مواجهة ’خطر المخدرات’ مسؤولية الجميع

تنويه هام: النص من أرشيف خطب الجمعة

ظاهرة خطيرة بدأت بالانتشار والاتّساع في المجتمع، ألا وهي ظاهرةُ الاتّجار والتعاطي للمخدّرات التي تهدّد شريحة الشباب والأسرة العراقيّة والمجتمع العراقيّ، حيث يطرح عددٌ من المعنيّين في الشأن الأمنيّ والأخلاقيّ والاجتماعيّ أنّ هذه الظاهرة من حيث الاتّجار والتعاطي بدأت بالانتشار بصورةٍ كبيرة، ويُصاحبها أيضاً عدم الالتفات والتنبّه لخطورتها وعدم الاهتمام الكافي بمعالجتها.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

هذا الانتشار وهذا والترويج لهذه الآفة الخطيرة في الواقع تُهدّد المجتمع خصوصاً شريحة الشباب في حاضرهم ومستقبلهم، المشكلة كما بيّنّا أنّه حينما تكون لدينا ظاهرة خطيرة تُهدّد المجتمع ولكن هناك تنبّه وهناك التفات الى خطورتها، وهناك اهتمام كافي بمعالجتها فهذا يخفّف من المشكلة ويحدّ منها ويمكن أن يعالجها، ولكن مثل هذه الظاهرة الخطيرة التي سنذكر بعضاً من آثارها الخطيرة والمدمّرة والفتّاكة للأسرة والمجتمع والشباب، حينما لا يترافق مع انتشارها واتّساعها الالتفات والتنبّه الى مخاطرها العظيمة في مختلف مجالات الحياة، إخواني هذه الظاهرة ليست مخاطرها على الجانب الصحّي فقط بل على الجانب العقليّ والثقافيّ والفكريّ والأخلاقيّ والصحّي والنفسيّ خصوصاً لطبقة الشباب، وبالتالي عندما لا يكون هناك تنبّه وعدم اهتمام من الجهات المعنيّة بالمقدار الكافي للحدّ من هذه الظاهرة ومعالجتها، حينئذٍ هذه الظاهرة الفتّاكة تُنذر بكارثةٍ خطيرة على المجتمع العراقيّ في مختلف مجالات الحياة، خصوصاً إذا لاحظنا وتتبّعنا أنّها تستهدف شريحة الشباب، هؤلاء الشباب هم عماد الأمّة وهم أمل الأمّة في مستقبلها الذي ينشدونه، لذلك حينما تستهدف هذه الظاهرة هذه الشريحة فإنّها في الواقع تُنذر بكارثةٍ خطيرة على المجتمع، بل تُعدّ الآن من أكثر المشاكل الاجتماعيّة خطورةً لما لها من آثارٍ في مختلف مجالات الحياة.

وهنا إخواني نتعرّض الى أسباب هذه الظاهرة وما هي طرق العلاج؟ ومن هي المؤسّسات المعنيّة بالاهتمام بمعالجة هذه الظاهرة؟ هذه الظاهرة لها بُعدان خطيران، البعد الأوّل هو المتاجرة بها، حينما نجد بعض ضعاف النفوس -وهم كُثرٌ في الوقت الحاضر- يحاولون الحصول على الكسب السريع للمال الكثير من خلال الاتّجار والترويج لهذه المخدّرات بكلّ أنواعها، الفئةُ الثانية -وهي الضحيّة- الأشخاص الذين يتعاطون ذلك لأسبابٍ عديدة وسنذكر بعضاً منها، هنا نحتاج الى علاجين يترافقان معاً، علاجٌ للاتّجار والترويج لها وعلاجٌ للتعاطي، لابُدّ أن يترافق الحلّان معاً.

نأتي الى ذكر بعض هذه الأسباب، لماذا اتّسعت هذه الظاهرة الآن وانتشرت بهذا الشكل الذي يعتبر مخيفاً الآن في الواقع ويُنذر بكارثةٍ خطيرة خصوصاً على مستوى الشباب؟ السبب الأوّل هو ضعف الرّادع القانونيّ، وهذا له سببان رئيسيّان، الأوّل عدم وجود كفاية في الردع من القوانين والتشريعات التي شُرّعت لمكافحة هذه الظاهرة، السبب الثاني هو عدم فاعليّة الأجهزة التنفيذيّة المكلّفة بالحدّ من هذه الظاهرة ومعالجتها، لا لقصورٍ في الرجال المتصدّين لمعالجة هذه لظاهرة وإنّما لأسبابٍ متعدّدة، كما ذكر بعضُ المختصّين في هذا الجانب عدم إعطاء الحريّة الكافية والوسائل والصلاحيّات المناسبة للجهات التنفيذيّة لمعالجة هذه الظاهرة، أيضاً قصور الأجهزة والوسائل التي تُعطي القدرة لهذه الأجهزة التنفيذيّة أن تكتشف هذه الموادّ وتعالجها وتحاول أن تضع حدّاً لها منذ البداية، وهذه قضيّةٌ مهمّة وهي تدخّل بعض الأطراف النافذة في صلاحيّات وعمل هذه الأجهزة التنفيذيّة كما ذكر ذلك بعضُ المختصّين والمعنيّين، هذه الأمور تؤدّي الى ضعف الرّادع القانونيّ لمثل هذه الجريمة الخطيرة.

الأمر الثاني والمهمّ هو السببُ الاقتصاديّ -الفقر والبطالة-، البعض يُحاول أن يجني الكسب السريع والمال الكثير من خلال الاتّجار بهذه المادّة، عدم توفّر أنشطة اقتصاديّة كافية، والفقر والبطالة الذي يؤدّي عند الكثير من الشباب مثل بعض الخرّيجين الذي أتعب نفسه وحصل على الشهادة الدراسيّة، حينما لا يجد فرصةً للعمل ويجد مصيره مجهولاً ومستقبله مجهولاً، هذا في الواقع الكثير من الشباب ربّما ليست لديهم شهادات دراسيّة، لكن لا يجد فرصةً للعمل ويعيش -كما نرى- أجواءً اقتصاديّة ومعيشيّة ونفسيّة ضاغطة ربّما تؤدّي به الى القلق والكآبة والإحباط النفسيّ، لهذه الأسباب بالنتيجة يؤدّي به ذلك الى أن يتعاطى هذه الأمور التي يشعر أنّها تُبعده عن هذه الأجواء.

ومن الأمور المهمّة أيضاً التي نخاطب بها الأُسر هي العوامل الاجتماعيّة، ونقصد بالعوامل الاجتماعيّة رُفقاء السوء، الكثير من الشباب والكثير من الشباب والفتيات الذين يرافقون رفقاءَ السوء يوقعونه في مثل هذه الأمور، كذلك المشاكل الأسريّة والاجتماعيّة التي يعيشها بعضُ الشباب داخل الأسرة تؤدّي به الى أن يحاول الهروب من هذه الأجواء الى أجواء أخرى، يشعر أنّه ينعم فيها بالراحة والابتعاد عن هذه الأجواء الضاغطة، وأيضاً الحرّية المطلقة وفي الواقع البعض لم يفهم معنى الحريّة الحقيقيّة، أي هناك سوءُ فهمٍ وهناك سوءُ ممارسةٍ لهذه الحرّية وهناك سوء استغلال واستعمال للأموال التي تتوفّر للكثير من الشباب والناس، هذه الحريّة المطلقة مثل توفّر بعض وسائل التنعّم والترفّه والأموال الكثيرة تدفع البعض من الناس الى هذه الممارسات.

قلّة الوعي الثقافيّ والصحّي والتربويّ، إخواني التفتوا الى هذه القضيّة، نحن نحتاج في الواقع ابتداءً من الأسرة الى المدرسة الى الجامعة الى مؤسّسات المجتمع المدنيّ الى المؤسّسات التربويّة، الى وسائل الإعلام الى الفضائيّات الى وسائل التواصل الاجتماعيّ، أن تكون هناك حملة توعية تتناسب مع حجم انتشار وتوسّع هذه الظاهرة، يعني أن ترافق هذا الانتشار والتوسّع حملة توعية واسعة، لاحظوا إخواني من الآثار الخطيرة لهذه الظاهرة أنّها تُذهب عقل الإنسان وأنّها تُميت فيه الرؤية الواضحة لعواقب الأمور، وتُميت الغيرة عند هذا الإنسان والحياء، بحيث أنّنا نقرأ أحياناً أنّ البعض ممّن يتعاطى هذه الأمور قد يعتدي جنسيّاً على محارمه، وقد يؤدّي به الحال الى أن يقتل بعض أفراد عائلته وأن يرتكب أعمالاً قبيحة، لذلك نحن نحتاج في الواقع من جميع المؤسّسات التي من وظائفها ومن مهامّها أن تقوم بدور التوعية والتثقيف للمخاطر الكبيرة لهذه الظاهرة، أن تقوم بدورها في ذلك وأن تحاول على الأقلّ الحدّ من هذه الظاهرة بصورةٍ كبيرة.

أيضاً من الأمور الأخرى عدم الاهتمام الكافي من مؤسّسات الدولة المعنيّة لمعالجة هذه الظاهرة، هناك مؤسّسات كثيرة في الدولة معنيّة بمعالجة هذه الظاهرة، عدم وجود اهتمام ومعالجات وإجراءات بما يكفي للحدّ من هذه الظاهرة طبعاً مردّ ذلك الى أسباب عديدة، منها انشغال الطبقة الحاكمة في الصراعات والتجاذبات السياسيّة والمصالح الخاصّة، ذلك يشغلها عن القيام بمهامّ أخرى ومن جملتها هذه المهمّة الخطيرة التي ينبغي لهذه الأجهزة أن توليها اهتمامها، وأبيّن لكم إخواني من هي الجهات المسؤولة عن المعالجة، كلُّنا معنيّون بمعالجة هذه الظاهرة وكلٌّ من موقعه عليه أن يؤدّي الدور الذي ينبغي عليه أمام الله تعالى وأمام المجتمع، مسؤوليّةُ الأسرة تأتي بالدرجة الأولى في هذه الظاهرة وظواهر أخرى في المجتمع، ويأتي دورها في مراقبة أبنائهم وتوجيههم وتوعيتهم وإبعادهم عن رفقاء السوء، التفتوا أيّها الآباء أيّتها الأمّهات والإخوة والأخوات.. راقبوا أبناءكم وبناتكم مَنْ يرافقون؟ مَنْ يصاحبون؟ مَنْ يعاشرون؟ هذه من المسؤوليّات الأساسيّة للأسرة وهي إبعادُهم عن رفقاء السوء والأجواء المساعدة للوقوع في فخّ هذه الظاهرة الخطيرة، والحرص على تربية الأولاد وعلى الانشغال بالتعليم والنشاطات المفيدة وتوفير أجواء الثقة والاحترام لأولادهم والتواصل معهم وبناء علاقة حميمة وصداقة مع الأولاد، ينبغي أن تكون الأجواء التربويّة في داخل البيت مبنيّة على الاحترام والتقدير لهؤلاء الأولاد والبنات، بناء علاقة الأبوّة والأمومة الحقيقيّة وبناء علاقة الصداقة مع هؤلاء بحيث تنفتح عليهم وتعطيهم الثقة بالنفس، وتسأل عن مشاكلهم وما يعانونه وما هي الحلول لهذه المشاكل بعيداً عن أجواء التسلّط والأساليب التي تؤدّي الى بحث الأولاد عن علاقاتٍ خارج الأسرة تضرّهم وتأخذ بهم الى الهلاك.

ثانياً مسؤوليّة المدرسة والجامعة والمؤسّسات التربويّة في التحذير من مخاطر هذه الظاهرة والاهتمام بترسيخ القيم والمبادئ الصالحة، وإشعار الفرد والمجتمع بأنّ للأخلاق والمبادئ الحسنة دوراً مهمّاً جدّاً في الحياة كما للعلوم الأكاديميّة دورها، وتوجيه المؤسّسات الإعلاميّة والثقافيّة للفت نظر الشباب والمجتمع لخطورة هذه الظاهرة، واستخدام أساليب مؤثّرة في توعية المجتمع والشباب خاصّة.

أيّها الإخوة في الجامعات والمدارس وفي كلّ مكان، كما علينا أن نهتمّ بهذه الدروس الأكاديميّة والعلوم الأكاديميّة التخصّصية، علينا أن نهتمّ بنفس المقدار بالمبادئ والأخلاق والقيم الصالحة، ونربّي شبابنا على هذه المبادئ والاهتمام بها.

ثالثاً اهتمام مؤسّسات الدولة المعنيّة بتوفير فرص العمل لأجيال الشباب، الذين يزداد عددُ العاطلين منهم سنةً بعد سنة، وذلك بفتح المجال وتوفير مقوّمات تفعيل القطّاع الخاصّ لامتصاص المزيد من العاطلين وتوظيف الأموال بصورةٍ صحيحة.

رابعاً دعم الأجهزة الأمنيّة والمختصّة -الصحيّة والتوعويّة- لأداء دورها في معالجة هذه الظاهرة وعدم التدخّل في عملها، وتطبيق القانون الخاصّ بمعالجة وردع الأفراد المتاجرين بهذه الموادّ السامّة والقاتلة، وتشريع القوانين التي تمكّنها من قوّة الردع والمحاسبة ممّا يحدّ منها بصورةٍ كاملة.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لما يحبّ ويرضى وأن يحفظ مجتمعنا من شرّ هذه الأمور، إنّه سميعٌ مجيب والحمدُ لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

المصدر: أرشيف خطب الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي

 (1 آذار 2019م)