أخبار في كل مكان.. هل تحتاج ’الصحافة’ إلى أخلاق؟!

أخلاقيات الإعلام

كتب د. عبد القادر بن شهاب:

نطالع من حولنا كل صباح ومساء وعلى مدار الأربع والعشرين ساعة في اليوم والليلة كما هائلا من المطبوعات الصحفية والمواقع الإلكترونية الإخبارية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تحمل في

طياتها العديد من الأخبار والتقارير الإعلامية والتحقيقات والاستطلاعات عن مختلف الأحداث والوقائع من كل أرجاء المعمورة.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

وأمام هذا المشهد الإعلامي المشحون بالتنافس الإخباري تفنن الصحفيون والإعلاميون والمحررون في جمع الأخبار ونشرها في وسائل الإعلام بكل أنواعها المقروءة والمطبوعة والمرئية والمسموعة والإلكترونية ليظفروا بذلك سبقا إعلاميا سريعا يهدفوا من خلاله الحصول على أكبر عدد من الجمهور والمتابعين.

لكننا نجد أنفسنا أمام هذا الكم الهائل من الإنتاج الصحفي والإعلامي المحاط بنا من كل جهة نحتاج إلى أن نتبين من مصداقية وصحة ما يكتب وما ينشر وما يذاع في وسائل الإعلام، ومدى تحري الدقة والموضوعية في الكتابة والنشر الإعلامي، والذي يعد من القواعد المهنية والأخلاقية للنشر الإعلامي والذي يجب على المؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها والصحفيين والإعلاميين الالتزام به حرصا منهم للوصول إلى إنتاج صحفي إعلامي ملتزم بالمصداقية والدقة والموضوعية بعيدا كل البعد عن التضليل والدجل الإعلامي وفي هذا الإطار تتحمل وسائل الإعلام بكافة أشكالها التقليدية والحديثة مسئولية كبيرة في المجتمع نحو ما تقوم به من نشر وتثقيف وتعليم وتوعية في المجتمع الذي تعمل فيه، حيث تقع على عاتق وسائل الإعلام مسئوليات عظيمة تتضمن مسئولية إعلامية تجاه المجتمع العام وذلك من خلال إتاحة المعلومات وعدم إلحاق الضرر بالآخرين، وهناك مسئولية إعلامية تجاه المجتمع المحلي وتتضمن إبلاغ الناس بما يحقق مصالحهم وتجنب الإضرار بها، وهناك مسئولية إعلامية تجاه نفسها من خلال أداء الرسالة الإعلامية بكل دقة وصدق وموضوعية وأمانة لما فيه صالحها كمؤسسة إعلامية وما فيه صالح المجتمع.

فأخلاقيات الإعلام هي مجموعة القواعد والواجبات المسيرة لمهنة الصحافة والإعلام أو هي مختلف المبادئ التي يجب أن يلتزم بها الصحافي أثناء أداءه لمهامه أو بعبارة أخرى هي تلك المعايير التي تقود الصحفي إلى القيام بعمل جديد يجد استحسانا عند الجمهور، كما أنها أيضا جملة المبادئ الأخلاقية الواجب على الصحافي الالتزام بها بشكل إرادي في أداءه لمهامه كمعايير سلوكية تقوده إلى إنتاج عمل ينال به استحسان الرأي العام.

كما يمكن القول أن أخلاقيات الإعلام هي تلك الأخلاقيات المتعلقة بمهنة الإعلام وهي مجموعة من القيم المتعلقة بالممارسة اليومية للصحفيين وجملة الحقوق والواجبات المترابطتين للصحفي، فالقواعد الأخلاقية التي تنظم السلوك المهني للعمل الإعلامي تشكل في مجموعها قواعد وقوانين التنظيم للعمل الإعلامي تكون بمثابة مواثيق للشرف الإعلامي بمسئولية اجتماعية واعية في كل ميادين العمل الإعلامي من الصحافة والإذاعة والتلفزيون وحتى السينما والإعلام الجديد، وهذه القواعد والقوانين تؤكد على إرشادات هامة توضح للصحفي ما له وما عليه، من أهم هذه القواعد المهنية: (ضمان حرية الصحافة والإعلام - حرية الوصول إلى مصادر المعلومات الموضوعية - الدقة والصدق وعدم تحریف عرض الحقائق - الحق في المعرفة - الموضوعية وعدم الإنحياز - المسئولية إزاء الرأي العام وحقوقه ومصالحه اتجاه المجتمعات القومية والعرقية والدينية والأمة والدولة والدين والحفاظ على السلم والأمن الاجتماعي – النزاهة والاستقلالية - ضرورة الامتناع عن التشهير والاتهام بالباطل والقذف وانتهاك الحياة الخاصة - حق الرد والتصويب - العدل والإنصاف - الحفاظ على الآداب والأخلاق العامة - احترام السرية المهنية).

وتعتبر محاولة التنظيم القانوني والمهني والأخلاقي لوسائل الإعلام بمفهومها الشامل (المطبوع والمذاع والتفاعلي) عملية ممتدة ومتراكمة، وتعود جذورها الأولى إلى مطلع القرن السابع عشر، ففي عام ۱۷۱۰م صدر مرسوم روماني يلزم الصحافة بالتقيد بالقوانين المتعلقة بالقذف والتشهير، وإساءة السمعة.

وكانت أول محاولة فرنسية سنة 1918م حيث عملت فرنسا على وضع ميثاق الأخلاقيات الإعلام بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، نظرا للدور الفعال الذي لعبته وسائل الإعلام في تلك الفترة، كما كانت هناك محاولات أخرى في مختلف أنحاء العالم، حيث في ۱۹۲۹م وضع " قانون الآداب " الذي عرف تعديلات عديدة نسبة إلى النقابة أكثر تمثيلا للصحفيين في الولايات المتحدة الأمريكية، وعرف الأخير التفافا واسعا للصحفيين حوله، ويتضمن هذا الأخير ثلاث فصول هي: الآداب، الدقة الموضوعية، وقواعد التسيير، أيضا في سنة 1936م كانت محاولة ثالثة في المؤتمر العالمي لاتحاد الصحافة في مدينة براغ التشيكوسلوفاكية حيث تم التطرق إلى ما يجب على الصحافة فعله، كما انصب الاهتمام على تحقيق السلم والأمن

 العالميين وهذا راجع إلى أنها جاءت في فترة ما بين الحربين، التي تميزت بتوتر العلاقات الدولية، بحيث يمكننا القول بأن أخلاقيات المهنة الإعلامية تعكس الظروف التاريخية التي تظهر فيها لتدعم هذه الأخيرة بوضع قانون من طرف النقابة الوطنية للصحافيين عام 1938م ببريطانيا وقد تضمنت القواعد المهنية التي يجب على الصحف تبنيها.

وفي الأخير هذه بعض التوصيات التي قد تساهم في دعم تطوير أخلاقيات العمل الإعلامي كالتالي:

(تدريب الإعلاميين على ممارسة أعمالهم بمسئولية لتحقيق الصالح للفرد والمجتمع - عمل دورات تدريبية للإعلاميين من مندوبين ومحررين وجميع العاملين في المؤسسات الإعلامية وحثهم على احترام الدقة والموضوعية والالتزام بالصدق - عقد ورش عمل وندوات تشجع على زيادة الوعي بالاعتبارات الأخلاقية في الإعلاميين - إجراء الدراسات والبحوث العلمية عن أخلاقيات العمل الإعلامي وتدريبها كمنهاج لطلاب الإعلام في كليات ومعاهد وأقسام الإعلام - عدم منح رخصة ممارسة العمل الإعلامي إلا بعد التأكد من امتلاك المتقدم لقدرات علمية وموهبة ورغبة صادقة الممارسة عمله - تنمية أدوار النقابات والمجالس الإعلامية الرصينة التي تعمل كنظم ضبط أخلاقية للإعلاميين - إعادة تقويم أوضاع الإعلام والصحافة من الناحية المهنية والارتباط الأخلاقي المهني).

المصدر: كتاب الإعلان التلفزيوني وتأثيره في الجمهور- سعد سلمان