد بأن هذه القصص من أنباء الغيب،  قال تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون)، وقوله تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون). وعليه أن مصدر كل تلك القصص وما فيها من تفاصيل دقيقة هو الوحي الإلهي وهذا ما يؤكده قوله تعالى: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا)

وبذلك ننفي وجود أي طريق علمي يمكن الاستعانة به غير التصديق بما جاء في القرآن، ومن لم يرد أن يصدق فهذا شأنه، قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) وقال تعالى: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)

ويبدو أن تشكيكات البعض في قصص القرآن هو تقليد اعمى لبعض الباحثين الغربيين الذين شككوا في قصص التوراة والانجيل، وهذا قياس لا يمكن قبوله والتسليم به، وقد سبق القرآن هؤلاء الباحثين عندما اكد على التحريفات التي وقعت في تلك الكتب السماوية، وهذا ما لم يحدث مع القرآن الكريم، والأدلة على أن القرآن محفوظ كثيرة وقد ذكرت في محلها، ومن المعلوم أن كتب أهل الكتاب مليئة بالخرافات والاساطير إلى درجة أن بعضها مخالف لأبسط القيم الأخلاقية والضرورات العقلية، وهذا بخلاف ما جاء في القرآن، فكل من يقرأ القرآن وهو متجرد للحقيقة سوف يكتشف الفرق الكبير بينه وبين ما هو موجود في ايدي اليهود والنصارى، فالقرآن ليس فقط ينقل بعض القصص بكل واقعية وموضوعية وإنما ينقل لنا عبر تلك القصص مجموعة من العبر والحِكم والقيم والسنن التاريخية التي نحتاج معرفتها من اجل حياتنا الراهنة، فمع أنها قصص وقعت في الماضي إلا أنها مازالت حاضرة ومتجلية في حياتنا اليومية.