الحياة تجارب: شر وأشرار.. دعونا نجرّب طريق اللاعودة!

حديث عميق عن الشر والأشرار

ما هو الحد الفاصل بين الخير والشر وهل يمكن للإنسان أن يحددهما بسهولة وبالتالي يختار الخير، او أنه يختار الشر لعناصر تتداخل في نفسه وأفكاره وأهدافه، ولماذا يختار الأكثر طريق الشر مع أنه عاقبته سيئة وطريق مظلم يملأ القلب بالقساوة والظلم والشيطنة؟

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

العقل بالتأكيد هو الذي يعطي للإنسان القدرة على تحديد الخير والشر، كما أن الفطرة والضمير تفهم ما هو الخير وما هو الشر؟ كما أن نتائج الأفعال والعبر من تجارب الماضين توضح الفرق بينهما.

المشكلة أن الشر يستهوي الكثير نتيجة رؤيتهم السطحية للكوارث التي يتسبب بها، فالطمع والتكبر والحسد والطموحات العمياء تحجب رؤية العقل عن النتائج، ويغطي الضمير عن العتاب الداخلي، ولكن هذا الاستهواء للشر تراكمي وإذا انتشر يصبح بنيوياً صعبٌ استئصاله.

ولذلك فإن المعرفة لهذه الشرور والوعي بأساليب تجنبها والتربية العميقة على قيم الخير سيؤدي الى تراكم الخير وفضائله في فضاء مجتمعاتنا.

سيد الحكماء والعقلاء والأوصياء أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحدد في مجموعة أقواله وحكمه ما هو الشر الذي يقود نحو الظلمات وماهي الكوارث التي يتسبب بها، نتأمل فيها من أجل ان تفتح لنا أبواب الخير وتوصد أبواب الشر:

حيث يقول (عليه السّلام):

(شَرُّ الْأَخْلَاقِ الْكَذِبُ وَالنِّفَاقُ)

حيث تموت القيم التي تحقق للمجتمع توازنه وانسجامه وتماسكه وبالتالي الثقة التي يحتاجها الناس للتعامل الصادق بينهم، ولكن يسقط الأفراد وتموت فيهم هويتهم الإنسانية الصالحة بسبب الكذب والنفاق، ويتوحش المجتمع وتسود فيه الفوضى ويفقد الإنسان إيمانه بالحياة الصالحة، ويستأسد الأقوياء على الضعفاء ويغيب الإنصاف والعدل، فليس هناك شيء صادق يعتمد عليه أو يكون معياراً للتفاهم والتعايش والتواصل، فالوجوه متعددة والسلوك ازدواجي والتعامل انفصامي، فكل كذاب منافق وكل منافق كذاب والنفاق يبدأ بالكذب لذلك أصبح الكذب ملك الرذائل.

يتصور الكاذب أنه سيتربّح بكذبه ولكن حبل الكذب قصير لذلك سيكون أكبر الخاسرين، ويتصور المنافق أنه يخدع الناس بتلونه فيتلاعب بهم ولكنهم سيرون لونه الحقيقي ويسقط في جحيم تلاعبه وينكشف لونه الأسود.

الصادقون هم الرابحون لأن الكون قائم على الصدق، والواضحون ناجحون فتبتسم الحياة لهم.

(شَرُّ النَّاسِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ خَيْرُهُمْ)

النرجسي المتعالي المحب لنفسه يحتقر الآخرين يستغرق في التكبر ويتسافل بالاستبداد فهو نقص دائم لأنه لا يرى في نفسه نقصا، وشر متطور لأنه لا يرى في نفسه عيبا، وعار دائما لأنه لا يرى في سلوكه عاراً.

يرى نفسه أفضل بماله ولكنه حريص بخيل أناني استئثاري احتكاري، يرى نفسه أعلى من غيره بعلمه فيصبح سجينا لجهله المركب.

يرى نفسه المبدأ المطلق فيسحق كل المبادئ فيطلق شروره وسمومه تجاه الآخرين، إنه المتعصب العنصري البائس الذي اختار طريقا سيئا ليثبت ذاته، فلا ينشر الا البؤس والكراهية والحقد والثأر والعنف، لذلك فهو في انحطاط دائم نحو الغرق في مستنقع الشر.

الإنسان المتفوق هو الذي كلما علا يزداد تواضعا واحتراما للآخرين، وكلما زاد تواضعا زاد علوا وزاد احترام الناس له.

(شَرُّ الْأُمُورِ الرِّضَا عَنِ النَّفْسِ)

الجامدون الساكنون الراكدون الراكنون في الفناء الخلفي، هم الذين قد رضوا عن أنفسهم فتوقف التقدم في حياتهم، الذين رضوا بعملهم واستحسنوه لأنفسهم، رضوا بأن يصبح متضائلا، رضوا بتوقف عقارب الساعة عندهم فأصبحوا بلا زمن، والحياة لن ترحم الذين توقف زمنهم، فالإنسان في سباق مع الزمان والرضا الموهوم يجعله خاسرا، لذا يتحول الى شر لأنه يصبح جامدا والأشرار هم الذين يريدون أن تصبح الأمور راكدة فيستربحوا ويتسلطوا ويستعبدوا.

الرضا عن النفس تخلف مطلق وفشل دائم ومراجعة العمل طريق للتقدم وسير نحو النجاح.

(شَرُّ الْأَفْعَالِ مَا جَلَبَ الْآثَامَ)

كل فعل لا يخرج من دائرة كونه خير او شر، ولا يخرج من كونه صالح او طالح، ولا تبرر الغاية الوسيلة، حيث لا يطاع الله من حيث يعصى، فليس الفعل خير إن سلك طريق الشر.

وهؤلاء الذين يعتقدون انهم يصلون الى الخير بالمعاصي والآثام هم واهمون او انتهازيون فيسقطون عاجلا في نتائج افعالهم، خصوصاً أولئك الذين يرون في السلطة قوة ونجاحاً مهما كانت الوسائل، او المشتغلون بالمال ربحاً واستثماراً مهما كانت طرقهم.

ومن يرى في الملذات طريقا للمرح مهما كانت انحرافاتها، ستكون النتائج وخيمة لأن الآثام تقود نحو الشر والبؤس، ألم يصاب الملتذون بالزنا بأمراض دمرت حياتهم، والغارقون في السكر كيف سلب الخمر أجمل أيام حياتهم، والحاكمون للناس بالعنف والاستبداد والظلم كيف تحولت بلدانهم الى جحيم.

الأفعال الصالحة هي التي تنبعث من العقل والضمير والوعي بالعواقب وتقود نحو حياة صالحة، والأفعال الشريرة تسيرها الغرائز العمياء والشهوات المنفلتة والأهواء الحمقاء فتقود نحو الشقاء والأزمات.

ولا تقول إن الحياة تجارب فدعنا نجرب الآثام فهذه وساوس النفس الشيطانية الخادعة فالآثام تجر نحو آثام أكبر، وإدمانها لا يمكن الخلاص منه، فأدمن أفعال الخير لتجد كل اللذة والفرح.

(شَرُّ النَّاسِ مَنْ لَا يَقْبَلُ الْعُذْرَ وَلَا يَغْفِرُ الذَّنْبَ)

الله الغفور الرحيم يحب ان يتخلق الناس بأخلاقه، فيغفرون لغيرهم كما يغفر الله تعالى لهم، لأن الغفران من أعظم تجلياته سبحانه وتعالى في البشر، لأنه بالغفران يسمو الإنسان ويرتقي ويتعالى عن الحقد والكراهية، فمن لا يقبل الاعتذار يتخلى عن هذا الخير العظيم بالتسامي، وعندما يتخلى أفراد المجتمع عن التسامح والعفو تسيطر الكراهية والعنف فمن لا يغفر لا يُغفر له، والمجتمعات المتأزمة هي التي لا توجد فيها ثقافة قبول الاعتذار بل تكون مهددة بالصراعات والحروب بكافة أشكالها والصراعات هي أساس الشر.

البشر يخطئون وعندما تغيب لغة الاعتذار تستفحل الأخطاء وتتراكم الذنوب ويسيطر القوي على الضعيف وتموت العدالة ويسود الانتقام، فما هي قيمة الحياة التي لا يُقبل فيها الاعتذار.

ثقافة الاعتذار وترسخها السلوكي والاجتماعي يعبر عن سير تطوري متصاعد نحو مدارج الخير والصلاح.

وقبول الاعتذار لا يكفي بشكل سطحي بل لابد أن يكون مقترنا باقتلاع أي كراهية تستوطن القلب، فالغفران يقترن بالرحمة، والرحمة مطلقة ليست فيها شروط مسبقة او لاحقة لأنها الإطار الشامل للكون.

بالغفران نستطيع أن نعيش أجمل أيام حياتنا، وبعدمها تتحول الأيام الى تعاسة تتراكم بسبب هيمنة الشرور وانطفاء المحبة وفقدان التراحم.