بلدان تخصص ميزانيات لمحاربة ’الأمّية الرقمية’ والألعاب الإلكترونية!

أزمة الأميّة الرقميّة

ممّا لا شكّ فيه أنّ العالم الذي نعيشه اليوم هو ليس نفس العالم الذي كان بالأمس، فقد طرأت عليه مجموعة تغيّرات أثرت على طبيعة الحياة فيه وغيّرت كلّ كبيرة وصغيرة، وأهمّ شيء تغيّر في عالمنا الحديث هي الثورة الرقميّة التي يعيشها حيث أصبحت كلّ جزئية في حياتنا تتمّ عبر العمليات الرقميّة بل حتى ترفيه أبنائنا أصبح رقميّا.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وفي خضمّ هذه الأحداث طرأ تغيير على مفهوم "الأميّة" فلم يعد مقتصرا على الجهل بالقراءة والكتابة بل ظهرت عدّة أميّات معاصرة والتي من أبرزها ما بات يعرف بـ "الأميّة الرقميّة" والتي يقصد بها جهل الإنسان وعجزه عن التعامل مع هذا العالم الرقمي الكبير، ولعلّك لا تعلم أنّ الحكومات أصبحت ترصد الميزانيات الضخمة وتقيم الأنشطة والفعاليّات لمحاربة هذا النوع من الأميّة في بلدانها!

هنا نحتاج أن نضيّق الدائرة ونطرح هذا السؤال على أنفسنا: هل مجتمعنا مهتمّ بمحاربة هذه الظاهرة أم لا؟ قد يقول قائل: ما الفائدة من ذلك؟ فهب أنّ أحدا كان أميّا بهذا المعنى فما الذي سيضرّه؟ وأين الخطورة في ذلك؟

المشكلة تكمن في أنّ أبناءنا وشبابنا بلا استثناء يقضون أغلب وقتهم في العالم الرقمي الافتراضي، وأميّة الوالدين وجهلهم بهذا العالم ستكون عائقا أمام قيامهم بمهامهم في عمليّة التربية للأبناء، وعدم قيامهم بهذه المهمة سيؤثر كثيرا على الأبناء بل على كلّ المجتمع في المستقبل، إذ أنّ هذا العالم سيكون هو العقل المكوّن لأبنائنا لا العائلة أو المجتمع!

والمشكلة هي نفس الجهل بالمشكلة حيث أنّك لو سألت أحدا عن سبب إعطائه أجهزة ذكيّة لأطفالها دون رقابة ودون حساب لقال: أبنائي فقط يلعبون ألعابا إلكترونية! ولا يعلم أنّ خطورة هذا الأمر لا تقلّ عن أي مصيبة أخرى:

هل تعلمون أنّ كثيرا من الحكومات والبرلمانات العالميّة والعربيّة قد جعلت موضوع الألعاب الالكترونية على طاولة النقاش؟

هل تعلمون أنّ هناك دولا قد حضرت بعض الألعاب الالكترونية بسبب تأثيرها السلبي على الأطفال والشباب؟

هل تعلمون أنّ هذه الألعاب أصبحا ميدانا لترويج المخدرات بين الشباب وحثهم على الرذيلة؟!

هل تعلمون أنّ هذه الألعاب الالكترونية قد خلّفت ضحايا كثيرين بين جريمة قتل وانتحار وغيرها؟!

من هذا المنطلق فإنّ "الأميّة الرقميّة" هي حاجز كبير بيننا وبين أبنائنا يمنعنا من الرقابة التي تقتضيها المسؤوليات التربوية ولهذا لابد من التصدّي لها سواء على نطاق الفرد أو على نطاق المجتمع:

أمّا الفرد فلا بدّ للإنسان أن يقتطع من وقته قليلا للاطلاع على خفايا هذا العالم الرقمي، فليس من المعقول أن يقضي أبناؤنا الساعات الطوال في مكان لا يعلم عنه الوالدين شيئا! لابدّ للأب للأم للكبار أن يكتشفوا هذا العالم أن يقتحموه لينظروا أين يذهب أبناؤهم.

أمّا المجتمع فكما حارب الأميّة القديمة وهي الجهل بالكتابة والقراءة لابدّ أن يحارب الأميّة المحدثة بأنّ تقام الدورات والندوات لمحو هذه الأميّة ورفع نسبة الوعي بين الكبار وتعريفهم بكلّ ما يحتاجونه عن هذا العالم الخطير الشائك فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع لا على عاتق جهة من الجهات.