بلادنا والمخاطر: انحدار أخلاقي وسياسي.. هل ضاعت بوصلة الوعي؟!

تنويه: المعلومات والآراء الواردة في هذا المحتوى تمثل رأي مؤلفها ولا تعكس بالضرورة رأي أو سياسة «الأئمة الاثنا عشر»

بوصلة الوعي الاجتماعي

يحدد الوعي القيمة الذاتية للأفراد، ويحدد ملامح المجتمع وتقاس المجتمعات على أساس وعيها سواء كان الوعي المرتبط بالسياسية او الوعي المرتبط بالفكر والثقافة والدين والاقتصاد، ويقابل الوعي التخلف والجهل والتراجع والنكوص.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وبالضرورة الواضحة يتحتم على المجتمع الذي يضعف فيه الوعي أن تبادر النخبة المعنية الى إعادة تشكله وتمكنه من المجتمع بالسرعة الممكنة والا فإن انخفاض نسبة الوعي يؤشر الى ارتفاع نسبة الجهل او الشك او التردد، ولا يمكن لأي مجتمع أن يعيش أزمة الوعي ويخرج منها سالماً معافى، بل هنالك ضريبة وخسارة جسيمة وثقيلة، والمجتمع الذي لا يريد أن يفهم ويعي أوضاعه المختلفة سيكون عرضة للفتن والابتلاءات المختلفة.

إن تحديد بوصلة الوعي بالنسبة للناس من قبل النخب باتت ضرورة ولا سيما في بلاد مثل العراق، البلاد التي تتعرض لمشاكل خطرة للغاية على مستوى الوعي الجماهيري، ولا تمر حادثة الا وتخلف خلفها مجموعة من المؤشرات التي تُظهر تراجع الوعي الفكري والسياسي والإعلامي، وأرقام المؤشرات مقلقة جداً، لان الأوضاع التي يمر بها البلد لا يحسد عليها، بل تضيف عدة تعقيدات يصعب حلها اذا تراكمت، وقد شخصت النخب الواعية والحكيمة في هذا البلد المشكلة الحقيقة التي تمس بعمق أزمة وعيه المقلقة، ولكن تكمن المشكلة الحقيقة بـ (الناس لا يسمعون) وهذا يعني أن الخلل يقع على عاتق الناس فقط، بعد أن حددت النخب والشخصيات المشاكل الجسيمة التي يمر بها المجتمع؟

الحق، أن المشكلة تكمن في النخب، او ممن يحسبون أنهم النخب الواعية التي تقدم النصائح والتوجيهات دائماً للناس، والتي تساهم عبر الإعلام والقنوات الى توجيه وتثقيف الناس بالوسائل المعروفة، والمتابع يرى أن الاضطراب الحاصل في هذه البيئات التوعوية قد انعكس ايضاً على الناس وقسمهم الى توجهات، ولولا هذه المساحة من الاختلاف والخلاف والتشظي لما كان الذي نراه من أزمات كارثية تضرب بنية الوعي الاجتماعي، ومن هنا يظهر أن اعادة وعي النخبة الآن هو المطلوب بدلاً من إعادة وعي الجماهير، ويظهر للوهلة الأولى صعوبة الأمر، لكن النظر بسيرة المجتمعات التي تقدمت يعطي الدافعية للقول أن وعي النخب ينعكس بصورة عامة على الناس.

مراجعة النخبة الفاعلة في ميدان التواصل الاجتماعي والإعلام بصورة عامة اليوم وإلقاء نظرة فاحصة يجعلنا نثق تماماً بالرأي أعلاه، حيث تجد بساطة وسذاجة المحتوى الذي يقدم للناس، وهذه التغذية الإعلامية هي تغذية فكرية للأجيال ولا سيما الجيل الصاعد، وما لم تفحص هذه المواد سنقع في كارثة وأزمة وعي مقلقة جداً، هذا النموذج وقس عليه سائر الظواهر الأخرى مثل أطروحات الاحزاب والمنظمات والقنوات والتوجهات المريبة والتي ساهمت بصورة فاعلة في تردي وعي الناس تحت يافطة الحرية وما شابه.

إن كثرة الأطروحات المختلفة والمضطربة تجعل بوصلة الوعي غير دقيقة، فيصاب المجتمع بتشتت الرؤية وضبابية التمييز، وعلى سبيل المثال لا الحصر، مقياس درجة وعي الجمهور في الانتخابات وما بعد الانتخابات والاحتجاجات والمظاهرات وغيرها، كلها تعطيك صورة شبه مكتملة عن ملامح الوعي الاجتماعي، وهل أن المجتمع يحافظ على بوصلة الوعي!

أعظم الأعمال التي يمكن أن يؤديها النخبة هي إعادة تشكيل وعي الناس والعمل على تخليص الرؤية من أي شوائب تسبب تشتت وعيهم، بل إيصال المجتمع الى ذروة التكامل لا تتم الا عن طريق تحديد بوصلة الوعي، فكيف يسير الناس الى تكاملهم دون أن يعرفوا الطريق ويعرفوا حجم المخاطر والتعقيدات التي إن لم يحسنوا رعايتها أخرجتهم عن مسيرهم وأودت بهم خارج حلبة الوعي، ومن ملامح هذا الخروج ما تعيشه بعض الجماعات والجماهير من حالة اضطراب وتنقّل بين فكرة واخرى وأطروحة وأخرى، وهذه التنقلات مرجعها الى أسباب كثيرة ولكن يقع في مقدمتها ضعف الوعي، لأن حركة الإنسان من توجه لآخر يعتمد على رؤيته وثقل دماغه بالمعلومات واليقينيات والشكوك التي تعتلي رأسه وقبله، وإن أخطر إصابة يتعرض لها الانسان هي إصابته بفكره، لأن خراب المنظومة الفكرية يساهم في خراب الصورة العامة لأي مجتمع، لذلك من الممكن أن يتقدم المجتمع بالمال والاقتصاد ولكنه يتراجع من نواح اخرى كالتراجع الأخلاقي في العالم كله، وهنا تبدو بوصلة الوعي الأخلاقي والقيمي في أزمة حقيقية، وربما كلما تقدم الناس أكثر في الحياة وتوغلوا في سننها السلبية المادية قويت الأزمة الأخلاقية ونكص الإنسان ورجع الى أيام هذا الكائن الاولى حيث الغرابة والجهل والفشل.

إن ارتباك الناس وتشتتهم في الأحداث وإن كان عند بعض الباحثين يعد مسألة طبيعية، لكن في الوقت نفسه يكشف عن ضياع بوصلة الوعي، ومحددات الضبط، كما أن المجتمع الذي يمتلك الرؤية والثبات بصورة عامة في الأحداث وتقل فيه الاضطرابات يعود ذلك الى رسوخ الوعي في وجدان وضمير الأمة، فقوة الوعي الديني جيدة وراسخة بصورة عامة تجاه القضايا التي تمس عقيدة المتجمع بسبب النخبة العاملة والتي هي من رحم المجتمع وتعيش معه ظروفه المختلفة ولذلك بوصلة وعي العقيدة الدينية راسخة بصورة عامة برسوخ المرجعية الدينية التي تساهم بضبط وتر الوعي والتوازن بين العطاء والتثقيف، ولكن نحن نعيش أزمات أخرى يعاني منها المجتمع، أزمات باتت خطرة جداً، مثل أزمة الانفلات الأخلاقي، وأزمة السلاح، أزمة الاحتراب، أزمة الابتزاز، أزمة التسقيط، أزمة التنمر، أزمة الطلاق، أزمة الخلافات الأسرية، أزمة الإعلام الهابط، أزمة تحزب المجتمع. وأزمات كثيرة جداً، كلها تخبرنا عن التراجع الكبير في الوعي وعدم إيجاد البوصلة التي تقاس بها الأشياء وتكون ضابطة حين نضطرب ونقع في المشاكل التي تخلفها الأحداث المستمرة في هذا البلد.