كيف نحارب ’الإشاعة’ في الـ ’السوشيال ميديا’؟

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»

الإشاعة لغةً من أشاع: أي أذاع وأفشى، وثلاثيّه: شاع، أي ذاع وفشى..، والإشاعة ـ فيما سيتّضح ـ موضوع للمطلوبيّة فيما لو كان المشاع خيراً، كما أنّها موضوع للمبغوضيّة فيما لو كان شراً، وسنعرض لهذا.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وأمّا في الاصطلاح فالإشاعة المبغوضة هي: بث ما هو صادق أو كاذب؛ لتحقيق ما هو غير مشروع.

وقد يكون غير المشروع هذا، منفعة شخص أو فئة، أو إضراراً بشخص أو فئة، أو مجموع الجميع؛ أي منفعة الشخص والفئة مع الإضرار بالآخرين(1).

وما الإشاعة ـ في معناها المبغوض ـ ليس لها عنوان خاص عند فقهاء الفريقين سنّة وشيعة، وإنّما يذكرونها تارة في باب قذف المؤمن كما هو الغالب، وأخرى في باب الغيبة، وثالثة في البهتان، ورابعة في باب الكذب وهتك الحرمة ونحوهما، كلّه على نحو الاستطراد وجري الكلام (2).

بعد بيان هذه المقدمة نقول: لم تكن الاشاعة وليدة اليوم ولا العهد الجديد بل إنها كانت السلاح الفتاك في الحروب القديمة من خلال بثها عبر الجواسيس والعيون التي تتمركز في ضمن الجيوش او الشعوب المتصارعة فيما بينها فكان لها اليد الطولى في السيطرة على مسيرة التاريخ واللعب بمعارف العقل الإنساني وبديهيّاته، بل الشـرع وضروراته، فتشبه الأفكار التي تريد نشرها بالحقيقة مع أنّها زيف أو خرافة أو أسطورة، وهو ما عبّر عنه القرآن الكريم بالمتشابه، حيث قال: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) (3)، فمنذ زمن الرسول (صلى الله عليه وآله)، عمد أداء الرسالة المحمدية الى الاعتماد على الإشاعة في حوادث كثيرة منها: هجرة الحبشة ومعركة أحد وحادثة الإفك وغيرها، كل ذلك الغايات منها الإساءة للإسلام.

ولاشك ونحن نعيش عصر التطور المتسارع في التكنلوجيا وما تقدمه من خدمات عبر برامج مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي التي أصبحت اليوم المرافق الأول لكل فرد منا وما يحمله هذا التصور من نفع في تقدم العلم والوصول للمعلومة وفتح المجال لإبداء الآراء والأفكار وتبادل وجهات النظر فيما بين الأشخاص لكونها المنصة الواسعة التي لم تحجم حرية الرأي، لكن وللأسف أن هذا العلم الجانح الذي ليس لمستوى تقدمه من توقف في ظل منافسة القائمين عليها لم يكن له أداة حقيقة لنبذ ومحاربة ما يفسد الحياة الاجتماعية، لذا نراه اليوم أصبح يستخدم في ما لم يعهد منه لرفد العالم بما يصلح حاله العلمي والاجتماعي لكن على عكس ذلك نراه أصبح أداة بل الأداة الأولى لحركة الإعلام الخارجي لتحريك الشارع بما يخدم المصالح العالمية بزرع الإشاعة وبث الافتراءات التي أصبحت الأداة الفاعلة لتحقق المأرب المشبوه في أي مكان تكون للجهات المناوئة والمستفيدة غرض من تحقيق عمقها الاستراتيجي.

وبما أن الإشاعة الأكثر فتكاً ودماراً للفرد والمجتمع بل يعد هذا النوع من السلاح لتحقيق الغرض أكثر من الأسلحة الكيماوية والنووية لأنها اختراق للعقول لا الأجساد، فينشط مروجو تلك الاشاعات  في الأوقات التي يراد فيها إشعال الحروب والكوارث والفوضى في بلد ما لان الناس في هذه اللحظات يكونون أكثر توجها لقبول الاشاعة لما يتوقعونه من حدوث الشرور وما لا يحمد عقباه، فتجدهم يتفاعلون مع الإشاعة كأنها حقيقة الوقوع من غير أن يكون في نقلها تحقق وتمحص لمعرفة صحتها من عدمها، فتكون السبب في غفلة وعمي الناس عن الحق والصراط المستقيم، وهي بالتالي تكون أداة وبيئة خصبة للفاسدين والمفسدين وأصحاب القيل والقال، ولذلك فهي معول هدم لا بناء، وتجذّر الطاقة السلبية والانهزامية وعدم الثقة.

ومع تقدم التكنلوجيا وكثرة برامج التواصل المطروحة مثل الفيس بوك والوتساب والتلكرام  وانستكرام وغيرها من تلك التقنيات الحديثة فقد بات انتشار الإشاعات ووصولها الى أكبر شريحة من أفراد المجتمع أمر في غاية السهولة إذ تؤدي دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام وتعبئة الجماعات فلم يحتاج الى عناء وعمل دؤوب لتمرير الإشاعة كما كانت الحال في قابل الأيام حيث كانت الجهات المستفيد تبذل الجهد والمال لزعزعة نفوس المجتمعات فمثلا عندما لم يكن التطور قبل أكثر من خمسة عشر عام حينما ارادت القوى الكبرى إسقاط أي نظام مجرم وزحزحته عن سدة الحكم تأخذ في تهيئة الأجواء لسنوات حتى تتمكن من إقناع تلك البلدان وهذا ما فعلته في ليبيا حينما أسقطت القذافي لكن اليوم لا تحتاج لكل ذلك فمن خلال نقرة زر من خلال تلك البرامج المتعددة تجدها قد تنجح ببث كل أهدافها وخلال بعض الساعات المعدودة فبذلك أصبح الإعلام ومن خلال تلك الأدوات هو الوسيلة الناجعة والسريعة لإيصال فكر تلك الجهات التي تجلس خلف منظومة عالمية لإدارة الأزمات من خلال بث الإشاعة واليوم نجد هناك فنون متعددة وطرق مبتكرة لفبركة الأخبار وتزييف الحقائق.

وللأسف بسبب تدني روح المصداقية في تلك المؤسسات الإعلامية بل لعل في الكثير منها انعدمت لتصبح وسيلة لبث الإشاعة والأخبار الكاذبة والمزيفة وذلك لعدم استقلاليتها بل لتبعيتها في كثير من الأحيان لجهات هي تريد زرع البلبلة وتؤجج الاقتتال لتنال هي مغانمها وتصل الى مبتغاها. 

ولذلك نقول لو صدّق الناس كل ما يقال في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي من غير تبين وتحقق فإنهم في غفلة من أمرهم وساذجون وبعضهم سفهاء وغير قادرين على تمحيص الغث من السمين وربما غير قادرين على التثبّت أو بعضهم ليس رشيداً مصداقاً لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)(4).  

كيف نعالج الإشاعة؟

أولاً: من خلال تثقيف الجماهير على مدى الخطر الذي تخلفه الإشاعة.

ثانياً: زرع روح المصداقية بين الآخرين وعدم تخوين الطرف الآخر.

ثالثاً: عدم قبول الخبر من غير تمحص في حقيقته ومداليله.

رابعاً: التعامل مع الشائعة وردها بما يتناسب معها.

خامساً: معرفة شخص الناقل للإشاعة وكما أشارت إليه آية البينة.

سادساً: إرجاع كل ما ينشر الى أهل الاختصاص لمعرفة مدى مصداقيته من عدمها وكما أشار قول الله تعالى: (و إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به و لو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (4).

الهوامش

(1) الإتحاف في خطر الإشاعة والإرجاف، الشيخ باسم الحلي 13.  

(2) نفس المصدر 15.  

(3) سورة آل عمران: 7.  

(4) سورة الحجرات: 6.  

(5) سورة النساء: 83.