فتوى حسب الطلب: المرجعية لا تخضع لـ «الرغبات» و «الأهواء»!

المرجعية الدينية بين رغبات الجماهير والتكليف الشرعي

كتب محمود آل الشيخ العالي:

أثبت تاريخ المرجعية الدينية بأن كل من تصدوا لهذا المنصب الكبير امتلكوا رشداً ووعياً سياسياً تعاملوا من خلالهما مع كل القضايا الحادثة والأزمات الطارئة طوال عهد المرجعية في تاريخ التشيع.

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

فتعاملوا معها بمقتضى متطلباتها بعد التشخيص الدقيق لطبيعة الظرف والمرحلة فربما اقتضى الظرف التصدي وإبراز الموقف العلني والتدخل المباشر، وربما اقتضت المصلحة السكوت، أو التدخل غير المباشر من خلال الإيعاز للوسائط السياسية أو الاجتماعية في حل المشكلة والأزمة.

فكم كان للمرجعيات من دور غير معلن في المنعطفات التاريخية والأزمات التي ألمت بالواقع الإسلامي في مختلف البلدان، وما يواجهه محدودو التفكير وقصيرو النظر من نقد ومطالبة للمرجعية بسبب عدم اتخاذ المواقف الصريحة والمعلنة تجاه بعض قضايا الشأن العام، هو لغفلتهم عن نقطة أساسية وهي أن المراجع أعزهم الله في ظل تحليهم بالورع والتقوى وحرصهم على تحقيق المصلحة العامة فإنهم يرسمون مواقفهم ويصدرون بياناتهم بعد دراسة مستوفية لجميع زوايا الظرف القائم والاستعانة بأهل المشورة من أصحاب التخصص والمعرفة، وربما اقتضت الحكمة في بعض الأحيان السكوت لما يمثله ذلك من حل، فالسكوت في بعض الأحيان موقف، كما أنه ليس بالضرورة أن يتوقف حل المشكلة ومعالجة الأزمة على إصدار بيان أو إطلاق فتوى.

بل ربما كان في إصدار الفتاوى والبيانات زيادة إرباك ومزيد تشويش وتوسيع انقسام وتشرذم وإسقاط لهيبة الفتوى إذا لم يضمن نجاحها أو لم يهيّأ الواقع لقبولها.

ومن الشواهد في هذا الشأن ما فعله المجدد الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي عندما أصدر فتواه الشهيرة بحرمة التنباك حيث لم يصدرها إلا بعد أن هيّأ العلماء والمرشدون والوعاظ الأجواء الاجتماعية لقبول فتواه بحرمة التدخين.

ولما سئل عن ذلك أجاب بأن إصدار الفتوى مع عدم ضمان نجاحها بين الناس هو إهانة للفتوى، وإضعاف لمقام المرجعية.

وما نشهده من مطالبات من قبل البعض تخرج عن حد التساؤل والاستيضاح إلى حد المطالبة بالموقف هي قلب الموازين وتقمص للأدوار، فإن الناس هم من يجب عليهم تلقي الموقف من المرجع وتحديد تكليفهم في ضوء توجهاته وفتاواه لا أن يحصل العكس فتكون مواقف المرجعية قيد أهوائهم وطبقا لرغباتهم وتشخيصاتهم.

المصدر: كتاب سلسلة مقالات في المرجعية والتراث